على الرغم من أن إريك زيمور غير معروف كثيراً خارج فرنسا، لكنه شخصية شعبية، ربما في شكل مفاجئ، إلى درجة أنه أكد انضمامه إلى سباق تحدي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) المقبل. وشكّل ترشيحه سراً معلناً، لكن ذلك لم يمنع الترشيح من ترويع الرأي العام التقدمي. إذ يُتّهم زيمور، صاحب الخلفية اليهودية الجزائرية، على نطاق واسع بالعنصرية، والعداء للإسلام والمثليين، بل للسامية أيضاً، وكثيراً ما واجه مشكلات قانونية بسبب خطاب الكراهية الذي يتبناه.
لا يكفي حقاً وصف هذا الرجل بأنه "خلافي". فلطالما آمَنَ ذلك الرجل الذي يعمل صحافياً وسياسياً وناقداً ثقافياً و"مفكّراً عمومياً" وفق الوصف الفرنسي، بنظرية "الاستبدال الكبير" (حلول المهاجرين الملونين محل البيض في أوروبا والغرب). إذ يؤمن بأن الهوية القومية الفرنسية والحضارة الغربية في خطر، ومن واجبه إنقاذهما. وفي حين أن حظوظ فوز زيمور ليست كبيرة، على الرغم من أن ذلك الاحتمال غير قابل للنفي الكامل، فإن حضوره بحد ذاته في المنافسة يشكّل مسألة مثيرة للانقسام عادة، بل حتى في شكل كبير أكثر استقطاباً.
وأعطت المقابلة الأخيرة التي أجرتها معه مجلة "سبكتاتور" لمحة عما سيأتي به من مواقف إلى المنافسة الرئاسية. ففي تلك المقابلة، أعلن أن "الهجرة عبارة عن حرب"، مشيراً إلى ما أسماه "الووكويّة" (تفكير يشدد على التنبه من العنصرية) عبارة عن حصان طروادة يستهدف اقتلاع فرنسا من جذورها "من خلال تدمير ثقافاتنا وتاريخنا، والسماح لثقافة وتاريخ وحضارة غريبة بالحضور والحلول محلها". تفضلوا. يمثّل زيمور المرشح النهائي للحرب الثقافية، وتجري منافسة حادة بينه وبين زعيمة أقصى اليمين التي باتت مخضرمة الآن، مارين لوبان، فكل منهما يراوح حول نسبة 15 في المئة في الاستطلاعات عن الجولة الأولى من الانتخابات، بالمقارنة مع حوالى 25 في المئة للرئيس الحالي ماكرون.
في ذلك الصدد، تُشبه العملية الانتخابية الفرنسية قُمعاً له فتحة واسعة جداً لا تلبث أن تصغر بسرعة فتصير أنبوباً ضيقاً. وهكذا، من بين عدد كبير من المرشحين من الاتجاهات كلها يتنافسون في الجولة الأولى، لا يتقدم إلى الدورة الثانية بعد أسبوعين، سوى أبرز اثنين (تجري الجولة الأولى من التصويت يوم الأحد في 24 أبريل 2022). وفي المرحلة الثانية، يواجه الناخبون ببعض الخيارات القاسية والمستقطبة، ويتحرّزون أثناء اختيارهم أهون الشرين من بين المتنافسَين على ولاية من خمس سنوات في قصر الإليزيه (مع حصة من القيادة السياسية للاتحاد الأوروبي تكون بمثابة علاوة).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذا، في المرة السابقة، اضطر الشيوعيون والاشتراكيون المتطرفون وأنصار البيئة إلى التصويت للوسطي الشعبوي إيمانويل ماكرون خوفاً من إتاحة الفرصة أمام لوبان وجبهتها الوطنية المسماة الآن "التجمع الوطني"، من التحكم بالجمهورية الفرنسية. لكن لوبان أحرزت نجاحاً أقل في توحيد قوى يمين الوسط واليمين وأقصى اليمين الأكثر تفككاً، لأسباب ليس أقلها أنها رفضت بوضوح شديد الرأسمالية المعولمة الليبرالية الجديدة، وناصرت "فريكست" (خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي)، وإعادة العمل بالفرنك، ولم تُبدِ ولاءً شديد الوضوح للديمقراطية ودستور الجمهورية الخامسة.
بعبارة أخرى، لم يحدث تماثل في الديناميكيات السياسية لدى اليسار واليمين. وفي 2022، يجب أن يتمكن ماكرون من الاعتماد على الغالبية العظمى من أصوات أقصى اليسار والاشتراكيين وأنصار البيئة التي تساوي مجتمعة 26/27 في المئة إضافية، كي يفوز في السابق، ولو بهامش ضئيل، في الجولة الثانية في مواجهة لوبان أو زيمور. (نال ماكرون ضعفي الأصوات التي نالتها لوبان في 2017، وتلك نتيجة من المستبعد أن يكررها العام المقبل).
في المقابل، إذا اجتذب زيمور أصواتاً بعيداً عن لوبان، ما يتيح لمرشح أكثر انتماء إلى التيار اليميني السائد، على غرار (ميشال) بارنييه، بالوصول إلى المرحلة الأخيرة، فقد ينتقل بعض يسار الوسط إلى معسكر بارنييه. وقد يصبح الوضع أكثر دقة، فالناخبون الفرنسيون معتادون على الالتفاف على النظام.
وهكذا، يبدو أن كثيراً مما حصل سيتكرر العام المقبل، على رغم أن ماكرون يحمل الآن العيوب كلها الخاصة بكونه الرئيس الحالي. ومن حسن حظه أن مختلف الأحزاب اليمينية تعيش أحوالاً أكثر تفككاً وأكثر شخصنة مما شهدته في 2017، مع حلول ميشال بارنييه وكزافييه برتران وفاليري بيكريس جميعاً في مجموعة التيار السائد نفسها، ومواجهة زيمور للوبان وغيرها من اليمين القومي والشعبوي.
بالتالي، يبدو أن الاقتصاد وتكاليف العيش والهجرة والحروب الثقافية والشعور البعيد الأجل بالتوعك ستهيمن على الحملات، وكلها غير مفيدة لماكرون. ومن المحتمل جداً أن ينتهي المطاف بزيمور، النقيض الحاد لماكرون الناعم والغامض والعشوائي، منافساً رئيساً غير محتمل، ما يعني أنه سيتجه نظرياً في الأقل، إلى التسبب بأكبر إقلاق منذ بريكست أو انتخاب دونالد ترمب. والأكثر ترجيحاً أن فرنسا ستتغاضى عن الطريقة التي اشتُهِر أهالي "غالة" [الاسم القديم للمساحة لفرنسا] وتسمح لماكرون بتولي ولاية ثانية، ما يجعله أول رئيس يتولى ولايتين منذ إعادة انتخاب جاك شيراك في 2002. في المقابل، سيسمع الفرنسيون، وسائر العالم، أشياء كثيرة من زيمور خلال تلك العملية، لكن سيكون بعض مما سيسمعونه مقلقاً جداً.
© The Independent