Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة الاهتمام بالمجتمع المدني في الجزائر... هل أفلست الأحزاب؟

فقدت معظم التشكيلات السياسية صدقيتها بعد ارتفاع مستوى الوعي الشعبي منذ انطلاق الحراك

لعل الغياب اللافت للأحزاب عن المشهد العام في الجزائر فتح المجال أمام المجتمع المدني لملء الفراغ (أ ف ب)

عاد الحديث مجدداً في الجزائر ليدور حول المجتمع المدني ودوره في مختلف المجالات، ما يكشف عن خلل في مسار الأحزاب، التي تؤشر نتائج المشاركة الشعبية في الاستحقاقات الرسمية والوطنية إلى أنها باتت في تراجع ميداني وإفلاس سياسي.

ملء الفراغ

وبعد شبه غياب للاهتمام الكبير الذي أولاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للمجتمع المدني منذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، وما تبع ذلك من تصريحات ونداءات وجهتها السلطة مطالبةً الجهة ذاتها بزيادة النشاط، وتتويج هذا المسعى بمنصب جديد هو "مستشار رئيس الجمهورية المكلَّف شؤون الجمعيات"، حرّك وزير الداخلية الجزائري، كمال بلجود، "المياه الراكدة"، وشدد خلال جلسة علنية للبرلمان خُصصت للرد على الأسئلة الشفهية، على أن "نجاح أي سياسة وتجسيدها في الميدان يظل مرهوناً بالمساهمة الفعّالة والبنّاءة للمواطنين"، داعياً المجتمع المدني إلى لعب دوره في هذا المجال.
ولعل الغياب اللافت للأحزاب عن المشهد العام في الجزائر فتح المجال أمام المجتمع المدني لملء الفراغ، وذلك في وقت تتسارع التطورات الداخلية والإقليمية وحتى الدولية، بما يستدعي حضوراً سياسياً مكثفاً.

ظاهرها تجديد وفي باطنها استمرار

وصرح الناشط السياسي الجزائري، سعيد مرسي، أن "كل الأحزاب هي من خريطة النظام وروافده، والمستثناة منها ذات الجذور المعارِضة، مبعَدة ومحاصَرة"، مشيراً إلى أن "النظام حكم منذ الاستقلال باسم الشرعية الثورية والحزب الواحد ثم انتقل إلى التعددية الهجينة التي ظاهرها ليس كباطنها، وقد أصابته شيخوخة نوعاً ما ولم تعد لا الأحزاب ولا الطبقة السياسية قادرة على استيعاب الشعب بالشعبوية، ما جعلها مفلسة بموالاتها للسلطة، بالتالي يسعى النظام جاهداً إلى تعزيز استمراره وتجديد نفسه باستحداث ما سماه بالمجتمع المدني الذي هو نفسه رِداء السلطة المفصّل على مقاسها، ما يوهم الشعب بالتجديد ولكنه وسيلة من أجل البقاء". وأضاف مرسي أن "السلطة لجأت إلى المجتمع المدني لتمرير أجندتها وتجاوز الأحزاب التي أفلست مجتمعياً وشعبياً، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة الوعي لدى الشعب بعد الحراك الذي أرى أنه سيتطور مستقبلاً نحو مشروع تغيير شامل بعد استكمال النضج الكافي للنخب الشعبية". وختم بالقول "نرى أن دعوة وزير الداخلية في ظاهرها تجديد وفي باطنها استمرار للسلطة، بخاصة أمام عزوف شعبي كبير ونفور من الحزبية".

تركيز رئاسي

ومنذ اعتلائه سدة الحكم وحتى خلال حملته الانتخابية الرئاسية، ركّز تبون على أهمية المجتمع المدني، ملحاً على ضرورة أن يستعيد المجتمع المدني تحكّمه في زمام الأمور بهدف إضفاء حركية على المجتمع. ودعا مختلف شرائح المجتمع المدني إلى "الانتظام ضمن إطار جمعيات تنشط في مختلف الميادين، بغرض تشييد مجتمع حر وناشط كفيل بتحمل مسؤولياته على غرار السلطة المضادة في خدمة المواطن والأمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجاء استحداث منصب "مستشار رئيس الجمهورية المكلَّف شؤون الجمعيات"، ليؤكد الأهمية التي منحها تبون للمجتمع المدني، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلى إعطاء تسهيلات لإنشاء الجمعيات، وتخفيف الإجراءات، مثل تقليص المدة المخصصة لدراسة ملفات إنشاء جمعية إلى 10 أيام، ما سمح باعتماد أكثر من 2600 جمعية خلال شهر واحد.

"نداء الوطن"

وبهدف إعطاء دفعة قوية للمجتمع المدني، أشرفت الرئاسة الجزائرية في بداية العام الحالي، على إنشاء تكتل مدني بعنوان "نداء الوطن"، يضم أكثر من 100 جمعية ونقابة. وقال مستشار رئيس الجمهورية المكلّف شؤون الجمعيات، نزيه بن رمضان، إن "مبادرة التكتل ليست لجنة مساندة ولا تشبه المبادرات السابقة، بل يقودها أشخاص لهم مصداقية لبوا النداء لتقديم ما يخدم الوطن"، مشدداً على أن "المجتمع المدني ليس منافساً لمؤسسات الدولة بل يجب أن يكون مكمّلاً لها في العمل لمصلحة البلاد".
كما أوضح بن رمضان أن "دور المجتمع المدني يتمثل في مرافقة عمل السلطات من خلال تقديم الاستشارة والمشاركة في تسيير الشأن العام، لا سيما على المستوى المحلي وهو ما يسمح بالتجسيد الفعلي للديمقراطية التشاركية التي تُعد من ركائز بناء الجزائر الجديدة"، مبرزاً أن "الرئيس تبون يعتبر المجتمع المدني شريكاً وحليفاً ضرورياً لاستقامة الدولة".

البحث عن تمثيل حقيقي للشعب

في السياق، بيّن الإعلامي الجزائري إسلام رخيلة، أن "بناء الجزائر الجديدة يكون بمؤسسات دولة قوية ومجتمع مدني متماسك جداً، فبعدما فقدت السلطة ثقتها في الكثير من الأحزاب المحسوبة على النظام السابق، تتجه حالياً إلى عدم الوقوع في أخطاء الماضي ومحاولة تحييد كل المندسين في الأحزاب التي لا تزال تدين بالولاء للنظام السابق"، موضحاً أن "وزارة الداخلية تستهدف بناء مجتمع مدني جديد بعيد عن كل الأيديولوجيات والتوجهات، ذو طابع وطني خالص، وذلك بعد إفلاس الأحزاب التي فقدت مصداقيتها تماماً وأثبتت فشلها".
وتابع رخيلة أن "الفشل لم يقتصر على الأحزاب الموالية فقط، بل حتى تلك التي تدعي المعارضة"، مضيفاً أن "السلطة لجأت إلى المجتمع المدني بحثاً عن تمثيل حقيقي للشعب، وذلك من خلال جمعيات تملك بعض الصدقية، بعكس الأحزاب التي فقدت الصدقية تماماً لدى السلطة والمجتمع".

المزيد من العالم العربي