Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سنة أفريقيا الصعبة: متلازمة الفقر والوباء

في ظل عجز اقتصاديات القارة السمراء على استعادة نشاطها... هل تخلى المجتمع الدولي عن أفريقيا؟ 

قيود السفر بعد ظهور المتحورة الجديدة في جنوب أفريقيا ينبئ بربع أخير للسنة الحالية أكثر صعوبة اقتصادياً على القارة (رويترز)

مرت سنة صعبة على الاقتصاد الأفريقي الذي كان من المتوقع أن تتمكن فيه بلدان جنوب الصحراء من الخروج من الركود الناجم عن وباء كورونا، وأن تحقق انتعاشاً يبلغ 3.3 في المئة عام 2021 وفق التقديرات. لكن لا يزال النشاط الاقتصادي هشاً، بسبب انخفاض معدل التطعيم في القارة، والضرر الاقتصادي الناجم عن الجائحة، وعدم القدرة عن تجاوزه في غياب التمويل اللازم. حيث عجزت أغلب بلدان القارة السمراء إن لم يكن جميعها عن استعادة النسق العادي لاقتصادياتها. ورافقها الركود الذي كرسته المديونية وتفاقم النفقات الناتجة عن زيادة الاستحقاقات الصحية. ووصف النشاط في أفريقيا بالأكثر بطئاً بين اقتصاديات المناطق الأخرى في العالم سنة 2021. وإن بدا الأداء متفاوتاً بين البلدان النفطية والمصدرة للثروات الباطنية والأخرى المصدرة للخدمات بأنواعها، فقد أجمع المحللون الذين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن سنة 2021 كانت مضنية مليئة بالتعقيدات الاقتصادية بالقارة التي رزحت طوال السنة تحت مخلفات الوباء وعجزت عن استعادة نشاطها، بل زادت فيها مستويات الفقر والمديونية. وعبرت الصناديق المانحة عن ارتفاع حاجيات التمويل لأغلب بلدان القارة لتتمكن من بلوغ النمو المأمول في السنتين المقبلتين.

إصلاحات

وظهرت بوادر الانتعاش في أكتوبر (تشرين الأول) في بلدان جنوب الصحراء بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام مثل البترول والصادرات الزراعية وتخفيف الإجراءات المتخذة لمكافحة الوباء واستئناف التجارة الدولية. ومع ذلك ظلت هذه البلدان متخلفة عن نسق الانتعاش مقارنة بالاقتصاديات المتقدمة. وبلغ معدل عجز الموازنة الإقليمية 5.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021.

وعانت البلدان الأفريقية من محدودية الميزانية لديها، التي ظلت محدودة وغير كافية لتمويل الاستثمار. مما منعها من ضخ الموارد اللازمة لإطلاق سياسة انتعاش قوية في مواجهة مخلفات الجائحة إضافة إلى الضغوط المالية المتزايدة ومستوى ديونها وخدمات الدين. كما زاد من هذه الصعوبات في غضون هذه السنة الآثار المتزايدة لتغير المناخ على بلدان جنوب الصحراء وشمال أفريقيا أيضاً، والتي اتسمت بضعف التنمية، واضطراب الإنتاج في علاقة بالزراعة بسبب المعطيات المناخية الموجودة مسبقاً في بلدان جنوب الصحراء. فضلاً عن الاعتماد الكبير على القطاعات الحساسة وأهمها السياحة مثل الحال في المغرب وتونس ومصر والسنغال. 

في المقابل شهدت المنطقة إصلاحات هيكلية اقتصادية كلية، تمكنت البلدان الأفريقية من تنفيذها خلال الأزمة. حيث شرعت عدة دول في إصلاحات هيكلية صعبة ولكنها ضرورية، مثل توحيد أسعار الصرف في السودان، وإصلاح دعم المحروقات في نيجيريا، وفتح قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية في إثيوبيا للمنافسة.

تفاوت

وذكر المحلل ووزير الاقتصاد السابق في موريتانيا، محمد ولد العابد، أن الاقتصاديات الأفريقية تأثرت بانعكاسات جائحة "كوفيد-19" التي أدت إلى تراجع ملحوظ في المداخيل الضريبية نتيجة لتوقف العديد من الأنشطة. كما بدت تكاليف الإجراءات التي اتخذت للحد من انتشار الوباء وتلك الرامية إلى تعزيز قدرات القطاع الصحي باهظة للغاية، ورغم مساهمة المانحين في تغطيتها زادت معاناة الاقتصاديات الأفريقية. إذ ترتب عليها تأجيل أو إلغاء استثمارات كانت سترفع نسب النمو وتخلق فرص العمل والدخل للمواطنين وخصوصاً الشباب الذين يمثلون قرابة الثلثين من سكان جل الدول الأفريقية.

كما مثلت المديونية عائقاً في طريق استرجاع نسق النمو، رغم توقف تسديدها خلال فترة "كوفيد-19" وحالت دون إمكانية تعبئة الموارد والاقتراض لتمويل الاستثمارات الكبرى.

وفي نفس السياق، واجهت البلدان النفقات الطارئة، سواء كانت لتعزيز قدرات القطاع الصحي قصد التصدي للجائحة أو كانت متعلقة بالإجراءات المتخذة للحيلولة دون انتشارها. وترتب عنها تأجيل أو إلغاء استثمارات في البنى التحتية أو القطاعات الخدمية التي كان من المفترض أن تسرع من وتيرة النمو على المدى القصير والمتوسط والطويل.

 كما أدت التهديدات الأمنية في عدة بلدان، خصوصاً في غرب ووسط أفريقيا، إلى زيادة بالغة في النفقات العسكرية. مما أدى إلى الحد من الموارد الموجهة إلى البرامج التنموية.

وبلغت المديونية العمومية للقارة الأفريقية أعلى مستوى لها سنة 2021 إذ وصلت إلى 65 في المئة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 60 في المئة سنة 2020. وكانت المديونية قد ارتفعت سنة 2020 بدورها بزيادة 6 نقاط في سنة واحدة. وتفاقم خطر الدين نتيجة الصدمة التي مثلتها جائحة كورونا في إثيوبيا وكينيا وأوغندا والتشاد وزامبيا وتونس.

في حين بدت البلدان الأكثر تأثراً بالأزمة في السنة الحالية هي تلك التي تعتمد أكثر على تصدير المحروقات مثل: نيجيريا، الجزائر، ليبيا، الغابون، أنغولا، أو المعادن مثل جنوب أفريقيا أو على السياحة مثل المغرب وتونس.

وأبدت اقتصاديات كل من: رواندا، وجزر الموريس، وبوستوانا، والمغرب، وكوت ديفوار والسيشل استعداداً أفضل لاستعادة نشاطها سنة 2021.

وأضاف محمد ولد العابد أن البلدان ذات الاقتصاد المرتكز أساساً على الثروات الاستخراجية وهي النفط والمعادن ستحتاج إلى وقت أطول للتعافي، مثل الحال لدى أكبر اقتصادين في القارة، وهما نيجيريا وجنوب أفريقيا، رغم ارتفاع أسعار النفط والمعادن هذه السنة مقارنة مع 2020. وعلى المدى المتوسط، ستكون البلدان غير المعتمدة أساساً على الموارد الاستخراجية أفضل حال اقتصادياً. 

نمو سالب

ووصف المحلل السوداني، محمد الناير محمد النور، سنة 2021 في أفريقيا بالسلبية حيث كانت معدلات النمو سالبة بكل البلدان. وبعد أن بلغت 2 سلبي ببلدان جنوب الصحراء سنة 2020، و3 سلبي بشرق وجنوب أفريقيا، و1.1 سلبي بوسط وغرب أفريقيا، كان انتظار تحقيق نسب إيجابية سنة 2021 وكانت التقديرات 2 و3 في المئة ببلدان جنوب الصحراء و3 في المئة بشمال وشرق وجنوب القارة، لكن لم يتحقق ذلك وتسير السنة نحو الانتهاء بنسب ضعيفة للغاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعود ذلك إلى عدم تمكن القارة من النفاذ إلى التطعيم ضد فيروس كورونا بالكميات والنسب المطلوبة، بسبب عدم القدرة على توفير التمويل نظراً لارتفاع كلفة اللقاحات. ولم تلتزم البلدان المتقدمة بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه البلدان الأفريقية في هذا الصدد ولم تمدها باللقاحات، إضافة إلى عوامل مختلفة أهمها ضعف الخدمات والنتيجة غياب التعافي.

كما تدهورت قطاعات اقتصادية استراتيجية مثل "الطيران، والسياحة، والصحة، والتعليم". وعجزت أغلب البلدان الأفريقية عن مواصلة النشاط عن بعد بسبب ضعف التطور التكنولوجي.

وانعكس الهبوط في أسعار البترول سنة 2020 على حصيلة سنة 2021 بفعل التأثير المتواصل لتداعيات الخسائر. وأثر ذلك على البلدان الأفريقية المنتجة للبترول مثل "نيجيريا، والجزائر، وليبيا، والكاميرون، وغينيا". وانتفعت البلدان غير المنتجة بتراجع السعر، لكن نسبياً نظراً لمحدودية قدراتها التخزينية.

كما تكبدت الاقتصاديات المعتمدة على السياحة مثل "جنوب أفريقيا، والمغرب، وتونس، ومصر" خسائر جمة بتوقف النشاط بسبب الغلق، وبالتالي تأثرت مداخيلها من النقد الأجنبي ومدخراتها من العملات.

وبالتالي نشأت في غضون سنة 2021، وبفعل امتداد الأزمة الصحية تعقيدات اقتصادية وركود ومعدلات بطالة ضخمة بلغت في جنوب أفريقيا 32 في المئة، وفي شمال القارة 18 في المئة، ونسب فقر مرتفعة، حيث قدر عدد الأشخاص الذين مسهم الفقر المدقع بـ43 مليون شخص إضافي.

وبالتالي يصعب تحقيق نسبة النمو المقدرة من قبل البنك الدولي وهي 4 في المئة. وينتظر أن تنهي أفريقيا سنة 2021 بنسبة نمو تتراوح بين 1 و2 في المئة. وقد أعلن البنك الدولي عن حاجة أفريقيا لمبلغ قدره 1.2 تريليون دولار على مدى الثلاث سنوات المقبلة للتعافي، وطالب بمساعدتها. وهو مبلغ ضخم بالنظر إلى عدم الالتزام الذي أظهره المجتمع الدولي تجاه أفريقيا سنة 2021، إضافة إلى ظهور المتحورة الجديدة "أوميكرون" في جنوب أفريقيا وانطلاق إجراءات إيقاف الرحلات إليها مما ينبئ بربع أخير للسنة الحالية أكثر صعوبة اقتصادياً على القارة.

أما البلدان المعتمدة على السياحة، فقد يأخذ تعافيها فترة أطول إذا عاد فيروس كورونا المتحور إلى الانتشار، وأغلقت الحدود من جديد وتوقفت الرحلات الجوية.

ويمثل مناخ الاستثمار الشرط الأساسي لتعافي الاقتصاد في أفريقيا. وهو يتأثر بالحوكمة الرشيدة التي تتفاوت جودتها في أفريقيا. ومن الجلي أن الدول التي تستقطب الاستثمارات حالياً هي التي انخفضت فيها نسب تفشي الرشوة ولديها أنظمة قضائية يطمئن لها المستثمرون الأجانب والمحليون.

وفي أفق سنة 2022 يتحتم على البلدان الأفريقية جلب الاستثمارات الأجنبية، والعمل على تخفيف المديونية وتسريع وتيرة الاندماج الاقتصادي والتبادلات في نطاق السوق الأفريقية المشتركة (ZLECA).

وأشار البنك الدولي إلى انتعاش اقتصادي غير متجانس في القارة الأفريقية سنة 2021. حيث بدا التطور متفاوتاً وفق توزيع البلدان بالمنطقة. وتوقع تواصل التفاوت مع اقتصاداتها الرئيسة الثلاثة، أنغولا 0.4 في المئة ونيجيريا 2.4 في المئة و4.6 في المئة في جنوب أفريقيا. كما توقع انتعاش بقية أفريقيا جنوب الصحراء بمعدل نمو يبلغ 3.6 في المئة. بينما ينتظر تطور الاقتصادات التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية الوفيرة، مثل ساحل العاج بنمو قدره 6.2 في المئة و5 في المئة لكينيا.

ومن المنتظر أن يكون النمو حوالى 4 في المئة في عامي 2022 و2023 وفق ألبرت زوفاك، كبير الاقتصاديين لمنطقة أفريقيا بالبنك الدولي: "إن الوصول السهل والعادل إلى لقاحات كوفيد-19 الآمنة والفعالة أمر ضروري لإنقاذ الأرواح وتعزيز الانتعاش الاقتصادي في أفريقيا. من شأن النشر الأسرع للقاحات أن يسرع النمو الإقليمي إلى 5.1 في المئة في عام 2022 و5.4 في المئة في عام 2023، مع تدابير احتواء أقل تعزز الاستهلاك والاستثمار".

إضافة إلى ذلك، وبفضل السياسات النقدية والمتعلقة بالميزانية الحكيمة، من المتوقع أن ينخفض عجز الموازنة الإقليمية، والذي يبلغ 5.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، ليصل إلى 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 و3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023. ومع ذلك، فإن صرامة الميزانية، المرتبطة بمساحة محدودة للمناورة، منعت البلدان الأفريقية من ضخ الموارد اللازمة لإطلاق سياسة انتعاش قوية في مواجهة الوباء.

يوصي مؤلفو Africa Pulse البلدان باغتنام هذه الفرصة لبدء تحولاتها إلى نماذج اقتصادية أنظف، تماماً كما انتهزت الفرصة التي أتاحها الوباء لبدء الإصلاحات. سيوفر لهم هذا التحول فوائد طويلة الأجل، ويقلل من المخاطر الطبيعية ويخلق فرصاً للتنمية الاقتصادية.

يسلط التقرير الضوء على التحديات الخاصة بالسياق الأفريقي، والتي تتميز بضعف التنمية الأساسية، ونقاط الضعف المناخية الموجودة مسبقاً، ومحدودية الوصول إلى الطاقة، فضلاً عن الاعتماد الكبير على القطاعات الحساسة للمناخ. 

ومع ذلك، يمكن أن توفر هذه التحديات أيضاً فرصاً لتحويل الاقتصاد الإقليمي وخلق فرص العمل. وهكذا تقدم الشركات الخاصة والحكومات الأفريقية تدريباً مهنياً في قطاع الطاقة الشمسية (في توغو وجنوب أفريقيا). ويمكن أن يساعد الاستثمار في البنية التحتية الذكية مناخياً المدن على خلق فرص عمل. يمثل الحد من الانبعاثات فرصة تطوير لأنشطة التصنيع في المنطقة، لا سيما في إنتاج المكونات اللازمة لإنترنت الأشياء، وإضافة قيمة للمعادن التي تغذي الاقتصاد الأخضر، والاندماج في سلاسل القيمة الإقليمية.