Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران بعد 10 أعوام: قراءة لمقالتي ظريف في "فورين أفيرز"

نبرة مختلفة أكثر تصالحية وانفتاح على التوصل إلى صفقة مع إدارة ترمب

أراد ظريف أن يوضح حسن نية إيران بعد قدر من التباهي والتفاخر بمكانتها وقدرتها على حل أزمات المنطقة والحوار مع واشنطن (حسابه على إكس)

ملخص

الهدف من مقالة ظريف الأحدث لعام 2024 هو إبراز رؤية إيران لمسار السلام، إذ جاءت في ظرف محلي يعتريه ضعف النظام الإيراني داخلياً إثر أعوام من الاضطرابات الداخلية والتظاهرات التي قُمعت وعرّضت إيران لمزيد من العقوبات، وبالتالي ضعف شرعية النظام.

كتب محمد جواد ظريف عام 2014 مقالة مطولة في مجلة "فورين أفيرز" بعنوان "ماذا تريد إيران؟"، أي بعد عام من فوز حسن روحاني بانتخابات الرئاسة وقبل عام من إتمام الاتفاق النووي عام 2015، بمعنى أنه كتب المقالة في خضم المفاوضات السرية التي كانت تجري بين طهران وواشنطن للوصول إلى اتفاق، وبعد 10 أعوام من المقالة الأولى كتب ظريف في المجلة ذاتها في ديسمبر (كانون الأول) الجاري مقالة قصيرة بعنوان: "كيف ترى إيران الطريق إلى السلام

فوارق تتعدى الزمن

الفارق بين المقالتين ليس 10 أعوام فقط، بل في الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي كتب ظريف المقالتين في سياقها، فبينما يبدو من عنوان المقالة الأولى والتي أفرد فيها ظريف الجزء الأكبر ليتحدث عن مكانة إيران وقيمتها ومبادئ الثورة الإيرانية، وربطها بدور إيراني إقليمي ودولي، وأنه لا بد من الاستفادة من مكانة إيران وقدراتها الفكرية والمعيارية إضافة إلى قدراتها المادية، بحسب مقالة ظريف، إذ قال "باعتبارها قوة إقليمية صلبة في عصر التحول المكثف في السياسة العالمية، فإن إيران تقف في وضع فريد من نوعه، فقد تمتعت منذ العصور القديمة بمكانة بارزة في منطقتها وخارجها"، فضلاً عن أنه استخدم الخطاب الإسرائيلي عام 2011 نفسه حين اعتبرت إسرائيل نفسها "واحة الديمقراطية" ضمن دول عربية بها اضطرابات.

وقال ظريف إن "أي تحليل موضوعي للسمات الفريدة لإيران ضمن السياق الأوسع لمنطقتها المضطربة من شأنه أن يكشف عن الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها لتلعب دوراً إقليمياً وعالمياً بارزاً"، مضيفاً أن "إيران تواجه حتماً جدولاً مليئاً بالمشكلات عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي وعلاقاتها الخارجية، كما تجد نفسها في منطقة تعاني الأزمات بصورة أساس"، كما وتباهى بأن لبلاده تأثيراً في جوارها المباشر وفي الشرق الأوسط.

واعتبر أن إيران تواجه حملة كراهية عالمية مصدرها إسرائيل والولايات المتحدة تشوه صورتها، ثم أكد أهمية مجيء رئيس معتدل وهو حسن روحاني بنسبة مشاركة في الانتخابات بلغت 73 في المئة، ليشير إلى أن الجمهور تجاوز الانقسامات التي حصلت في انتخابات يونيو (حزيران) 2009.
واعتبر ظريف أن روحاني يجمع بين قناعة عميقة بالمبادئ العليا العزيزة للثورة وبين التقييم الموضوعي لقدرات إيران الفعلية وإمكاناتها وقيودها، وأن "إستراتيجية روحاني تهدف إلى حماية وتعزيز الأمن القومي الإيراني وتبديد التهديدات الخارجية أو القضاء عليها، ومكافحة الإسلاموفوبيا والإيرانوفوبيا"، كما أكد أن "سياسة روحاني ستستهدف تفكيك الحملة الدولية المناهضة لإيران، والتي تقودها إسرائيل ورعاتها الأميركيون، والتي تسعى إلى إضفاء طابع أمني على إيران وتصويرها باعتبارها تهديداً للنظام العالمي، والوسيلة الرئيسة لهذه الحملة هي الأزمة في شأن البرنامج النووي السلمي الإيراني"، وذكر أن "إيران لا تريد أن تتخلى عن برنامجها النووي بل تريد أن تتفاوض على أرض الواقع وتتوصل إلى اتفاق يضمن منع الانتشار النووي ويحافظ على الإنجازات العلمية الإيرانية، ويحترم حقوقها الوطنية غير القابلة للتصرف بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، وينهي العقوبات غير العادلة التي فرضتها القوى الخارجية".

إظهار حسن نية

أراد ظريف أن يوضح حسن نية إيران بعد قدر من التباهي والتفاخر بمكانتها وقدرتها على حل أزمات المنطقة والحوار مع واشنطن، مؤكداً أنه يطلب الإرادة السياسية وحسن النية كي يتمكن المفاوضون من "التوصل إلى نعم"، وتحقيق الهدف الذي حددته "خطة العمل المشتركة" التي تم تبنيها في جنيف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، وتنص على أن "الهدف من هذه المفاوضات هو التوصل إلى حل شامل طويل الأجل متفق عليه من قبل الطرفين، من شأنه ضمان أن يكون البرنامج النووي الإيراني سلمياً حصرياً.

كان ظريف يباهي أيضاً بوصول رئيس معتدل بنسبة مشاركة وتصويت كبيرة من المواطنين، وكانت مقالته تستهدف تشجيع الغرب على إتمام مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015 بين طهران وإدارة باراك أوباما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الوضع المختلف

واليوم وفي المقالة الثانية لم يكن لدى ظريف أية إشارة نحو الوضع الداخلي الإيراني، فلم يتحدث عن نسبة المشاركة الضئيلة في التصويت خلال الانتخابات التي جاءت برئيس إصلاحي هو مسعود بزشكيان، وكان الهدف من مقالته الأحدث لعام 2024 هو إبراز رؤية إيران لمسار السلام، فقد جاءت في ظرف محلي يعتريه ضعف النظام الإيراني داخلياً إثر أعوام من الاضطرابات الداخلية والتظاهرات التي قُمعت وعرّضت إيران لمزيد من العقوبات، وبالتالي ضعف شرعية النظام. كما جاءت المقالة لتبرز رؤية إيران للسلام في وقت اختل توزان القوى بينها وبين إسرائيل وسقطت معادلة الردع بينهم، وأعلنت تل أبيب أن هدفها لتقويض طهران ونفوذها عبر القضاء على قدرات "محور المقاومة" في كل من غزة ولبنان والعراق وسوريا.

وتتزامن تلك التطورات الإقليمية مع مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإدارة من الصقور حينما يتعلق الموقف بإيران، لذا كان عنوان مقالة ظريف والذي أشار فيه إلى أن إيران مستعدة لقبول أي حل للقضية الفلسطينية يرتضيه الفلسطينيون، على رغم الموقف المتعنت الذي كثيراً ما أعلنته إيران في شأن دولة فلسطينية واحدة.

كما حاول ظريف تأكيد أهمية العلاقات بين إيران وجيرانها من الدول العربية، محاولاً إبراز مساحات مشتركة بينهما تتمثل في رغبة الطرفين إنهاء التوترات الإقليمية الجارية، مشيراً إلى دبلوماسية الجوار.
وحاول ظريف أن يقدم رؤية للأمن الإقليمي تنطلق من محاكاة "عملية هلسنكي" التي أدت إلى تشكيل
"منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، قائلاً إن إيران تستطيع أن تستخدم التفويض الذي لم ينفذ والذي منحها إياه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 1987 بموجب القرار رقم (598) الذي أنهى الحرب بين إيران والعراق، إذ دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى التشاور مع إيران والعراق ودول أخرى في المنطقة لاستكشاف التدابير التي من شأنها أن تعزز الأمن والاستقرار في الخليج.

ويرى ظريف أن حكومة بزشكيان تستخدم هذا البند كأساس قانوني لمحادثات إقليمية شاملة، والأهم في مقالته هو استمرار نهج حكومة بزشكيان في دفع المسار الدبلوماسي مع واشنطن تخوفاً من سياسة الضغط الأقصى التي سيعيدها ترمب، إذ تريد بلاده تفادي التنسيق الإسرائيلي -  الأميركي في ظل وجود نتنياهو - ترمب، فقد أشار ظريف إلى عدم جدوى سياسة العقوبات، وقال إنها أدت إلى تحلل إيران من التزاماتها النووية، وأن الأفضل للغرب إيجاد وسائل أخرى.

وما بين التلويح بأن الضغط لم يجد سابقاً وطلب حلول أخرى، نجد أن ظريف يشير إلى إمكان فتح حوار مع ترمب يفيد كلاً من واشنطن وطهران، بما يرسل لترمب رسائل نحو عقد الصفقات مع إيران على خلفية المصالح المشتركة بينهما، فهناك الساحة السورية والعراق والحوثيون والعلاقة مع الصين، فيقول إنه "بدلاً من زيادة الضغوط على إيران ينبغي للغرب أن يسعى إلى إيجاد حلول إيجابية، وإذا قرر ترمب اتخاذ مثل هذه الخطوات فإن إيران على استعداد لإجراء حوار من شأنه أن يعود بالنفع على طهران وواشنطن".

10 أعوام بين المقالتين، وفى حين كانت المقالة الأولى تبرز الثقة الإيرانية في ظل المفاوضات مع أوباما وتستعرض القدرات الإيرانية وتأثيرها إقليمياً، كانت المقالة الثانية هذا العام أكثر تصالحاً وتشجيعاً للدبلوماسية وإبرازاً للمساحات المشتركة مع الدول العربية، وأكثر بحثاً عن المصالح المشتركة مع ترمب.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء