Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرنسا أمام فرصة دفن سلبيات مرحلتها السياسية الأشد قتامة

حزب الجمهوريين رشح فاليري بيكريس التي قد تهزم لوبان وزيمور

صارت فاليري بيكريس مرشحة حزب الجمهوريين للانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2022 (أ ف ب)

كان من السهل على فاليري بيكريس، المرشحة التي اختارها حزب يمين الوسط الفرنسي، "حزب الجمهوريين"، أن تحتل منصباً في حكومة إيمانويل ماكرون. إنها تكنوقراطية وسطية وليبرالية ومتعددة اللغات ومساندة للأعمال، وقد تلقت تعليماً نخبوياً على غرار ماكرون.

ويمكن مقارنتها في المملكة المتحدة ربما بأمبر رود أو فيرجينيا بوتوملي الوزيرة في حكومة محافظة سابقة. وتتميّز بيكريس، وهي أم لثلاثة أولاد، بالود واللباقة والاعتدال، ولديها كثير من السحر وابتسامة لطيفة لكن من دون ذلك التركيز القاتل للوصول السريع إلى القمة. وحصلت على الترشيح بعدما تفوقت على ثلاثة منافسين ذكور. فقد جرب ميشيل بارنييه، [الذي يشتهر بلقب] السيد بريكست، حظه في اللحظة الأخيرة بوصفه المرشح الأكبر سناً على غرار جو بايدن. وفي المقابل، لقد توجّب عليه الادعاء بأنه مُعادٍ لأوروبا وأصدر تحذيرات عاصفة ضد بروكسل خيبت آمال مشجعيه وفشلت في إقناع الناشطين الحزبيين.

وفي الجولة الأخيرة، فُضِّلت بيكريس على منافسها اليميني المتشدد إريك شيوتي. وحظيت بيكريس بتأييد جميع المحافظين الفرنسيين الرفيعين من مرحلة [الرئيسين السابقين] شيراك وساركوزي. إنهم يكرهون شيوتي الذي يقول عن المسلمين والهجرة والجريمة الأشياء نفسها التي ترد في تصريحات مارين لوبن وإريك زيمور، ولا يشعر بأي ذنب إزاء التودد إلى الجناح المظلم جداً من الناخبين الفرنسيين اليمينيين المتشددين.

بالتالي، إذ ذلك يشكل الآن معضلة بيكريس. وبغية أن تتفوق على لوبن وزيمور، ينبغي لها أن تعتنق العمل السياسي الفرنسي العنصري والقومي المتشدد الذي عاود الظهور أثناء المرحلة الطويلة السابقة للانتخابات المقررة في أبريل (نيسان) والتي ستُجرَى في جولتين.

وتسجل لوبن وزيمور في معظم الاستطلاعات 35 في المئة لكل منهما، بالمقارنة مع 10 في المئة لبيكريس، على الرغم من أن هذا الرقم سيرتفع بحدة، إذ إنها الآن المرشحة الوحيدة للجمهوريين. في المقابل، إنها بعيدة من أن تكون مرشحة الوحدة. إذ صوّت حوالى 40 في المئة من ناشطي حزب الجمهوريين الـ135 ألفاً، لمصلحة شيوتي. واستطراداً، حذر شيوتي بالفعل بيكريس من أن عليها التحرك يميناً كي تفوز بدعمه، بالتالي دعم جميع مؤيديه. وحملت الـ"فيغارو"، الصحيفة الفرنسية المماثلة للـ"دايلي تلغراف"، افتتاحية على صفحتها الأولى الاثنين الماضي حذرت بيكريس من عدم تليين رسالة اليمين، على أمل الفوز بمزيد من الدعم.

لا شك في وجود دعم صلب للعمل السياسي اليميني المعادي للمسلمين ولأوروبا، وكذلك، قبل كل شيء، السياسات السلطوية وغير الليبرالية في فرنسا. ويشمل ذلك الدعم في الأقل ثلث الناخبين أو أكثر. وبين عامي 1945 و1980، حصل أيضاً على العدد نفسه تقريباً من الأصوات الحزب الشيوعي الفرنسي العملاق الذي دعم معسكرات العمالة التي أنشأها ستالين وأعمال التعذيب والتصفية الجماعية للمعارضين التي مارسها، وكذلك عارض الهجرة والبناء الأوروبي.

وبعد وقت قصير من إعلان بيكريس مرشحة للمحافظين الفرنسيين، أطلق منافسها اليميني زيمور حزبه الجديد في تجمع حاشد التأم في ضاحية شمال باريس. ويُسمَّى حزبه الجديد "الاستعادة". ويتمثّل ما يريد استعادته في فرنسا التي تواجه، وفق ما يجادل منذ سنوات في كتب وفي برامج تلفزيونية وفي الـ"فيغارو"، "استبدالاً كبيراً" يطاول شعبها الأبيض وهويتها الوطنية وتاريخها المجيد من قبل "يساريين إسلاميين" و"ووكيين" [منبهين من العنصرية] ومؤمنين بالنسبية الثقافية، عملوا على إلغاء الهوية الفرنسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتمثل المرحلة الأولى في هذه "الاستعادة"، التي تذكر بـ"استعادة" إسبانيا المغاربية من قبل الملوك الكاثوليك الذين طردوا كل مسلم ويهودي من إسبانيا قبل خمسة قرون، في مهاجمة الصحافيين. ووفق خطاب زيمور لمشجعيه الهاذين، "يريد خصومي موتي السياسي، ويريد الصحافيون موتي الاجتماعي، ويريد الجهاديون موتي".

وسخر مؤيدوه من مراسلي التلفزيون الفرنسي وصحافيين آخرين في التجمع وشتموهم. وأخرج بلطجية الأمن التابعون لزيمور محتجين معادين للعنصرية وضربوهم على غرار ما كان يحصل في تجمعات اتحاد الفاشيين البريطاني بزعامة أوزوالد موزلي في لندن خلال ثلاثينيات القرن العشرين.

هل ستتمكن بيكريس حقاً من الانتصار على لوبن وزيمور اليمنيين؟ إذا سارت على خطاهما، ستدفع كثيرين من الناخبين المحافظين المعتدلين والوسطيين الليبراليين وحتى اليساريين الوسطيين، إلى التصويت لماكرون. وإذا حافظت على موقعها المحافظ المعتدل المؤيد للحكم الجيد والليبرالي، الذي تتمسك به طوال حياتها، تغامر بخسارة الدعم من المتشددين المؤيدين للوبن وزيمور.

أما الحزب الاشتراكي الذي هيمن على السلطة في مرحلة ما، وقدم ثلاث ولايات رئاسية وتسعة رؤساء وزراء في فرنسا منذ عام 1981، فلا تحظى مرشحته آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، سوى بخمسة في المئة من التأييد. ففي عهد آخر رئيس اشتراكي، فرانسوا هولاند، المنتخب عام 2012، أصاب الحزب الاشتراكي ما أصاب حزب العمال البريطاني بقيادة جيريمي كوربين. وآنذاك، بذل الحزبيون اليساريون من خصوم هولاند ما في وسعهم بغية تقويض الرجل، ثم تقدموا بمرشحين يساريين مختلفين، فوفروا فرصة لاحظها واستغلها بذكاء الناشط إيمانويل ماكرون.

من ناحية المولد والتعليم والثروة والزواج، لطالما كانت فاليري بيكريس الزعيمة السياسية المسؤولة شرفياً عن يمين الوسط. إنها رئيسة أغنى منطقة في فرنسا، "إيل دو فرانس"، التي تضم الضواحي الباريسية المريحة الخاصة بالطبقة الوسطى والشبيهة بالمقاطعات المحيطة بلندن.

وساعد سجلها غير المثير للإعجاب كوزيرة متوسطة الرتبة في عهد نيكولا ساركوزي (بين عامي 2007 و2012) في توجيه فرنسا يساراً مع انتخاب هولاند في 2012. وبوصفها رئيسة أغنى منطقة فرنسية حول باريس، فإنها لا ترتكب أخطاء، لكن قيادتها السياسية لم تشهد كثيراً من الابتكار.

في المقابل، يملك الجمهوريون مالاً كثيراً يمكنه تمويل حملة ممتازة وشبكة كبيرة من المسؤولين المنتخبين والمؤيدين ممن يريدون أن يشهدوا إعادة جديدة لليمين التقليدي إلى الموقع الذي اغتصبه المغرور إيمانويل ماكرون.

لقد بدأت الحملات الرئاسية الفرنسية. لكنها معركة أنواع مختلفة من اليمين ضد أنواع مختلفة من اليمين. وسيجد ماكرون الكلمات المناسبة ليحافظ على الدعم الذي يحظى به من يمين الوسط والليبراليين منذ 2017 ويستقطب اليساريين والخضر المحبطين إليه. بالتالي، يتوجّب على بيكريس أولاً دفن السلبيات الخاصة بالمرحلة السياسية الفرنسية الأكثر قتامة التي عاودت البروز. وسيكون ذلك صعباً. ومن ثم، ستجد في ماكرون شخصاً يصعب التغلب عليه.

 

دنيس ماكشاين وزير بريطاني سابق للشؤون الأوروبية. وكتب أول سيرة بالإنجليزية لفرانسوا ميتران ويظهر كثيراً في وسائل الإعلام الفرنسية

© The Independent

المزيد من آراء