Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة بريطانيا تترك البلاد مكشوفة أمام متحورات وجائحات مستقبلية

ستتخلى عن مركز رئيس لتصنيع اللقاحات بعد تسريع تطويره خلال الوباء

سينتهى العمل في "مركز ابتكار تصنيع اللقاح" أثناء ربيع 2022 (أ ف ب)

تلقت الحكومة البريطانية تحذيراً من رئيسة المركز المسؤول عن تطوير لقاح "أكسفورد" [يُعرف أيضاً باسم أسترازينيكا]، من المضي في مخططها بيع مصنع للقاحات في المملكة المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يجعل البلاد مكشوفةً أمام المتغيرات الناشئة لفيروس "كوفيد".

وتدرس الحكومة في الوقت الحاضر عدداً من العروض المقدمة من شركات في القطاع الخاص، لبيع "مركز ابتكار تصنيع اللقاحات" Vaccine Manufacturing Innovation Centre   في هارويل، ضمن قرار "مفاجئ" أثار انتقاد عالمة بارزة تقف وراء تصميم لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا".

البروفيسور أدريان هيل، مدير "معهد جينير" Jenner Institute التابع لـ"جامعة أكسفورد"، قارن بيع "مركز ابتكار تصنيع اللقاحات"، بخطورة أن "تكون البلاد في حرب مروعة، وتقرر فجأة خفض موازنة الدفاع بشكل كبير".

تأتي تعليقات هيل في الوقت الذي حذرت عالمة شاركت في اختراع لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا" المضاد لفيروس كورونا، من أن وباء آخر سيهدد حياة البشر، وقد يكون "أكثر نشراً للعدوى" و"أشد قوة في الفتك بأرواح الناس".

في ذلك الصدد، ألقت البروفيسورة ساره غيلبرت (تحمل لقب "دام" المرادف للقب "سير") "محاضرة ريتشارد ديمبلبي" Richard Dimbleby Lecture المرموقة [محاضرة سنوية يقدمها متحدث مؤثر ومتميز، تكريماً للصحافي والمذيع المخضرم ريتشارد ديمبلبي)، رأت فيها أن التقدم العلمي الذي أحرز في مجال مكافحة الفيروسات القاتلة "يجب ألا يهدر".

تجدر الإشارة إلى أن "مركز هارويل" للقاحات تلقى أكثر من 200 مليون جنيه استرليني (266 مليون دولار أميركي) من أموال دافعي الضرائب منذ تفشي وباء "إيبولا" في غرب أفريقيا. وقد أُنشىء لتطوير شبكة تصنيع لقاحات تديرها الدولة، وتحصين البلاد بشكل أفضل في وجه تفشي أمراض معدية في المستقبل.

وخلال فترة انتشار الوباء، جرى تقديم موعد انتهاء العمل على إنشاء المشروع، من عام 2023 إلى ربيع 2022، في وقت وافق المسؤولون على تكبير حجم المنشأة، ومضاعفة الموازنة الأصلية للمشروع بنحو ثلاثة أضعاف، بعدما كانت في حدود 70 مليون جنيه استرليني (93 مليون دولار).

في المقابل، تسعى الحكومة البريطانية الآن، وفق ما كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز"، إلى إفراغ المركز واستعادة بعض استثماراته. واستناداً إلى مصادر الصحيفة، فإن الحاجة إلى توسيع قدرة تصنيع اللقاحات في المملكة المتحدة "لم تعُد موجودة"، الأمر الذي يجعل "مركز ابتكار تصنيع اللقاحات" من دون فائدة إلى حد ما.

ويشير البروفيسور أدريان هيل إلى أن حكومة رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، سبق لها أن "اقتنعت بفكرة" إعداد المملكة المتحدة للأوبئة المستقبلية، موضحاً أن جائحة "كوفيد- 19" أكدت مجدداً حاجة البلاد إلى تحسين قدرتها على تطوير اللقاحات وتصنيعها في الداخل على وجه السرعة، بدلاً من أن تبقى معتمدة على "سوق شراء اللقاحات".

وأضاف البروفيسور هيل، "ثم ظهرت خلال الشهرين الماضيين، على نحو مخيب للآمال، أنباء عن أنه سيتم بيع المنشأة. ويبدو الإقدام على هذه الخطوة أمراً مثيراً للغرابة، خصوصاً بعد أن وجدنا أنفسنا في خضم جائحة عالمية، في حين يصدر قرار بإغلاق منشأة بإمكانها أن تظهر للعالم أننا قادرون على التعامل مع المشكلة على نحو استباقي، ومن ثم قرار ببيعها، ما يشكل مسألة مثيرة للجدل".

وعلى نحو مماثل، انتقد ويس ستريتينغ، الوزير الجديد للصحة في حكومة الظل "العمالية"، بيع "مركز ابتكار تصنيع اللقاحات" خلال فترة الوباء، معتبراً أنه قرار "يعبّر عن "ذهنية محدودة وتهاون بالغ".

وأضاف، "لم نخرج بعد من الأزمة الصحية، وقد ذكّرنا بذلك جيداً ظهور متحوّرة ’أوميكرون‘. إنه لأمر فاضح ما يقوم به المحافظون الذين يضعون الأيديولوجيا قبل سلامة بريطانيا وتحصينها في وجه كورونا والأوبئة المستقبلية".

وتوضح صحيفة "فاينانشال تايمز" أن هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار من أجل استكمال بناء المنشأة. وبحسب ما أفيد، فقد تقدمت 4 شركات على الأقل بعروض للمركز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك بيّن البروفيسور هيل أن المسؤولين المعنيين بـ"مركز ابتكار تصنيع اللقاحات"، أملوا أن يستخدموه في تطوير تقنيات جديدة عن "الحمض النووي الريبي" RNA وتراكيبه الجينية [استندت اللقاحات المبتكرة ضد كورونا إلى تقنية تتعامل مع ذلك الحمض الجيني]، وكذلك اختبار لقاحات شاملة مضادة لكورونا تكون فاعلة ضد جميع المتغيرات المستقبلية لذلك الفيروس، إضافة إلى أنه يتيح حتى لشركات التكنولوجيا الحيوية أو مصانع الأدوية أن تسرّع عملية تطوير جرعاتها من اللقاحات.

وتابع "إن الأمر المثير للجدل في ما يتعلق بمجرد وجود منشأة تصنيع جاهزة لمواجهة تفشي مسببات الأمراض، يكمن في تحديد أوجه استخدامها حينما لا يكون هناك وباء، وهو ما يحدث في معظم الأحيان. وكان ممكناً أن تكون هذه المشاريع هي الحل".

في سياق موازٍ، ذكرت الحكومة البريطانية على لسان متحدث باسمها، "إننا نعمل بشكل وثيق مع ’مركز ابتكار تصنيع اللقاحات‘ الذي يُعدّ شركة خاصة، ومع غيره من الشركات، لضمان احتفاظ المملكة المتحدة بقدراتها القوية في تصنيع اللقاحات محلياً، والمساهمة في تعزيز صمود البلاد في وجه فيروس ’كوفيد- 19‘، وغيره من حالات الطوارئ الصحية المستقبلية".

في ملمح متصل، اعتبر البروفيسور روبن شاتوك، رئيس مجلس إدارة "مركز ابتكار تصنيع اللقاحات"، أن "امتلاك المملكة المتحدة القدرة على ابتكار استراتيجيات بشأن لقاحات جديدة مستقبلاً، يبقى أمراً حيوياً للغاية. لكن الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك، تظل مسألة قابلة للجدل".

ويأتي القلق حيال مستقبل ابتكار اللقاحات في بريطانيا، في ظل تحذير أطلقه خبراء علميون يشدد على ضرورة ابتكار جيل جديد من لقاحات "كوفيد"، لحماية البلاد وبقية العالم بشكل أفضل من المتحوّرات الناشئة.

واتصالاً بذلك، أكد علماء أن إعطاء الأفراد لقاحات على شكل رذاذ الأنف، إلى جانب الجرعات التي تستهدف أجزاء من فيروس كورونا مختلفة عن التراكيب البروتينية الجينية الموجودة في أشواك ذلك الفيروس، قد يساعد في إحداث شكل أكثر تنوعاً من المناعة، وقد يحمي الناس من العدوى الأولية والمرض الشديد على حد سواء.

وفي ذلك الإطار، ذكرت الاختصاصية في المناعة في "جامعة إدنبره" البروفيسورة إليانور رايلي، أنه "كي يكون المرء محميّاً فعلاً من العدوى، فلسوف يحتاج إلى أجسام مضادة في كل من الأنف والحلق. إن المجموعة الراهنة من اللقاحات التي حصلنا عليها، جرى حقنها في العضلات، وأحدثت استجابة مناعية جهازية، لكنها لا تستهدف الفيروس بالضرورة لحظة دخوله إلى أجسامنا عبر جهاز التنفس".

ورأت أن النهج المستقبلي يمكن أن يجمع ما بين "الحقن داخل العضلات مع جرعة في الأنف، بما يتيح للناس الحصول على استجابة موضعية. بعد ذلك، قد نتمكّن من الانتقال إلى مستوى أفضل بكثير".

في سياق متصل، أيّد البروفيسور لورانس يونغ، عالم الفيروسات في "جامعة وورويك"، الحاجة إلى "جيل ثانٍ" من اللقاحات التي يمكن أن تستهدف أجزاء أخرى من فيروس "سارس- كوف- 2"، إلى جانب التراكيب البروتينية الجينية الموجودة في أشواك الفيروس، وتحتفظ بفاعليتها في مواجهة المتغيرات الشديدة التحوّر، على غرار "أوميكرون".

وأشار إلى مثل "بروتين نوكليوكابسيد" الذي يضطلع بدور رئيس في استنساخ التركيب الجيني لـ"الحمض النووي الريبي". ولفت إلى أن تلك البنية لا تتحور بمثل السهولة التي تتغير فيها التراكيب البروتينية الجينية الموجودة في أشواك الفيروس، الأمر الذي يقلل من احتمالات تعديل اللقاح الذي يستهدفها.

ويضيف البروفيسور يونغ أن "البحث جارٍ الآن في هذا الاتجاه. ويمكنني أن أرى إمكانية وحيدة لاستخدام اللقاحات المدمجة، من خلال توافر لقاحات لدينا، تستهدف أجزاء مختلفة من التاج الشوكي للفيروس بهدف تغطية جميع الجوانب المحتملة. بعبارة أخرى، إن الفكرة تقضي بالحصول على لقاح شامل قادر على تطويق جميع أنواع فيروس كورونا. وهذه فكرة مثيرة حقاً للاهتمام".

واستكمالاً، رأى البروفيسور هيل أن لقاحات كتلك [التي تحدّث عنها البروفيسور يونغ] "ليست مستحيلة"، لكنه لفت إلى وجوب بذل جهود كثيرة بغية تطوير التكنولوجيا اللازمة لإنتاجها.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية أعلنت أنها استثمرت أكثر من 380 مليون جنيه استرليني (506 ملايين دولار أميركي) "لتأمين إمكانات تصنيع اللقاحات في المملكة المتحدة وتوسيعها، كي تصبح قادرةً على مواجهة مفاعيل فيروس ’كوفيد- 19‘، إضافةً إلى أي أوبئة أخرى في المستقبل".

في ذلك الصدد، جزمت الدام سارة في "محاضرة ريتشارد ديمبلبي" الرابعة والأربعين، بأن "هذه لن تكون المرة الأخيرة التي يهدد فيها فيروس حياتنا وطريقة عيشنا. والحقيقة هي أن الفيروس الآتي قد يكون أشد سوءاً. ويمكن أن يكون أكثر نشراً للعدوى، أو أكثر فتكاً، أو أن تحمل مواصفاته الأمرين كليهما".

وأضافت، "لا يمكننا أن نسمح بنشوء وضع سبق أن عانينا فيه أشد المعاناة، ثم نجد أن الخسائر الاقتصادية الهائلة التي تكبدّناها تتسبب في الوقت الراهن في عدم تأمين تمويل يسهم في الاستعداد لمواجهة الأوبئة". ووفق كلماتها، "يجب ألّا ندع الإنجازات التي حققناها والمعرفة التي اكتسبناها حتى الآن، تذهب هباء".

تبقى الإشارة أخيراً إلى أن الفضل يعود إلى البروفيسورة سارة غيلبرت من "جامعة أكسفورد"، في إنقاذ ملايين الأرواح من الناس، من خلال دورها في ابتكار اللقاح المضاد لفيروس كورونا.

© The Independent

المزيد من تقارير