في خطوة مفاجئة، باشرت الجزائر عملية تأميم ممتلكات المتابَعين قضائياً من رموز النظام السابق، لاسترجاع الأموال المنهوبة. ما ولّد نقاشاً بين تيارين، يدعو الأول إلى بيع الممتلكات، فيما يعتبر الثاني أن التأميم يحافظ على وظائف العمل ويمنح الاقتصاد جرعة أكسجين.
وبينما كان الشارع يترقب انطلاق مصالحة مع رجال الأعمال "الفاسدين" من النظام السابق الموجودين في السجون، وفق ما كشفت عنه الحكومة، صدر قرار رئاسي بتأميم مصنع تابع للإخوة "كونيناف" المقربين من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وهم من رجال المال المتهمين بالنهب والفساد.
ويفتح القرار الباب أمام عمليات مماثلة مرتقبة ستشمل أملاك رجال المال والأعمال من النظام السابق. وشرع المتصرفون الإداريون الذين عينهم القضاء بالإعداد للإعلان عن تأميم ممتلكات عدد من السجناء الذين لديهم صفقات عمومية مع الدولة.
الحكومة أمام خيارين
وفي السياق، يرى أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي، أنه "بعد الحراك الشعبي وجدت الحكومة الجزائرية نفسها أمام إرث ثقيل، منه عدد من المؤسسات التي يملكها سجناء بتهم الفساد، لكن الإشكال الموجود في الجزائر هو أن غالبية القطاع الخاص مؤسسات عائلية، وتسييرها لا يعتمد الطرق الحديثة، ما يعقد الفصل ما بين المالك وطريقة التسيير، فالمسير هو المالك والكل في الكل". ويقول "لقد أعددنا دراسة على مستوى جامعة البليدة عن المؤسسات العائلية الخاصة، وأشارت النتائج إلى أن عدداً كبيراً من المؤسسات العائلية بمجرد أن تفقد مؤسسها ومالكها الأول يضعف بريقها، لذا فإن هذه المؤسسات التي يملكها أشخاص في السجون لو كانت تسيّر بالطرق العصرية لما توقفت عن النشاط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع الحيدوسي، أن "الحكومة وجدت نفسها أمام خيارين، إما تأميم هذه المؤسسات وإما طرحها للبيع في السوق، وكان الخيار الأول". ويعتقد أن "اللجوء إلى هذه الخطوة هو لكون الحكومة جربت الخصخصة في أكثر من 500 مؤسسة عمومية، لكن العملية فشلت لأنها لا تستطيع العثور على مستثمرين محليين أو أجانب". ويضيف أن "الحكومة اليوم أمام ضغط تحريك النشاط الصناعي، فكان من غير الممكن انتظار سنوات لبيع هذه المؤسسات، وعدد كبير من العمال يبقون في الانتظار".
ويربط الحيدوسي نجاح التأميم بـ"استفادة الحكومة من الأخطاء السابقة في تسيير المؤسسات العمومية"، مستدركاً "لكن، إذا استمرت الممارسات نفسها فربما يكون مصير المؤسسات المعنية بالتأميم مثل مصير 80 مؤسسة عمومية تعاني وتحاول الحكومة إنقاذها من جديد". ويشير إلى أنه "ربما يكون الخيار الأفضل هو طرح هذه المؤسسات في بورصة الجزائر، لكن قد يصطدم ذلك بعامل الوقت".
سوابق
وكان المتصرف القضائي الذي يعتبر مسيّراً حكومياً، في مجمع يملكه رجل الأعمال المسجون علي حداد، أعلن في 27 مايو (أيار) الماضي عن تأميم المجمع والشركات التابعة له، طبقاً للقرار الصادر عن غرفة الجنح والمخالفات في المحكمة العليا. وشدد على أن جميع الشركات التابعة للمجمع قد أصبحت ملكاً للخزينة العمومية. وبذلك ترجع القرارات المصيرية التي تخصه إلى الدولة.
وأضاف المتصرف عن اتخاذ قرار بإحالة جميع العمال على العطلة السنوية التي سيتم تقديمها نظراً إلى هذا الظرف الطارئ، مع ضمان الحد الأدنى من الخدمة. ولفت إلى أن القرار يأتي لتسوية المشاكل والملفات العالقة من الأجور المتأخرة والاشتراكات غير المسددة لدى الضرائب والضمان الصحي للعمال، وسداد الديون العالقة لدى مختلف الهيئات، وإنشاء مخطط جديد للعمل.
مصالحة اقتصادية مرتقبة
وكانت الحكومة أعلنت في وقت سابق، أنها ستلجأ إلى مصالحة اقتصادية مع رجال الأعمال المتهمين بقضايا فساد في عهد بوتفليقة، بهدف استرجاع الأموال المنهوبة التي قدرت بأكثر من 200 مليار دولار، حسب جهات غير رسمية. وجاء في مخطط عمل الحكومة أنه "سيتم اعتماد طرق تسوية ودية تضمن استرداد الأملاك المختلسة، ووضع الآليات القانونية المتعلقة بالهيئة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وفي ما يخص حق المواطن في الولوج إلى المعلومات المتعلقة بمكافحة الفساد، ومراجعة الإطار التشريعي المتعلق بتبييض الأموال ومكافحة الإرهاب وتمويله، وحركة رؤوس الأموال من الخارج وإليه وتفضيل التسوية الودية عن الإجراءات الجزائية لتعزيز القدرات المالية للدولة".
أسئلة عالقة
من جانبه، يعتبر الناشط السياسي، مراد بياتور، أن "محاربة الفساد الإداري والسياسي والمالي، الذي تعمم خلال فترة حكم بوتفليقة، بل أصبح خاصية لهذه الفترة من تاريخ الجزائر، غير ممكنة إلا بالمرور عبر العدالة الانتقالية والمحاسبة لاسترجاع الأموال المنهوبة"، مضيفاً "نشهد اليوم عدالة انتقامية لتصفية حسابات سياسية بين الأجنحة المتناحرة من أجل البقاء في السلطة، وهذا ما يدفعنا إلى طرح أسئلة بشأن المبالغ الحقيقية التي تم تحويلها إلى الخارج، وما مصير الاستثمارات التي استعملت واجهة لنهب المال العام، ومدى حقيقة خضوع المسؤولين في عملية نهب المال العام للمحاسبة، وما المبلغ الحقيقي للأموال المنهوبة؟".
ويقول إن "كل هذه الأسئلة تبقى عالقة ومن دون إجابات لأن عملية المحاسبة كانت مجرد تمويه لصرف الأنظار عن المطالب الحقيقية للشعب، الذي يسعى إلى تغيير منظومة الحكم التي لم تعد قادرة على الاستجابة لتطلعات الشعب".