Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن يتصرف مثل ترمب في الشأن الروسي أكثر مما كنا لنتصور

لم يحظ الاجتماع المهم الذي عُقد هذا الأسبوع بالقدر الكافي من المتابعة التي كان يستحقها

لقد كان اللقاء بمثابة قمة قديمة الطراز من حيث الجوهر، إن لم يكن في الشكل (رويترز)

لم يحظ اجتماع مهم عُقد هذا الأسبوع بالقدر الكافي من المتابعة التي كان يستحقها ــ وهنا أنا لا أقصد مهزلة الرئيس جو بايدن الفاقعة و"القمة حول الديمقراطية" التي افتتحت أعمالها في واشنطن ليل الأربعاء الماضي.

صحيح، أن الاجتماع الذي أقصده عقد عبر الأثير وفضائه الافتراضي بدلاً من كونه اجتماعاً وجاهياًــ تماماً كما كانت عليه معظم الاجتماعات التي انعقدت خلال العامين الماضيين. صحيح أيضاً، وإلى حد ما نتيجة لذلك فإن الاجتماع تخلص من كل المراسم والأفخاخ التي عادة ما تكون جزءاً من الاجتماعات الرفيعة المستوى المماثلة. وصحيح أيضاً، أن أحداثاً أخرى كانت تجري بموازاته، خصوصاً الفضيحة السياسية المثيرة التي تجري أحداثها في المملكة المتحدة، ومتحورة فيروس كورونا الجديدة التي تضرب العالم بقوة، وعملية انتقال السلطة التي أجريت في ألمانيا. ولكن لا يجب أن تنتقص كل تلك الأحداث من أهمية الاجتماع.
الاجتماع الذي أقصده هنا عقد صباح الثلاثاء بتوقيت واشنطن، وبعد الظهر بتوقيت موسكو، واستغرق ساعتين من المحادثات المباشرة بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما شكل قمة تقليدية بين الزعيمين في المضمون وليس في الشكل. وكان الزعيمان قد التقيا بشكل وجاهي لآخر مرة في جنيف في يونيو (حزيران) الماضي، في لقاء أُخرج [صُوّر] عمداً كما لو أنه قمة سُكبت في قالب الحرب الباردة الآفلة بشكلها التقليدي.

افترق الزعيمان بعدما فتحا قناة اتصال بينهما، ولكن على ما يبدو لم يحققا أي شيء آخر. ولكن ما تكشف عن تلك القمة لاحقاً، أن تلك الخلاصة لم تكن دقيقة. لقد كان التقييم العام ــ والذي كان متداولاً في الأوساط السياسية في لندن وواشنطن ــ أن العلاقات بين الجانبين كانت في أسوأ أحوالها مقارنة بما شهدناه على مدى الثلاثين عاماً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكن تلك ليست القصة الكاملة [الدقيقة والشاملة].

 فعندما زرت مدينة سوتشي Sochi، لحضور أعمال الاجتماع السنوي لنادي فالداي Valdai للحوار بين متابعي الشؤون الروسية، تفاجأت للغاية من جلسة الأسئلة الطويلة والأجوبة التي عقدها الرئيس بوتين وما سادها من إيجابية في أجوبته حيال علاقات روسيا مع الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً مع جو بايدن. ومما بدر عن بوتين شخصياً، لم تكن هناك أي إشارات عن وجود حرب باردة جديدة.

حسناً، لقد بدا على بوتين في ذلك اليوم أنه كان يتمتع بمزاج طيب وإيجابي بشكل واضح، وهو ما لم يكن متوقعاً تماماً بالنظر إلى وجود الجائحة وتراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، وحال عدم اليقين التي تحيط هذه الأيام بمشروع روسيا الجديد لمد خط أنابيب الغاز إلى ألمانيا "نورد ستريم" (السيل الشمالي) Nord Stream 2. إن تعاطي بوتين مع ملف الولايات المتحدة بطيبة هو شيء ربما كان نتيجة لمزاجه العام في ذلك اليوم. لكن كانت هناك نقاط محددة تنبئ بذلك أيضاً.

لقد عدد بوتين لجان العمل المشترك التي شكلت للسماح للخبراء الروس والأميركيين بتبادل الآراء، وكان ذلك نتيجة مباشرة لما اتفق عليه في قمة جنيف، وكان تطوراً يدعمه بوتين بوضوح. بكلمة أخرى، فإن هناك الكثير من المحادثات التي تجرى على مستوى الصف الثاني (وحتى الثالث) في الكواليس، وذلك أكبر بكثير من الاتصالات التي أجريت خلال السنوات الأربع الماضية (خلال عهد ترمب).

وأثنى بوتين على قرار الرئيس بايدن التزامه بقرار دونالد ترمب لإنهاء الوجود الأميركي في أفغانستان، وحقيقة أن الانسحاب قد تم بشكل كامل وإن كان قد ساده شيء من التسرع الفوضوي. بالطبع ربما سيقول قائل، إنه من المتوقع أن يتحدث بوتين عن فصل الانسحاب بذلك الشكل، خصوصاً أن الأحداث أظهرت الولايات المتحدة بمظهر الضعيف التي تهرب من منطقة لا تبعد ملايين الأميال عن حديقة روسيا الخلفية.

لكن وجهة النظر الآنفة قد تثبت صحتها فقط في حال تجاهلنا الخطر الحقيقي جداً الذي قد تواجهه روسيا نتيجة أي حال لعدم الاستقرار الذي قد يتسرب إلى أراضيها عبر حدودها مع دول آسيا الوسطى. وإذا تجاهلنا ما قاله بوتين أيضاً: إنه يكن كل الاحترام للرئيس بايدن والطريقة التي تحمل من خلالها المسؤولية حيال عملية الانسحاب وما لم يجر بشكل صحيح خلالها.

وهذا يفصح عن موقف بوتين ورأيه بموقع الزعامة. ولكن ذلك يفصح أكثر عن قيام نوع من الاحترام المتبادل بين الرئيسين، أقله كما يبدو المشهد من موسكو. والاحترام أمر يقدره الكرملين كثيراً، بغض النظر عن حال عدم التوازن في الوضع الاقتصادي الحالي والقوة العسكرية للبلدين.

وكما هو معروف، فقد كان ظن بوتين قد خاب كثيراً بـ دونالد ترمب، خصوصاً لأنه وعد بتحسين تلك العلاقات خلال عهده، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في تنفيذ ذلك ــ أو ربما وكما أنظر إلى هذه المسألة أن نواياه قد تم تخريبها بشكل غير دستوري من خلال اصطناع قضية "روسيا غايت" Russiagate الخبيثة. فعندما غادر ترمب الرئاسة الأميركية كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ــ وبكل وضوح ــ أسوأ مما كانت عليه لدى وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض قبل أربع سنوات.

لكن وبعد قمة جنيف، كان الخلاف الوحيد الذي ساهم في تأزم الأوضاع بشكل روتيني يتعلق بعدد الدبلوماسيين المرخصين للعمل في كلا العاصمتين. وحتى الآن لم يتم حسم الخلاف كما بدا واضحاً في بيان الكرملين الذي تضمن تفاصيل الاتصال الهاتفي الذي جرى مع بايدن.

مع الأخذ في الاعتبار ما يبدو أنه تحسن في الأجواء حيال معظم القضايا الأخرى، لم يكن متوقعاً وحتى أنه كان صادماً أن نسمع من واشنطن الإنذارات القلقة التي صدرت الشهر الماضي عن إمكانية الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا ــ بالاستناد إلى ما يبدو أنه صور من أقمار التجسس الاصطناعية التي تشير إلى تحركات عسكرية داخل الأراضي الروسية.

تلك التحذيرات قطعت بعد فترة وجيزة المحيط الأطلسي ووصلت إلى بريطانيا وإلى حلف ناتوــ وبالطبع ــ وصلت إلى أوكرانيا ونتج منها إصدار تحذيرات مشتركة صادرة عن كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى آخرين، تهدد بعواقب وخيمة لو قامت روسيا باجتياح (أوكرانيا) عشية الاتصال الهاتفي بين بوتين وبايدن.

والآن، يبدو لي ولأسباب عدة، بما فيها جنون فكرة شن حرب في فصل الشتاء خصوصاً قرب تلك المنطقة (الباردة جداً) من أوروبا، واحتمال أن يقوم الأوكرانيون بالقتال، مما سيدفع نحو إشعال حريق هائل قد يلتهم المنطقة برمتها، وأخاف أن تكون تلك التحذيرات ربما مجرد نسخة هي الأحدث من كتاب الصقور الغربيين العادي حول التهديدات الروسية، والتي يتم إزالة الغبار عنها وتُبرز كلما بدا وكأن العلاقات بين الجانبين، والعياذ بالله هنا، ربما تتجه للتحسن.

لكن تلك المعطيات تفيد بالنسبة لي بأنه ربما هناك جهود جديدة تبذل، ولا أدري إن كانت بمبادرة من موسكو، واشنطن أم كييف لمحاولة إنهاء النزاع في شرق أوكرانيا، وربما يكون ذلك قد تسبب بتحرك المصالح القوية التي ترى أن الحل الوحيد الممكن هو بضرورة اندماج أوكرانيا الكامل في المحور الغربي (وهذا يعني انضمامها إلى حلف ناتو) ومعسكره.

هذا التفسير لما يجري يبدو معقولاً أكثر، إذا أخذنا في الاعتبار ما قالته روسيا خلال الأسبوعين الماضيين وإعلانها ــ وللمرة الأولى ــ وبوضوح أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي هو بمثابة "خط أحمر" بالنسبة لموسكو.

ويبدو جلياً من البيانات الصحافية التي صدرت عن الكرملين والبيت الأبيض ــ المختلفة ــ حول مضمون المكالمة الهاتفية بين بايدن وبوتين أن البحث قد تطرق بالفعل إلى أوكرانيا. وما كان واضحاً للغاية هو أنه وفيما كان الكثيرون في الغرب منشغلين بتأجيج المخاوف من احتمالية الغزو الروسي (لأوكرانيا)، كانت لدى موسكو مخاوف أيضاً تخص أمنها وتهديده من خلال عملية انتزاع مسلحة غربية لأوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المخاطر التي تنتج من هذه المخاوف المتبادلة يجب أن تكون واضحة ــ وربما كانت السبب وراء انعقاد تلك القمة "الافتراضية" المصغرة. النتيجة لم تعكس توافقاً كاملاً في الأفكار، لكنها خرجت بتوافق على مواصلة المحادثات على مستوى المسؤولين ــ اعتبرته موسكو إيجابياً من ناحيتها، فيما اعتبر الأمر كارثياً من بعض المؤيدين لأوكرانيا في الغرب. ويدفعنا للأمل هنا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والذي يحتل مكاناً غير مريح حين يرى بلاده في صلب اهتمامات القوى الكبرى، مراراً وتكراراً، اعتبر أنه من المفيد جدا رؤية تواصل الحوار الروسي- الأميركي.

لا بد من الأمل الآن في أن ينحسر الحديث المثير للقلق عن إمكانية الغزو الروسي (لأوكرانيا). معروف عن بوتين وبايدن أنهما يتواصلان هاتفياً بشكل منتظم، لكن هذا الاتصال كان مختلفاً عن قصد. فلقد تم ترتيبه على شكل قمة مصغرة "افتراضية"، وتم بث بداية القمة ومقدماتها المهذبة على الهواء مباشرة. وكان الهدف من ذلك إرسال رسالة عن خفض التوتر إلى ما هو أبعد من الكرملين والبيت الأبيض لتصل إلى كل العالم.

تلك الرسالة يجب أن تسجل أيضاً في لندن. وأن تنعكس في ضرورة استئناف الحوار مع روسيا، فكما هي الحال بخصوص أفغانستان، ينتهج بايدن سياسة تجعله أقرب إلى نهج ترمب منه إلى قربه من الرئيس الديمقراطي الذي سبقه، أي باراك أوباما. وهذا التصرف لا يمكن أن يكون ناتجاً من إعجابه بالرئيس ترمب، لكن لأنه يعتقد أن ذلك يصب في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة الأميركية.

على المملكة المتحدة وكبار مسؤوليها، وتحديداً وزير خارجيتها، وهم كانوا مسؤولين عن أقسى الانتقادات التي وجهت إلى روسيا في الأسابيع الأخيرة، ملاحظة ما يجري، وإلا ستجد لندن نفسها معزولة وعرجاء في محاولتها اللحاق بالآخرين، تماماً كما كان وضعها خلال الانسحاب من أفغانستان.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء