Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الماء مقابل الطاقة" أكثر من مجرد اتفاقية بين الأردن وإسرائيل

أحدثت تل أبيب اختراقاً نوعياً لمصلحتها في قطاعات استراتيجية وحيوية داخل عمان

يعد نهر اليرموك أحد المصادر المائية للأردن (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)

منذ عام 1994، وهو تاريخ توقيع اتفاقية "وادي عربة" للسلام بين الأردن وإسرائيل، تحاول تل أبيب إحداث اختراق نوعي في مستوى التطبيع مع عمان، بحيث يصبح أمراً واقعاً لا فرار منه، ويتجاوز العلاقات التقليدية إلى ملفات سيادية واستراتيجية.

وبينما اتسم رد الفعل الشعبي طوال 27 عاماً مضت بالتصلب ورفض العلاقات أو التعايش معها، حاولت الحكومة الأردنية التماهي مع بعض النشاطات التطبيعية الخجولة التي غلبت عليها دوماً المصالح الإسرائيلية.

لكن كل التحركات الشعبية والبرلمانية لم تنجح حتى اليوم في إلغاء اتفاقية "وادي عربة"، أو إجبار الحكومة على التنصل منها، وظلت أكثر من 70 مذكرة نيابية تطالب بطرد السفير الإسرائيلي حبيسة الأدراج، في مقابل إصرار حكومي على اعتبار السلام مع إسرائيل، مصلحة أردنية خالصة، إذ يحاجج كثير من الساسة الأردنيين بأن عمان استفادت من اتفاقية السلام أكثر من تل أبيب، وكانت بمثابة رئة ومتنفس للفلسطينيين.

ويمثل قرار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بإنهاء العمل بالملحقين الخاصين بتأجير أراضي الباقورة والغُمر لإسرائيل، الذي جرى التوقيع عليهما ضمن ملاحق اتفاقية وادي عربة لمدة 25 عاماً، واحداً من أبرز الفوائد القليلة التي عادت على الأردن من معاهدة السلام، بحسب المتحمسين لها.

ارتهان أم مصالح مشتركة؟

خلافاً لسياسة المصالح التي تتحدث عنها الحكومة الأردنية، يرى المناهضون للسلام مع إسرائيل، ما يحدث اليوم من تسارع في التقارب بين تل أبيب وعمان، وما تلاه من اتفاقيات تطال أهم القطاعات الحيوية والاستراتيجية في البلد كالمياه والكهرباء والغاز والطاقة، ارتهاناً وتبعية جديدة لإسرائيل وتفريطاً بالسيادة وتعطيلاً للتنمية.

ويعتقد مراقبون أن ثمة انتقالاً وبخطى ثابتة في الأردن من التطبيع السياسي -الدبلوماسي - الحكومي، إلى القسري والارتباط العضوي بإسرائيل، تحت ذريعة المصالح ونظرية الواقعية السياسية. وتكمن الخطورة، بحسب هؤلاء، في تحويل الأردنيين إلى ممولين لإسرائيل، وتوسعها الاستيطاني، عبر هذه الاتفاقيات والمشاريع.

وتشير تقديرات ودراسات إلى أن 56 في المئة من قيمة الصفقات التي وقعها الأردن مع إسرائيل لاستيراد الغاز أو الماء ستذهب إلى خزانة الدولة على شكل ضرائب ورسوم.

اتفاقات مشتركة منذ 2014

ويرصد متخصصون أولى محاولات ربط الأردن بإسرائيل عبر اتفاقيات استراتيجية عام 2014، عندما وقّعت شركة البوتاس وعلى مرحلتين، أول اتفاق لاستيراد الغاز الإسرائيلي، بقيمة 700 مليون دولار، ومن ثم وقّعت شركة الكهرباء الوطنية رسالة نوايا لاستيراد الغاز الإسرائيلي لأغراض توليد الكهرباء، وتبع ذلك اتفاق رسمي ملزم في 2016، وبصفقة بلغت قيمتها 10 مليارات دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مطلع عام 2020، بدأ عملياً ضخ الغاز الإسرائيلي في الأراضي الأردنية، بعد استكمال أعمال إنشاء خط الأنابيب الناقل، لتدشن بعدها مرحلة جديدة من التطبيع الرسمي بين الأردن وإسرائيل بحيث أصبحت نسبة 40 في المئة من كهرباء الأردن تولّد من الغاز المستورد من إسرائيل، الأمر الذي يضع قطاع الطاقة في المملكة تحت تحكم الإسرائيليين.

وفي جانب متصل، ينبه مراقبون إلى إغفال جانب مهم يتناقض مع مواقفها السياسية المعلنة حيال الصراع العربي الإسرائيلي، وهو حقيقة وخلفية الشركات الإسرائيلية التي تقف وراء هذه الاتفاقيات، وتتهم بخرق القانون الدولي وارتكاب جرائم حرب. على سبيل المثال، ورد اسم مجموعة "ديليك" أكبر شركاء حقل ليفاياثان الذي يستورد منه الأردن الغاز، على قائمة الأمم المتحدة للشركات الـ 112 التي تنتهك القانون الدولي، وترتكب جرائم الحرب من خلال دعمها المباشر للمستوطنات والاستيطان في فلسطين.

أمن الأردن المائي

ويُخشى من أن تشكل الاتفاقية الأخيرة التي وقّعها الأردن مع إسرائيل تحت عنوان "الكهرباء مقابل الماء"، أن تضع أمن الأردن المائي المستقبلي تحت رحمة إسرائيل، استكمالاً لما ورد في اتفاقية وادي عربة، من تفريط بمصادر المملكة المائية الطبيعية وحصصها منها.

ويأخذ هؤلاء على أصحاب القرار في المملكة، عدم سعيهم لاستثمار جزء يسير من المليارات التي ستذهب إلى الجانب الإسرائيلي في تطوير مصادر الطاقة السيادية في الأردن، وعلى رأسها الطاقة الشمسية، أو مشاريع تحلية مياه البحر الأحمر لسد العجز المائي.

وترد عمان على الاتهامات بالإشارة إلى مبدأ المقايضة، الذي يقوم عليه اتفاق الماء مقابل الطاقة مع إسرائيل، ويروج مقربون منها لنظرية أن اللجوء إلى هذا الخيار "كان حتمياً" أمام عدم وجود خيارات بديلة.

لكن يطرح البعض خطورة ما سمّوه بـ"الارتباط العضوي" بإسرائيل، عبر الإشارة إلى حقيقة شبك خط الغاز الآتي من إسرائيل بخط الغاز العربي الآتي من مصر والذاهب شمالاً إلى سوريا ولبنان.

ويذهب آخرون بعيداً في خشيتهم من أن تؤثر هذه الاتفاقيات في موقف المملكة المتقدم عربياً حيال القضية الفلسطينية، ما يجعل الشارع الأردني مندهشاً من التناقض الكبير بين ما يُطرح وما يجري على أرض الواقع.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل