Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عون "يتساءل" عن مبرر تدخلات "حزب الله" ويترقب الردود

جدد الدعوة إلى حوار حول الاستراتيجية الدفاعية من دون تحديد موعد ومطالبته باللامركزية المالية تلقى معارضة الخصوم

الرئيس اللبناني ميشال عون (رويترز)

انشغل الوسط السياسي اللبناني في الأسبوعين الماضيين بالتكهنات حول ما ستؤول إليه العلاقات بين "حزب الله" ورئيس الجمهورية ميشال عون ومعه "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه صهره النائب جبران باسيل، بعدما شهدت الساحة السياسية إشارات عن خلافات بين الفريقين اللذين حكم تحالفهما لا سيما منذ انتخاب عون للرئاسة، الوضع السياسي اللبناني على مدى خمس سنوات ونيف فضلاً عن السنوات التي سبقت تبوء عون الرئاسة.

ترقب القادة السياسيون كلمة وجهها عون إلى اللبنانيين ليل 27 ديسمبر (كانون الأول) على خلفية تكهنات بأن العلاقة بينه وبين "حزب الله" ذاهبة إلى مزيد من التراجع، مقابل تقديرات بأن الحزب يتفهم، وسيبقى يتحمل، انتقادات حلفائه في "التيار الوطني الحر" نظراً إلى حاجته لاستقطاب الجمهور المسيحي قبل أربعة أشهر ونيف من الانتخابات النيابية التي حددت وزارة الداخلية موعدها في 15 مايو (أيار) المقبل. فالحزب أيضاً يحتاج إلى حليف مسيحي يتمتع بوزن تمثيلي في البرلمان الجديد. إذ إن "التيار الحر" خسر بعضاً من الجمهور المسيحي في السنتين الأخيرتين جراء تفاقم الأزمة السياسية الاقتصادية والمالية والحياتية التي يمر فيها البلد، وبعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 في وقت تصاعدت الحملات على الحزب واتسعت دائرة خصومه لا سيما على الصعيد المسيحي، لاتهامه بالتسبب بتفاقم الأزمة بسبب سياساته وخصوصاً معاداته لدول الخليج العربي ومشاركته في حرب اليمن ما تسبب في عزلة لبنان العربية. وهي حملات أصابت الحليف عون وتياره بشظايا كثيرة، بعد أن ألزمه تحالفه مع الحزب الدفاع عن سياساته، فبات متهماً بأنه يسلم للحزب بالهيمنة على السلطة.

تضمنت كلمة الرئيس اللبناني ثلاث نقاط تطال "حزب الله"، على الرغم من أنه لم يسمِه، بدءاً من الأزمة مع دول الخليج العربي كالآتي:

انتقاد تدخلات "الحزب" بصيغة التساؤل

في معرض إعلانه "أنا أرغب بأفضل العلاقات مع الدول العربية، وتحديداً مع دول الخليج"، سأل: "ما هو المبرر لتوتير العلاقات مع هذه الدول والتدخل في شؤون لا تعنينا"؟ ومع أن عون تجنب ذكر "الحزب"، فإن صياغة النقلة المدروسة في توجيهه الانتقاد إلى الحليف بأسلوب التساؤل يعتبره مناصرو "التيار" موقفاً جديداً، فيما يرى خصومه أن طرح الأمر بسؤال مقصود منه التخفيف من وقعه، قياساً إلى حجم المشكلة مع دول الخليج التي تتهم الحزب بالتدخل في حرب اليمن. وكلام عون جاء غداة عرض تحالف دعم الشرعية في اليمن، مقطع فيديو يُظهر "مقر مدربي ميليشيات حزب الله اللبناني في اليمن، مع المتدربين من العناصر الحوثية، ومخازن الطائرات المسيرة في مطار صنعاء الدولي". ونشر شريطاً يظهر "قيادياً من ميليشيات حزب الله اللبناني يعطي توجيهاته للقيادي الحوثي أبو علي الحاكم". واعتبر المتحدث الرسمي باسم التحالف العميد ركن تركي المالكي، أن الفيديو يكشف "أدلة تثبت تورط حزب الله اللبناني الإرهابي باليمن واستخدام المطار لاستهداف السعودية".

الحوار الوطني والعودة إلى "الاستراتيجية الدفاعية"

دعا عون إلى حوار وطني عاجل من أجل التفاهم على ثلاث مسائل، والعمل على إقرارها لاحقاً ضمن المؤسسات، هي: اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، وخطة التعافي المالي والاقتصادي، بما فيها الإصلاحات اللازمة والتوزيع العادل للخسائر". وبصرف النظر عن هذه الدعوة إلى الحوار، فهي المرة الأولى التي يجدد فيها ذكر الاستراتيجية الدفاعية المتعارف على أن الهدف من التوصل إليها هو وضع سلاح "حزب الله" تحت إشراف الدولة والجيش، سواء بتسليمه كما يطالب بعض خصوم الحزب، أو بوضع الوحدات المقاتلة التابعة له في إمرة الجيش اللبناني. فمنذ أن التزم عون في أبريل (نيسان) 2018 مناقشة الاستراتيجية الدفاعية بعد الانتخابات النيابية التي جرت في مايو من ذلك العام، إرضاء للمطالبات الدولية بذلك، كان رد الفعل العلني للأمين العام للحزب حسن نصرالله إبداء استعداده لمناقشتها، لكنه في الاتصالات البعيدة من الأضواء طلب من عون إخراج هذا الموضوع من التداول، وهذا ما حصل. وأخذ عون منذ ذلك الحين يبرر امتناعه عن الدعوة إلى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية بحجج شتى، مثل القول إن مستجدات طرأت في الإقليم فرضت تأجيل البحث فيها، كمحاربة الإرهاب في سوريا، والصراع الإقليمي الذي ينخرط فيه الحزب وهو أمر ليس في إمكان الدولة اللبنانية الحيلولة دونه...إلخ. 

لكن عون ردد في كلمته الأخيرة الحديث عن هذه الاستراتيجية الدفاعية أكثر من مرة فقال أيضاً: "صحيح أن الدفاع عن الوطن يتطلب تعاوناً بين الجيش والشعب والمقاومة (وهي المعادلة التي يصر الحزب على اعتمادها في بيانات الحكومات المتعاقبة)، ولكن المسؤولية الأساسية هي للدولة. وحدها الدولة تضع الاستراتيجية الدفاعية، وتسهر على تنفيذها". إلا أن عون ألحق تلك العبارة بعبارة أخرى شرطية قائلاً: "إنما قبل الوصول إلى هذه النقطة، يجب أن يتوقف التعطيل المتعمد والممنهج وغير المبرر، الذي يؤدي إلى تفكيك المؤسسات وانحلال الدولة". ويرى مراقبون أن الرئيس اللبناني أوحى بتلك العبارة بأنه إذا توقف تعطيل انعقاد مجلس الوزراء من قبل "الثنائي الشيعي"، كما يطالب هو و"التيار الحر"، قد لا يصر على مناقشة الاستراتيجية الدفاعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الهجوم على البرلمان وأولوية التحالف مع بري

شن عون هجوماً لاذعاً على رئيس البرلمان نبيه بري من دون أن يسميه، وعلى البرلمان متهماً إياه بعرقلة القوانين الإصلاحية، في سياق الخلاف المتمادي والنائب باسيل، مع بري، حول العديد من الملفات، بينها التحقيق في انفجار المرفأ وتعطيل الثنائي الشيعي مجلس الوزراء باشتراط "تصحيح المسار القضائي في التحقيق" بفصل ملاحقة الوزراء والنواب الذين ادعى عليهم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عن صلاحيات الأخير وحصرها بصلاحيات المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنبثق عن البرلمان، وإلا لن يحضر الوزراء الشيعة الخمسة أي اجتماع للحكومة. إلا أن عون رفض هذا الحل بحجة عدم التدخل في القضاء، بينما تتهم أوساط بري فريقه بالتأثير على القاضي البيطار، كي يلاحق وزراء موالين له أو حلفاء.

ويأخذ عون وفريقه على "حزب الله" أنه يراعي تحالفه مع بري وحركة "أمل" كأولوية على حساب تحالفه مع الرئاسة الأولى، فكان رد الحزب على مطالبته بالوقوف مع "التيار" في خصومته مع بري بالتشديد على أن وحدة الطائفة الشيعية هي أولوية الأولويات لديه. ولذلك قال عون في كلمته "أنا لا أريد أن أخاصم أحداً- لا أشخاصاً ولا جهات- ولا أريد تفكيك الوحدة في أي طائفة. إنما يجب أن نكون صريحين بأن المراوحة قاتلة، ولن أقبل أن أكون شاهداً على سقوط الدولة واختناق الناس". فهو يلح على انعقاد مجلس الوزراء المعطل بسبب شروط "الثنائي الشيعي" منذ 12 أكتوبر (تشرين الأول)، نظراً إلى الحاجة لاتخاذ قرارات تساعد في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية... وهو لوح بتصعيد موقفه إذ أنهى خطابه بالإشارة بالقول: "آمل ألا أضطر إلى أن أقول أكثر".

الحرج الرئاسي من مواقف الراعي 

كما أن الفريق الرئاسي الحاكم بات شديد الإحراج، أما المواقف اللاذعة للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي لا يوفر عظة دينية إلا ويحمل على تعطيل الحكومة، وعلى ربط لبنان بسياسة المحاور الخارجية وينتقد بشدة "استبداد" فئة قاصداً الحزب. وفي قداس عيد الميلاد في 25 ديسمبر الذي حضره عون توجه إلى الأخير قائلاً: "نساندكم، فخامة الرئيس، لكي يستعيد لبنان توازنه وموقعه في العالم العربي وبين الأمم، أن ترفعوا غطاء الشرعية عن كل من يسيء إلى وحدة الدولة والشراكة الوطنية، إلى النظام الديمقراطي ودور الجيش اللبناني وعمل القضاء، ويمنع تنفيذ الدستور والقرارات الدولية". ورأى الراعي على مسمع من عون، أن "رهن مصير مجلس الوزراء بموقف فئوي يشكل خرقاً للدستور ونقضاً لاتفاق الطائف وتشويهاً للميثاق الوطني ولمفهوم التوافق".

ردود الفعل بين موال ومعارض

بقيت ردود الفعل على كلمة عون محدودة في الساعات القليلة التي أعقبت بثها. وفيما قال أحد نواب تكتل تياره النيابي رداً على سؤال "اندبندنت عربية" حول موعد دعوة الرئاسة لمؤتمر حوار وطني حول العناوين الثلاثة التي حددها، بأنه سيرصد ردود الفعل أولاً ثم يقرر، فإن نائباً آخر من "التيار الحر" لفت إلى أن التزام عون اتفاق الطائف الذي تناوله أكثر من مرة في خطابه يفترض أن يرضي قادة الطائفة السنية وبعض الدول العربية. إلا أن بعض خصوم الفريق الرئاسي يميل إلى التشكيك بما أعلنه عون. فرئيس الجمهورية السابق ميشال ‏سليمان، غرد عبر "تويتر" قائلاً: "لا مصداقية لأي حوار لا يبدأ من حيث انتهى الحوار الذي ‏سبقه (التحييد)"، قاصداً بذلك تنصل عون و"حزب الله" من بيان بعبدا في عام 2014 في مؤتمر للحوار ترأسه في حينها يدعو إلى إبعاد لبنان عن الصراعات والحروب الإقليمية وتحييده عن التجاذبات الإقليمية. 

ودعا منسق "لقاء سيدة الجبل" النائب السابق فارس سعيد عون إلى الاستقالة، فيما رأى أحد النواب المستقيلين أن عون يقوم بمناورة بسبب الموقف السلبي للرأي العام المسيحي حياله وحيال تياره. ويرى النائب المستقيل أن عون أعطى تمريرة لنصر الله الذي سيلقي كلمة، الإثنين المقبل في 3 يناير (كانون الثاني)، كي يتجاوب معه في الاستعداد لمناقشة الملفات التي أثارها... فيبدو الموقف الضاغط لرئيس الجمهورية كأنه أدى غرضه، أمام الجمهور المسيحي الناقم على مواقفه وعلى تحالفه مع الحزب. ويعتبر النائب المستقيل نفسه أن عون تذكر فجأة الاستراتيجية الدفاعية، وقال الشيء ونقيضه حين اعتبر أن "الحل ممكن من ضمن وثيقة الوفاق الوطني" وأنه سبق أن طرح "المعالجة انطلاقاً من الدستور الذي أُقر في الطائف"، لكن طرحه اللامركزية المالية مخالف للطائف، الذي حصر اللامركزية في الشأن الإداري، فيما اعتبرها النواب الذين صاغوا وثيقة الوفاق الوطني الجانب المالي منها نوعاً من التقسيم. فهو طالب في الوقت نفسه "بأن نتعلم من التجربة، وأن نعدل نظام الحكم كي تصبح الدولة قابلة للحياة، وأن اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة هي العنوان".

 "حزب الله" وباسيل

يؤثر "حزب الله" عدم الرد على تصريحات حلفائه في "التيار الوطني الحر" الذين يوجهون الانتقاد إليه بأنه لا يماشيهم في مشروعهم "لمكافحة الفساد" وفي التلميحات التي يطلقها رئيس "التيار" جبران باسيل بتحميل الثنائي الشيعي، (أي "حزب الله" وحركة "أمل") محملاً إياه مسؤولية عدم صدور قرار من المجلس الدستوري بقبول الطعن الذي قدمه بتعديلات قانون الانتخاب، عبر التأثير على القضاة الشيعة فيه كي يقفوا ضد الطعن.

فباسيل اعتبر أن ما جرى في المجلس الدستوري هو "بقرار سياسي اتخذ من قبل طبقة أو منظومة سياسية متحالفة مع بعضها في عهد الرئيس ميشال عون، وعلى رأس القرار الثنائي الشيعي، وهذا القرار اتُخذ بينهما بالتكافل والتضامن وهذا سيرتب نتائج سياسية مهمة"... ما يدفع إلى الاستنتاج بأن مواقف الرئيس اللبناني جاءت استكمالاً للهجوم الذي شنه باسيل. لكن الأخير سيحتاج في الانتخابات النيابية إلى الأصوات التي يستطيع الحزب أن يجيرها إليه وإلى مرشحي تياره في أكثر من 9 دوائر انتخابية.

المزيد من تقارير