Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المطالبة بقانون لحماية المبلغين "يهز" صدقية مكافحة الفساد في الجزائر

عدم إصدار نصوص بهذا الخصوص عائد من الناحية الإجرائية للحاجة إلى تعديل جملة قوانين

يحوز مطلب حماية المبلغين عن الفساد على شبه إجماع في المستويَين المحلي والدولي (أ ف ب)

عاد ملف مكافحة الفساد في الجزائر ليطفو على السطح من جديد، بعد أن طالب رئيس هيئة مكافحة الفساد، طارق كور، بإيجاد قانون لحماية المبلغين عن قضايا الفساد بغية حمايتهم من العقوبات أو الاستفزازات، ما يكشف عن "خلل" يعرقل استمرار الحملة.

شبه إجماع

ويبدو أن إثارة موضوع حماية المبلغين عن الفساد في هذا التوقيت إنما "يهز" صدقية الإصلاحات السياسية التي شكلت "خريطة طريق" لتجسيد التغيير الذي نادى به الحراك الشعبي، لا سيما في شقه المتعلق بمواصلة المتابعات القضائية ضد رموز الفساد. ومن ضمن أهم الإضافات التي جاء بها الدستور الجديد تعزيز دور مؤسسات الرقابة التي كانت سابقاً مهمشة، ولا تتعدى تقاريرها دائرة الملاحظات والتوصيات غير الملزمة للجهاز التنفيذي.
وأبرز رئيس هيئة مكافحة الفساد، طارق كور، أن "حماية المبلغين عن الفساد هو مطلب يحوز على شبه إجماع على المستويَين المحلي والدولي، ولذلك تطلب الهيئة من السلطات العليا إيجاد قانون لحماية هذه الفئة"، مشدداً على أنه "من بين مهمات السلطة العليا، العمل على حماية المبلغين". وقال إنه "يمكن للسلطات أن تتخذ تدابير وآليات لحماية المبلغ في محيط عمله، بإصدار أوامر لتأجيل كل العقوبات التأديبية للشخص المبلغ عن الفساد إلى حين انتهاء التحقيق"، موضحاً أنه "من الضروري حماية المبلغ في محيطه كي لا يكون هدفاً لاستفزازات وانتقادات أو عقوبات".

آلية قانونية

في السياق، رأى الأستاذ الباحث بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة مستغانم، غرب الجزائر، دحو بن مصطفى، أنه "تجسيداً للمادتين 204 و205 من الدستور الجديد والمتعلقتَين بمحاربة الفساد والوقاية منه، فإن حماية المبلغين تُعتبر آلية قانونية. أما عن عدم إصدار قانون بهذا الخصوص لحد الساعة، فالأمر من الناحية الإجرائية يتطلب تعديل جملة قوانين، منها قانون محاربة الفساد 01/06 الذي لم يعد صالحاً، بالإضافة إلى إتمام القوانين المتعلقة بهيئة محاربة الفساد، وتعديل القوانين ذات الصلة بالقانون الإداري". وقال إن العملية يجب أن تكون في نسق متكامل وفق مقاربة تشاركية.
وتابع بن مصطفى، "في ما يتعلق بتأخر القيام بالتعديلات، فإن الأمر يخضع لتقدير سياسي وأولويات مرتبطة بالملفات المطروحة على البرلمان، وفي تقديري لن يتأخر إقرار القانون، لكنه يتطلب دراسة دقيقة حتى لا يتحول إلى أداة للمساومة أو الضغط على المسؤولين أو اتهامهم بالشبهات"، موضحاً أن "البرلمان السابق لم يكن مؤهلاً أخلاقياً لإصدار قانون مماثل". وختم أنه "من دون حماية المبلغين وهو الإجراء المعمول به دولياً، لا يمكن محاربة الفساد فعلياً، وعليه هذا المطلب شرعي أخلاقياً ودستورياً".

عدم جدية المساعي

من جانبه، عبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد القادر عبد العالي، عن اعتقاده بأن "هذا المطلب يُعد من الأمور الضرورية لمحاربة الفساد، وهو أحد المعايير الدولية التي تتطلبها العملية، ومن دونه تصبح الخطوة مجرد حبر على ورق". وقال إنه "لا يمكن اكتشاف الفساد الذي يتحايل على المنظومة القانونية وعلى الإجراءات من دون مبلغين يعرفون خباياه ويفضحونها"، مشيراً إلى أن "هذا الإجراء غائب في منظومة القوانين الجزائرية، وهو السبب الذي جعل آليات محاربة الفساد غير فعالة في قسم كبير من حالات التبليغ، بل على العكس فالكثير من المبلغين تعرضوا لإجراءات انتقامية وعقابية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع عبد العالي قائلاً "إن غياب ضمانات تحمي المبلغين، يُعد كحماية قانونية لبعض مظاهر الفساد التي كان يتم التستر عليها، ومواجهة من يتصدون لها ويبلغون عنها، وهناك بعض الصحافيين الذين تعرضوا للحبس والاعتقال لأنهم قاموا بوظيفتهم الاستقصائية في حالات فساد"، مشدداً على أن "تأخر الاستجابة للمطلب يعود إلى عدم جدية المساعي التي تهدف إلى محاربة الفساد الذي هو أيضاً يحتاج إلى هيئات ومؤسسات مستقلة ومنتخبة، على غرار منصب مراقب الدولة في بعض الدول الديمقراطية. كما أن الحكومات السابقة لم يكن من أولوياتها، محاربة الفساد عبر مقاربة التبليغ، الأمر الذي اعتُبر عند بعض المسؤولين ذريعة للتشويش على عمل كبار المسؤولين".

مسار استرجاع الثقة الشعبية

وحظي موضوع مكافحة الفساد لدى القيادة السياسية الجديدة، بأولوية، بخاصة في مسار استرجاع الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة، بدليل استمرار محاكمات كبار المسؤولين في الدولة ووزراء وشخصيات ورجال أعمال، تورطوا في جرائم اقتصادية، إذ أحصى رئيس هيئة مكافحة الفساد، طارق كور، تلقي خلية معالجة الإخطارات، أكثر من 1700 إخطار وعريضة تخص مكافحة آفة الفساد منذ عام 2019، فيما لم يكن عددها يتجاوز 1300 إخطار بين عامَي 2011 و2018، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن جسر الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة بدأ يترمم شيئاً فشيئاً.

عدم الاعتداد بالرسائل المجهولة

وأصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعليمات إلى أعضاء الحكومة ومسؤولي الأجهزة الأمنية، حول عدم الاعتداد بالرسائل المجهولة في المتابعات القضائية والأمنية. وكانت دوافع القرار بحسب بيان الرئاسة، هي وصول تقارير إلى رئاسة الجمهورية أظهرت أن عدداً من كوادر الدولة والمسؤولين على مختلف المستويات لوحِقوا قضائياً بناءً على مجرد رسائل مجهولة، غالباً ما كانت عارية عن الصحة.
وأبرز بيان الرئاسة، أن "الرسائل المجهولة تسببت في حرمان عدد من الكوادر من حريتهم، وخلفت حالة من الشلل في نشاطات الإدارات والمؤسسات العمومية، جراء الخوف والخشية من الوقوع تحت طائلة المتابعة، بناءً على مجرد رسائل مجهولة، حتى إن العديد من المسؤولين أصبحوا يقتصرون على الحد الأدنى من التزاماتهم ويمتنعون عن أي مبادرة، ما أدى إلى تأجيل معالجة ملفات مهمة، تكتسي أحياناً طابع العجلة، إلى تواريخ لاحقة، متسببةً بإلحاق أضرار بالغة بسير هذه المؤسسات".
وشدد البيان على ضرورة التمييز بين أخطاء التسيير الناجمة عن سوء التقدير، والتصرفات المتعمدة التي لا تخدم سوى القائمين بها أو أطراف أخرى تحركها نيات سيئة. وأضاف البيان أن الإدارة القضائية تمتلك كل الوسائل للقيام بذلك، وإجراء التحريات اللازمة في هذا الشأن.

المزيد من العالم العربي