Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحوال مارين لوبن تدل على تراجع صعود الشعبويين

توقع المثقفون زحفاً لا يرد لليمين المناهض لأوروبا، لكن تبيّن أن خطاب العداء للمهاجرين لم يكن كافياً

بعد صعود مستمر تعاني مارين لوبن تراجعاً في التأييد لخطابها الشعبوي المناهض لأوروبا والمعادي للمهاجرين (يوتيوب)

كأننا قد سمعناه البارحة، كل ذلك الكلام عن الصعود الذي لا رادّ له للشعبوية القومية ذات التوجّه اليميني. وفي العام 2016 حلّ انتصار البريكست، وجاء انتخاب ترمب، وصعود ماري لوبن وماتيو سالفيني، وخيرت فيلدرز (هولندا)، وحزب "البديل من أجل ألمانيا"، والـ"فوكس" في إسبانيا، لتشكل هذه المحطات جميعها دلائل على سيطرة يمينية على أوروبا، وتهدّد الوجود المستمر للاتحاد الأوروبي.

وفي تلك الآونة، انتقل أكاديميون كماثيو غودوين، وكاس مود، وكاثرين فيتشي، وعدد من زملائهم في أوروبا؛ من قاعات المحاضرات في الجامعات إلى فقرات البث، والبرامج التلفزيونية وصفحات الرأي في الصحف. وقد وضعوا كتبا،ً ومراجعات، ومقالات يعلنون فيها ولادة حقبة جديدة لسياسيين من دعاة الحدود المغلقة والعداء للإسلام، وفي بريطانيا العداء لأوروبا.

 وفق أولئك الأكاديميين، جرى توصيف الانقسامات السياسية بين من سُمّوا مقترعين من مؤيدي "المكان المحدد" ساندوا الحلول ذات النظرة الداخلية القومية، وأناس من مؤيدي "في أي مكان" عبّروا عن دعمهم للقيم الليبرالية، وساندوا المجتمعات المفتوحة، والنظم الاقتصادية الحرّة. بيد أن الأمر لم يبلغ الدرجة التي توقّعها ستيف بانون [المستشار السابق لترمب]، والأطروحات الثابتة لمعهد أبحاث "بوليسي إكستشينج" Policy Exchange ["التبادل السياسي"]، التي تنتقد الليبرالية التقدمية. إذ شهدت الانتخابات البلدية الفرنسية التي أجريت خلال عطلة الأسبوع المنصرم، خسارة مارين لوبن نحو نصف المقاعد التي ربحتها في 2016. وآنذاك، في يونيو (حزيران) 2016، وضعت لوبن علم الاتحاد على صفحتها في "فيسبوك" وأرسلت تهانيها الحارّة إلى بوريس جونسون. لكن ما أدّى إليه البريكست في الحقيقة من تعطيل للنمو الاقتصادي البريطاني، مع ترك ذاك النمو ينازع في مساراته المفترضة، وكذلك إفلات الفوضى السياسية البائسة من عقالها على مدى الأعوام الأربعة الأخيرة، جعل لوبن تسحب بهدوء مطالب حزبها الداعية إلى إجراء استفتاء حول عضوية الاتحاد الأوروبي، واستبدال عملة اليورو بالفرنك الفرنسي.

 حصل أمرٌ مماثل في إيطاليا، إذ إن حزب الـ"ليغا" الذي يتزعمه ماتيو سالفيني، انتقل من تمثيل مصالح الرأسمالية الصناعية في شمال إيطاليا، التي تبغض الضرائب والإنفاق الاجتماعي على جنوب البلاد الأكثر فقرًا، ليغدو حزب تعصّبٍ عرقي يبثّ العداء الصرف ضد المهاجرين، ويحرص زعيمه، سالفيني، على لفّ سبحة صلاة حول أصابعه مع كلّ ظهور له في مناسبة عامة. ولكن، بدلاً من تلك المعطيات، فإن ما حصل في إيطاليا أخيرًا، تمثّل بانتصار الـ"بارتيتو ديموقراطيكو" "الحزب الديموقراطي" بالتحالف مع أحزاب أخرى مناصِرة للاتحاد الأوروبي.

وفي أوروبا كلها تقريباً، ما عدا بريطانيا العاملة بنظام "المنصب للحاصل على أغلبية الأصوات"، يمثّل "الخضر" حاضراً قوّة صاعدة في السياسة الأوروبية. إذ نالوا المرتبة الأولى في الانتخابات البلدية الفرنسية خلال عطلة الأسبوع المنصرم. وكادوا أن يحلّوا بديلاً عن "الحزب الديموقراطي الاجتماعي" "إس بي دي" SPD كحزب المعارضة الرئيس في ألمانيا، بعد أن شكّل الـ"إس بي دي" قوّة سياسية عظمى.  وعلى الرغم من فوز صديق لوبن السابق بمقعد منطقة "بيربينيان" الفرنسية، إلّا أن فوزه ذاك جاء من دون أي إحالة إلى حزب لوبن، حزب "التجمّع الوطني"، كذلك لم تظهر صور، ودعاوى، وشعارات لصديقته السابقة في حملته الانتخابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

لم يكن المثقفون الذين نظّروا للزحف المبين لليمين الشعبوي المعادي للاتحاد الأوروبي، مؤرخين سياسيين زُوّدوا بمعلومات عن الطبيعة الانقسامية الطاردة المتحكمة في معظم التشكيلات السياسية اليمينية. كذلك بات حضور تلك الأخيرة تتصدره معاناتها انقسامات جوهرية، وصراعات شخصية. إذ لا يكفي مجرّد تقريع المهاجرين، ورفع دعاوى إغلاق الحدود، وازدراء الشراكة الأوروبية، للنهوض بقوام الأحزاب السياسية. كذلك يمكن القول هنا، على وجه المقارنة، إن الشعبوية اليسارية كانت أكثر فعالية من الشعبوية اليمينية في الوصول إلى السلطة. إذ نهض حزب "سيريزا" في اليونان، بزعامة ألمع الشعبويين اليساريين الديماغوجيين، يانيس فاروفاكيس، بتشكيل حكومة استمرت لأربع سنوات. وآنذاك، ألقت الحكومة بفاروفاكيس في قلب دائرة المؤتمرات الأوروبية، فيما اجتهدت بالتركيز على سياسات براغماتية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. واليوم في إسبانيا يُعتبر شعبويو حزب "بوديموس" اليساريون شركاء ناشئون في الائتلاف الاشتراكي الذي يتزعمه بيدرو سانشيز، المناصر للاتحاد الأوروبي.

في سياق متصل، انعطف حزب العمال البريطاني إلى مسار يساري شعبوي تحت زعامة جيريمي كوربين، وحكومة الظل المعارضة التي يسيطر عليها. بيد أنّ [كوربين] وأتباعه من معسكر "الزخم" Momentum عملوا على تفريغ سياسات حزب العمال الداعمة للطبقة العاملة والديموقراطية الاجتماعية من مضمونها، كما رفضوا تبنّي دعم البقاء في الاتحاد الأوروبي في حملتهم الانتخابية.

وما زال هناك قادة قوميون في أوروبا يحافظون على مواقعهم السياسية، في المجر، وبولونيا. بيد أنّ هؤلاء يفعلون ذلك عبر إنفاق مالي كبير على النواحي الاجتماعية، وانتهاج سياسات منحازة إلى الفقراء. ويتماهى كلّ من فيكتور أوربان وياروسلاف كاجينسكي، مع دعاوى مختارة بحذر تُقرّع سياسات بروكسل (الاتحاد الأوروبي)، إلّا أنّهما لم يبلغا أبدًا مبلغ تهديد تحويلات الميزانيات الضخمة من الاتحاد الاوروبي، أو حق البولونيين والمجريين في السفر، والعمل داخل أوروبا.

لقد انتهى الانقسام الثنائي التقليدي في أوروبا الذي كُرّس بعد العام 1945، بين سياسات يمين الوسط ويسار الوسط، مع فسحة صغيرة لليبراليين الواقفين إلى جانب السياج الفاصل بين المعسكرين. ففي البرلمان الأوروبي اليوم، كما في معظم البرلمانات الوطنية، ثمّة وفرة في الأحزاب السياسيّة. وفي المملكة المتّحدة مثلاً، اختارت اسكتلندا حزبًا قوميًّا شعبويًّا، إلّا أنّه حزب يثابر على التأكيد بأنّه يناصر الاتحاد الأوروبي، ويعمل على تطبيق سياسات اجتماعية ديموقراطية كلاسيكية. كذلك يشكّل "حزب الخضر" في إيرلندا محور ترتيبات الائتلاف السياسي الجديد فيها.

في هذا الإطار، سيتمثّل الامتحان الأساسي القادم في الولايات المتّحدة أثناء شهر نوفمبر (تشرين الثاني). إذا خسر ترمب في الانتخابات، فذاك سيعني انتهاء الزعم الذي ساد منذ 2016 القائل بوصول شعبوية سياسية يمينية لا رادّ لها. أمّا البريكست، ذاك المشروع الشعبوي المتهالك في بريطانيا، ومع إعراب 58 في المئة ممن صوتوا عليه عن ندمهم على مغادرة الاتحاد الأوروبي، فسيبقى وحده قابعًا في غرفة إنعاش بوريس جونسون السياسية.

 

* دينيس ماكشاين سياسي بريطاني سابق شغل منصب وزير دولة للشؤون الأوروبية في الحكومة البريطانية بين عامي 2002 و2005. صدر كتابه الأخير بعنوان "بريكسيتينيتي: المصير الغامض لبريطانيا". يكتب في موضوعات السياسة العامة والأوروبية.                  

© The Independent

المزيد من آراء