Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين يقع صغار المطورين على الخريطة الجديدة للعقار في مصر؟

تشدد الحكومة في ملف مخالفات البناء يتطلب ظهور تكتلات وكيانات ضخمة

الاستثمار العقاري والتنمية العمرانية يستحوذان على 16 في المئة من إجمالي الناتج المحلي المصري (رويترز)

تسببت الإجراءات التي أعلنتها الحكومة المصرية بحالة من التوتر والقلق في قطاع العقارات خلال العام الحالي، حيث تمثلت أول صدمة تلقاها القطاع في وقف البناء من دون الحصول على تراخيص والتدخل بشكل حاسم لإنهاء ملف مخالفات البناء وفرض غرامات من أجل التصالح تجنباً لإصدار قرارات الإزالة.

وبسبب فتح هذا الملف، فقد هرب عدد كبير من صغار المقاولين من السوق، ومنهم من فضل تجميد أنشطته، وهناك من يواجه أحكاماً قضائية بالسجن بسبب المخالفات التي ارتكبها في هذا الملف، وبخاصة البناء على أراض زراعية.

لكن قرار وقف البيع على الخريطة كان بمثابة نقطة نظام، ففيما تراه الشركات الكبرى أنه يتسبب في تعثر القطاع، لكنه بالنسبة للمشترين يعد طوق نجاة من تعرضهم للسرقة والنصب بسبب قيام شركات كثيرة بالبيع على الخريطة وعدم البدء في بناء المشروع، وغالباً ما يلجأ الحاجزون إلى القضاء وينتظرون سنوات لحين الحصول على مستحقاتهم.

ووسط كل هذه التوجهات، فإنه لم يعد لصغار المقاولين أو المطورين العقاريين الأفراد مكان على الخريطة الجديدة، وتتضمن الاشتراطات الجديدة للبناء العديد من البنود التي لا تمكّنهم من البناء داخل الكتل السكنية، والبديل هو الاتجاه إلى المدن الجديدة، وهو ما يصعب تنفيذه، بخاصة وأنه يعني الدخول في مشاريع ضخمة بعشرات الملايين من الجنيهات التي لا يمتلكها صغار المقاولين.

لا بديل عن تكتلات وظهور كيانات ضخمة

يقول سامي عبد الرحمن، صاحب شركة تطوير عقاري في القاهرة، إن السوق العقارية في مصر أصبحت تنقسم إلى شقين، الأول وهو القطاع العقاري الحكومي، وهذا القطاع لم يتأثر بالسلب من القرارات التي تم الإعلان عنها خلال الفترة الماضية، وبخاصة في ظل المبادرات السكنية التي تعلنها الحكومة المصرية سواء من خلال حجز وحدات الإسكان الاجتماعي أو مبادرات التمويل العقاري التي تتيح للمشترين الاستفادة بعدد من أنظمة التمويل ولكن في عقارات قائمة بالفعل.

أزمات

أما القطاع غير الرسمي فإنه يواجه العديد من الأزمات منذ قيام الحكومة بالتصدي بشكل حاسم لملف مخالفات البناء ووقف البناء على الأراضي الزراعية، وغالباً ما كان صغار المقاولين يعملون على هذا النوع من البناء. لكن في الوقت الحالي، ومع تشدد الحكومة في إجراءات الحصول على التراخيص، فإنه لا يمكن لأي مقاول صغير أن يحصل على ترخيص بناء داخل الكتل السكنية.

وأوضح عبد الرحمن أن ما يحدث في السوق العقارية المصرية في الوقت الحالي يستفيد منه المشتري فقط والذي يبحث عن عقار آمن وبعيد من المخالفات، وفي الوقت نفسه، وفق إحدى مبادرات التمويل العقاري التي تشترط أن يكون العقار قائماً وحاصلاً على التراخيص، بالتالي، فإن كل المباني المخالفة لا يمكن أن تدخل ضمن مبادرات التمويل العقاري التي تدعمها الحكومة من خلال البنك المركزي المصري.

وأشار إلى أن وقف البيع على الخريطة وضع المطورين الكبار في مأزق صعب، إذ كانت الشركات توفر السيولة الكافية لسداد مقدم التعاقد على سعر قطعة الأرض التي حصل عليها من الحكومة، وتبدأ في عرض مشروعها وتقوم بالبيع على الخريطة، ومن خلال سداد دفعات الحجز والأقساط الشهرية تبدأ ببناء المشروع. لكن في الوقت الحالي، ومع قيام الحكومة بوقف البيع على الخريطة، فإن الشركات الصغيرة لم يعد لها مكان على الخريطة الجديدة، وأصبحت السوق بحاجة إلى تكتلات وكيانات ضخمة تمتلك ملاءة مالية قوية تمكّنها من سداد مقدم سعر قطعة الأرض والبدء في تنفيذ الخدمات والمرافق الخاصة بالمشروع حتى تتمكن من عرض المشروع والبدء في بيع الوحدات.

الناتج المحلي الإجمالي

وتشير بيانات لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، إلى أن الاستثمار العقاري والتنمية العمرانية يستحوذان على 16 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، في وقت يبلغ نصيب القطاع الخاص المصري من حجم استثمارات المشاريع المنفذة 70 في المئة.

في الوقت نفسه، كشف تقرير حديث لشركة "سافيلس"، أن سوق العقارات المصرية في طريقه للتعافي من الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، إذ انخفض الربح الشامل للبورصة المصرية للربع الثاني من عام 2020 بنحو 31 في المئة، ما أدى إلى تباطؤ المبيعات الأولية من المطورين وتأخر تسليم الوحدات.

الرهن العقاري

ووفقاً للتقرير، فإن إجراءات تخفيف الإغلاق وتخفيض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وإعلان البنك المركزي في مارس (آذار) عن إطلاق خطة تمويل الرهن العقاري للفئات المنخفضة والمتوسطة الدخل، كل ذلك ساهم بشكل كبير في تسريع تعافي السوق العقارية المصرية.

وتشير البيانات غير الرسمية إلى أن قيمة الثروة العقارية في مصر تتراوح بين 150 و200 تريليون جنيه (9.59 و12.787 تريليون دولار)، وهي أرقام مرشحة للزيادة، مع الأخذ في الاعتبار مؤشرات التضخم ومعدلات القوّة الشرائية وغيرها من المؤثرات التي تشكل عوامل حاسمة في قياس قيمة العقارات، وانعكس هذا الأمر تضخماً هائلاً في حجم الثروة العقارية على مدار العقود القليلة الماضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الوقت نفسه، يعتبر الانتشار غير المسبوق لظاهرة البناء غير الرسمي أو غير المخطط أحد أهم أسباب هذا التضخم، بخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وعلى أطراف المدن والقرى على مستوى الجمهورية، وهو الأمر الذي أدى إلى وجود ملايين العقارات التي يسكنها المصريون ويتداولون ملكياتها من دون أي تسجيل أو حصر رسمي من قِبل الدولة.

95 في المئة من العقارات "عشوائية"

ووفقاً لتقديرات مجلس الوزراء المصري، فإن نحو 95 في المئة من العقارات في مصر غير مسجلة، وخلال العامين الماضيين، وبهدف التصدي لهذه الظاهرة والأخطار الناتجة منها، اتخذت أجهزة الدولة المختلفة عدداً من الإجراءات غير المسبوقة سواء على مستوى القرارات التنفيذية، أو على الصعيد التشريعي، من أجل العمل على حصر هذه العقارات وتوفيق أوضاعها القانونية.

ويعد المشروع القومي لمنظومة حصر وإدارة الثروة العقارية وتخصيص رقم قومي للعقارات أحد أبرز تلك الخطوات التي تأتي في إطار تنفيذ استراتيجية مصر للتنمية المستدامة (مصر 2030) التي تهدف، في أحد جوانبها، إلى تحسين كفاءة وفاعلية الأجهزة الحكومية، وتمكين الإدارة المحلية، وهي الأمور التي يصعب تحقيقها من دون الوصول إلى حصر حقيقي ودقيق لحجم الثروة العقارية في مصر.

لكن، وعلى الرغم من مشروعية اتخاذ الدولة مثل تلك الخطوات وضرورتها، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التعامل مع مثل هذا الواقع، المستمر منذ عقود عدة، إلا من خلال استراتيجيات جديدة تصاحبها رؤى تشريعية متطورة تهدف إلى إنهاء هذا الوضع والفوضى المصاحبة له.

العقارات العشوائية

ووفقاً لتقرير حديث أصدرته وزارة الإدارة المحلية بشأن مخالفات البناء عن الفترة من يناير (كانون الثاني) عام 2000 وحتى سبتمبر (أيلول) عام 2017 على مستوى المحافظات، يبلغ إجمالي المباني المخالفة نحو 2879 عقاراً مخالفاً، وهي العقارات التي تتركز بشكل رئيس في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في محافظات القاهرة والإسكندرية، إضافة إلى ملايين العقارات الأخرى الموجود بمعظمها في المناطق الريفية ذات الطابع الزراعي، وهو ما يعني أن معظم قاطني تلك العقارات ينتمون إلى الطبقات الوسطى والفقيرة في مصر.

في الوقت نفسه، فشلت الحكومات المتعاقبة في استيعاب هذا الكم الهائل من النمو العمراني غير المنظم داخل الإطار الرسمي لمنظومة التسجيل العقاري في مصر، والتي تعد من أقدم نظم الشهر العقاري في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، لكن هذه المنظومة ذات الطابع البيروقراطي لم تتطور بمرور الزمن وظلت عاجزة أمام التعامل مع العقارات العشوائية.