Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصير الدعوات إلى التدقيق في القروض الخارجية التي حصلت عليها تونس؟

أكثر من 31 مليار دولار في السنوات الـ10 الأخيرة دخلت البلاد بين هبات وقروض

الرقم الإجمالي للقروض والهبات التي حصلت عليها تونس منذ 2011 إلى 2020 بلغ 90 مليار دينار (31.2 مليار دولار) (رويترز)

دعت منظمات تونسية إلى التدقيق في القروض والهبات التي حصلت عليها تونس في السنوات الماضية، وانتقدت عدم وجود معلومات مجمعة لدى جهة واحدة تخص الأموال التي حصلت عليها البلاد ووجهتها، وهي قروض متنوعة وقع إسنادها من قبل دول إلى تونس، وبعضها الآخر داخلي مُنح من البنوك إلى الدولة، إضافة إلى القروض والهبات الممنوحة من الجهات المالية الدولية.

ونادت هذه الأطراف إلى متابعة مآل صرف القروض وبخاصة منها الممنوحة لتمويل المشاريع، ومراجعة منظومة التصرف في الموارد العمومية، وتعمل هياكل الرقابة الحالية بطرق تقليدية، ولا تستعمل وسائل حديثة للتدقيق.

واختلف محللون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" بين داعين لوضع آليات رقابية للتدقيق الدائم في المالية العمومية وإرساء وكالة مركزية تهتم بالتصرف في الدين العمومي تقوم بتجميع المعطيات، وبين المنتقدين للسياسة الاقتصادية العامة للبلاد في العشرية الأخيرة، ومنبهين إلى حتمية سن قوانين خاصة بدعم تمويل مشاريع التنمية، للقطع مع استهلاك القروض والهبات في النفقات العمومية.

غموض

وحصلت تونس في السنوات الأخيرة على جملة من الهبات والقروض لإنعاش الاقتصاد، والقيام بمشاريع تنموية أو لتعبئة موارد الميزانية، كما خصص جزء منها لبرامج مقاومة الفساد والانتقال الديمقراطي والتشغيل، وغابت الأرقام الرسمية والمفصلة عن حجم الهبات والقروض في المجمل، وما إذا كانت فعلاً قد وجهت لإنجاز مشاريع متفق عليها مع الجهات المانحة، لتبقى عملية التصرف في تلك الهبات خارج نطاق دائرة الشفافية، لا سيما أن معظم تقارير الهيئات الرقابية الحكومية بالأساس لا تتضمن رصداً عن كيفية التصرف في الهبات بأنواعها، ما دفع بالرئيس قيس سعيد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 إلى دعوة وزيرة المالية إلى جرد شامل للهبات والقروض التي حصلت عليها تونس، وتجاوبت منظمة "مرصد رقابة" مع الدعوة للتدقيق، وطلبت من الرئيس إعطاء التعليمات لكل الهياكل المعنية بضرورة الاستجابة لمطالب النفاذ إلى المعلومة الموجهة إليها من طرف المرصد، في ما يتعلق بمهمة التدقيق في القروض والهبات التي حصلت عليها الدولة التونسية خلال الفترة الممتدة من سنة 2010 إلى عام 2021.

وكشفت عن أن الرقم الإجمالي للقروض والهبات التي حصلت عليها البلاد منذ 2011 إلى 2020 بلغ 90 مليار دينار (31.2 مليار دولار)، مضيفة أن هذه النسبة من الممكن أن تكون قد فاقت 100 مليار دينار (34.7 مليار دولار)، وأن عدد اتفاقات الهبات والقروض التي تم إحصاؤها هي في حدود 270 اتفاقية، وقيمة المشاريع المائية بمفردها تبلغ ستة مليارات دينار (2.08 مليار دولار).

وناهز عدد القروض التي تم منحها للبنوك الخاصة لمساعدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة ثلاثة مليارات دينار (1.04 مليار دولار)، علاوة على القروض للبنية التحتية والطرقات بقيمة مرتفعة جداً، وكذلك قروض متعددة لتمويل الميزانيات، وبلغت القروض المخصصة لتمويل الاقتصاد أكثر من 60 في المئة من مجموع القروض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تقم الوزارات التي استفادت من القروض بإجابة دائرة المحاسبات (محكمة مختصة في مراقبة استخدام المال العام) حول نسبة التقدم في إنجاز المشاريع، واعتبرت منظمة "مرصد رقابة" أن هناك قروضاً وقع تحويلها لوجهات غير معلومة، ومن المتوقع أنها رصدت لتمويل الميزانية، بينما اعتبرت منظمة" أنا يقظ" أن ملف حوكمة الهبات الأجنبية الواردة على تونس في حاجة أكيدة إلى الدرس والتمحيص والمراجعة والتدقيق، حتى لا تذهب مليارات الدينارات المتدفقة على الحكومات التونسية أدراج النهب أو على الأقل التصرف غير الرشيد.

وكشفت المنظمة، بالاعتماد على وثيقة رسمية صادرة عن وزارة التنمية والتعاون الدولي، عن أن قيمة الهبات فقط، بلغت بين يناير (كانون الثاني) 2011، ويوليو (تموز) 2017، 5.5 مليار دينار (1.9 مليار دولار).

"تونس الخزينة"

وكان البرلمان التونسي المجمد قد انطلق في دراسة مشروع إحداث وكالة تقنية عمومية تتمتع بالاستقلالية والتصرف المالي والإداري توكل إليها مهام إسداء خدمات مالية وادارية، وتحمل اسم "وكالة تونس للتصرف في الدين والمالية الخارجية"، و"تونس الخزينة"، وتكلف بالتصرف في الدين العمومي للدولة وتعبئة الموارد المالية لفائدة الدولة أو المؤسسات العمومية والمتأتية أساساً من القروض الخارجية أو الداخلية بالعملة الصعبة، والتكفل بشبكات العلاقات على مستوى الأسواق المالية العالمية.

وتقوم بعمليات التدقيق الداخلي من أجل تعبئة الموارد المالية لفائدة الدولة التونسية ومراقبة المخاطر المتعلقة بمختلف أنشطتها، على أن تنقسم الوكالة إلى قطبين تقنيين، قطب التصرف في الدين العمومي، وقطب التدقيق الداخلي ومراقبة المخاطر.

معايير محاسبية

وذكر المحلل أنيس بن عبدالله أن تونس تعمل منذ سنوات على تركيز معايير محاسبية للدولة بهدف الالتزام بتدوين كل المصاريف، بعد التفطن إلى التأخر الحاصل في توفير المعطيات الكاملة لالتزامات الدولة المالية، وكان من المفترض أن تمر الدولة لتطبيق هذه المعايير انطلاقاً من عام 2023، لكن بحكم التأخير الحاصل بسبب الأزمة الصحية والمالية، فإن ذلك لن يتحقق قبل عام 2025، وبمقتضى هذه المعايير، تقوم المؤسسات التونسية بتوفير القوائم المالية وفق منظومة محاسبة وبالالتزام بسقف زمني معين، الأمر الذي لا يطبق في الوقت الراهن، حيث تتأخر المؤسسات العمومية في توفير تقاريرها المالية، ويمتد التأخير إلى ثلاث سنوات أو أكثر، ما يحدث الالتباس في تحديد المصاريف، بالتالي توجيه أموال القروض والهبات، لكن تحتاج هذه المنظومة المعلوماتية المجسدة في وكالة مختصة إلى الإمكانات المادية واللوجيستية والبشرية اللازمة لأداء مهامها، في إطار ما تحدده النصوص والتراتيب القانونية.

ويعمل مجلس وطني للمعايير المحاسبية للقطاع العام على الإعداد لهذا المشروع وتترأسه وزيرة المالية، ويتكون من محاسبين مستقلين، وهو مشروع كفيل في المستقبل برفع اللبس بتوفير المعلومة المالية للدولة بما فيها مصير القروض والهبات.

سوء الحوكمة

ورأى المتخصص في الشأن الاقتصادي حسين الديماسي، أن تنامي النفقات وتضخمها على حساب تعبئة الأموال من قبل الدولة التونسية أدى إلى زيادة المديونية، وتحيد الأموال المتأتية من القروض والموجهة إلى تنفيذ مشاريع تنموية عن مسارها وتخصص للنفقات العمومية، ما يحدث هذا الغموض في التصرف بالأموال الممنوحة من قبل المقرضين أو البلدان الصديقة، لتوجه بعد ذلك الاتهامات بسوء التصرف فيها.

ويتحتم على الدولة التونسية أن تكون حاسمة في توظيف هذه الأموال في المستقبل، ويفتح الجدل القائم حول تنقيح الدستور التونسي، هذه الأيام، الآفاق لإصلاح الفصول الدستورية المتعلقة بتمويل الاقتصاد، ولكي يتم تفادي اللبس القائم حول التصرف في القروض وجب تخصيص ميزانية ثابتة للتنمية لا تقل عن 20 في المئة من مجمل الموازنة، وهي الضمان الوحيد لاستحواذ التنمية على مخصصاتها من القروض، علماً بأن حصة التنمية من الموازنة لا تزيد على خمسة في المئة في الوقت الراهن، وهي نسبة ضئيلة للغاية تسهل سوء الحوكمة.

اقرأ المزيد