Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التعافي الاقتصادي البريطاني خسر زخمه قبل ظهور "أوميكرون"

بيانات تشير إلى أن الناتج هبط بالفعل قبل وصول المتحورة الفيروسية

تتفاقم الصعوبات الاقتصادية في المملكة المتحدة منذ فترة غير قصيرة (بيكسباي)

تظهر بيانات جديدة أن اقتصاد المملكة المتحدة لم يتقدم بالسرعة المتوقعة قبلاً، خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر (أيلول) 2021، وستثير الأرقام تساؤلات حول مدى متانة التعافي السابق على انتشار المتحورة "أوميكرون"، لا سيما مع إمساك موجة من العدوى والعزل الذاتي بالبلاد مجدداً، فقد خفض تقدير معدل النمو المحقق خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر من 1.3 في المئة إلى 1.1 في المئة، ويشير "مكتب الإحصاءات الوطنية" إلى أن أحد الأسباب الرئيسة لذلك يتمثل في أداء المملكة المتحدة الضعيف على صعيد التجارة الدولية مقارنة مع بلدان مماثلة.

وعلى الرغم من إبراز السياسيين منافع السياسة التجارية الجديدة في حقبة ما بعد "بريكست"، تشير البيانات حتى الآن إلى أن المملكة المتحدة تعاني قطف ثمار ارتفاع أحجام التجارة مع بدء الاقتصادات الرئيسة في التعافي من الأثر السلبي للجائحة، فقد تراجعت صادرات البضائع بنسبة 8.8 في المئة بين يوليو (تموز) وسبتمبر من هذه السنة، وفاقم ذلك التراجع مدى العجز في الحساب الجاري الذي يمثل مقياساً للفجوة بين قيمة صادرات المملكة المتحدة مقارنة مع قيمة وارداتها، إذ اتسع العجز إلى 21.70 مليار جنيه استرليني (29.07 مليار دولار) خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر.

ويعزو نائب مدير "مركز الإصلاح الأوروبي" جون سبرينغفورد تراجع صادرات المملكة المتحدة، ليس إلى الاتحاد الأوروبي وحده بل أيضاً إلى بلدان أخرى، إلى تأثير "بريكست" في دور بريطانيا كمنتج للبضائع الوسيطة [بمعنى أنها السلع التي تستخدم في صنع سلع أخرى تكون منتجاً نهائياً يباع في السوق].

ووفق سبرينغفورد، "كانت بعض الشركات متكاملة بعمق في سلاسل الإمداد الخاصة بالاتحاد الأوروبي، ثم واجهت إخراجها القسري منها". ويظهر هذا الدليل على الاضطرار إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد في بيانات الاستيراد والتصدير من الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى، وكذلك يرى سبرينغفورد أن هذا الوضع يشرح الأسباب وراء الصعوبة التي قد تواجهها بعض الشركات البريطانية في استيراد بعض المكونات من الاتحاد الأوروبي لغرض التصدير في وقت لاحق إلى أماكن أخرى.

ومع ذلك، في حين أن الصورة العامة الخاصة بالفصل الثالث من السنة جاءت أكثر قتامة بقليل مقارنة مع تقديرات سابقة، برزت بعض الأنباء الطيبة، إذ بينت تعديلات البيانات المتصلة بسنة 2020 أن المملكة المتحدة استعادت خلال 2020 وأوائل 2021 أرضية [في الاقتصاد] أكثر مما أشارت إليه الأرقام السابقة، وهذا يعني أن الاقتصاد انكمش بنسبة 1.5 في المئة مقارنة مع نهاية 2019، قبل أن يبدأ تأثير جائحة كورونا، مما شكل تحسناً كبيراً عن الرقم السابق البالغ 2.1 في المئة.

في المقابل، تظل المملكة المتحدة متخلفة عن الأعضاء النظراء في "مجموعة البلدان الكبرى السبعة" في الاقتصادات الرئيسة، وذلك على صعيد تعافيها وصولاً إلى مستويات ما قبل الجائحة، فقد جسد اليابان البلد الوحيد في "مجموعة السبعة" الذي سجل أداء أضعف من السابق، إذ انكمش الناتج 1.9 في المئة مقارنة مع نهاية 2019، وقدرت بيانات أكثر ملاءمة زمنياً أن النمو الاقتصادي بالكاد تحرك، إذ نما بواقع 0.1 في المئة بين سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) 2020.

واستطراداً، لا ينفي ذلك أن المملكة المتحدة ستشهد، بحسب ما تردد الحكومة تكراراً، نمواً سريعاً خلال العامين المقبلين، وفق تقديرات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، وإذا صحت التوقعات التي أصدرتها تلك المنظمة في وقت سابق من هذا الشهر، بمعنى أن تسجل المملكة المتحدة نمواً بـ6.9 في المئة عن إجمالي سنة 2021، فستتفوق على سائر اقتصادات "مجموعة البلدان السبعة"، لكن يأتي ذلك بعدما تراجع ناتجها المحلي الإجمالي بوتيرة أسرع وأكثر قوة في 2020، وهكذا لا تخبر التوقعات القصة كلها.

وكذلك لا ترصد البيانات الأحدث الصادرة عن "مكتب الإحصاءات الوطنية" تأثير المتحورة "أوميكرون" في ثقة المستهلكين المتمثلة في التسوق خلال الفترة التي تسبق عيد الميلاد، أو الضربة المالية الصارخة التي أصابت قطاع الضيافة وسط اقتراحات حكومية بتقليل التواصل الاجتماعي إلى الحد الأدنى في مرحلة مهمة للموازنات الإجمالية في مؤسسات ذلك القطاع.

وفي حين أعلنت وزارة المالية هذا الأسبوع توفير دعم بمليار جنيه لبعض القطاعات الأسوأ تأثراً، حذر خبراء قطاعيون واقتصاديون من أن ذلك لن يقدم سوى تعويضات ضئيلة مقارنة بالأرباح الموسمية الطبيعية، فوفق الخبير في الاقتصاد البريطاني لدى "كابيتال إيكونوميكس" بيثاني بيكيت، فإنه "في ضوء الإشارات المبكرة إلى الأثر السلبي الذي خلفته المتحورة "أوميكرون" في النشاط، بات من المؤكد أن النمو تباطأ أكثر خلال الفصل الرابع من العام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى نحو مماثل يحوم أيضاً شبح فرض قيود إضافية في وقت مبكر، أي الأسبوع المقبل، ويعني ذلك أن حالات "أوميكرون" التي قد تكون أكثر اعتدالاً في صفوف السكان الحاملين لمستويات عالية من الأجسام المضادة، بفضل اللقاحات أو عدوى سابقة، بوصفها حالات تمثل حصة صغيرة من رقم أكبر، قد تثبت [حالات "أوميكرون"] أنها كافية لفرض ضغط لا يحتمل على هيئة "الخدمات الصحية الوطنية".

ووفق بيكيت، "تمثل هذه البيانات أنباء قديمة، والآن يزيد احتمال فرض قيود أشد في يناير (كانون الأول) قتامة تلك التوقعات".

واستطراداً، يتوقع خبراء اقتصاديون لدى "بانثيون للاقتصادات الكلية" أن يستقر النمو الاقتصادي البريطاني عند صفر في المئة خلال الفصل الأول من العام المقبل، مع تراجع المداخيل الحقيقية المتاحة للأسر بواحد في المئة، بسبب التضخم وزيادة الضرائب. ويشيرون إلى أن المتحورة "أوميكرون" من شأنها بالفعل أن "تؤثر في الاقتصاد تأثيراً سلبياً"، وكذلك لا تظهر شكوك كثيرة في أن القيود تفرض تحديات اقتصادية.

في المقابل، فإن ما برز من التجارب الاقتصادية الكبيرة أثناء "كوفيد" خلال السنتين الأخيرتين يظهر أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني، في ضوء دعم حكومي مهم، يميل إلى معاودة الصعود الصاروخي بسرعة كبيرة، وقد تحدى ذلك الأمر توقعات عن حصول ندوب في الاقتصاد، حاولت تقدير الضرر البعيد الأجل الذي ستتركه الجائحة في إجمالي الناتج.

ومع ذلك، لن يعتمد الأمر على السياسة المالية العامة المحلية وحدها، بل كذلك قدرة سلاسل الإمداد على التعافي من التعطل الشديد الذي أطلقته الجائحة، إضافة إلى "بريكست" في الحال البريطانية، وإذا أثبتت المتحورة "أوميكرون" أنها صعبة على الإدارة في شكل خاص وواصلت انتشارها العالمي، أو إذا انتشرت متحورة أخرى جديدة تكون أكثر إثارة للقلق، فقد يفرض ذلك مزيداً من الضغط على قطاعي الشحن البحري والخدمات اللوجستية، ويمكن أن تتفاقم أكثر اختناقات الإمداد.

مع هذه البيانات الأحدث التي تؤكد وجود خلفية اقتصادية ضعيفة حتى قبل انتشار "أوميكرون"، قد يشعر المسؤولون عن تحديد معدلات الفائدة لدى "بنك إنجلترا" بقلق أكبر قليلاً في شأن أي رفع إضافي للمعدلات يتجاوز المعدل الرئيس الحالي الذي يلامس 0.25 في المئة.

وعلى غرار ما يكونه الحال دائماً، لم ينجز "بريكست"، بل تنجز بدلاً من ذلك عملية انفكاك مستمرة، وتلوح حواجز إضافية في أفق التجارة مع الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر المنفرد للمملكة المتحدة خلال السنة الجديدة، وقد يتلخص أثرها في إضعاف إضافي للأداء البريطاني على صعيد التصدير، وقد يصب بعض الزيت على نار معدل التضخم الذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوى له خلال عقد.

قبل كل شيء، تعيد البيانات التأكيد على أن المملكة المتحدة، حتى من دون إغلاق جديد، لا تزال تواجه طريقاً وعرة قبل الوصول إلى التعافي من كورونا وتحقيق نمو مستقبلي، إذ ستحتاج الشركات إلى قدرة وثقة كي تستثمر، ويندرج ذلك ضمن ما لا تبينه تلك الأرقام، وكذلك سيحتاج المستثمرون إلى الشعور بما يكفي من الأمان كي ينفقوا أموالهم في مواجهة معدل أعلى للتضخم وضرائب باهظة، إذا قيض للمملكة المتحدة أن تقترب حتى من الحفاظ على معدل نموها، لكن ذلك محط رهان كبير.

© The Independent