عاد الحديث مجدداً في الجزائر حول الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بعد أن قرر الرئيس عبد المجيد تبون إعادة تقييم الاتفاق بنداً بنداً، وفق نظرة سيادية ومقاربة تقوم على مبدأ "رابح- رابح"، الأمر الذي من شأنه خلق حالة عدم تفاهم بين بروكسل والجزائر.
قرار منتظر اقتصادياً
وسمح انعقاد مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية، بتجديد توجيهاته للحكومة من أجل إعادة تقييم بنود الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الموقع عام 2005، بما يراعي مصلحة المنتج المحلي لخلق نسيج صناعي وفرص عمل.
وفي حين يأتي القرار في سياق مطالب لطالما دعا إليها خبراء الاقتصاد، الذين اعتبروا أن الاتفاق مجحف في حق الطرف الجزائري، وأنه يخدم مصلحة أوروبا التي تنظر إلى الجزائر كسوق لمنتجاتها من دون مقابل في مجال الاستثمارات المباشرة ولا حتى في مجال استيراد المنتجات الجزائرية، لم يكن الأمر عادياً بالنسبة إلى الشارع الذي "صدمته" الخطوة، ليس بسبب أنه كان مفيداً، وإنما لـ"الجرأة" التي أظهرتها الحكومة في التعاطي مع اتفاق كان إلى وقت قريب "ممنوع الاقتراب منه".
خسائر وأرباح
"وثيقة للتنازلات التجارية والاقتصادية من دون مقابل لصالح الأوروبيين طيلة سنوات"، هكذا يصف الجزائريون اتفاق الشراكة مع بروكسل، بعد استفادة المنتجات الأوروبية من إعفاءات جمركية تقارب 30 مليار دولار، ومن "ضخ" منتجات فاقت قيمتها 200 مليار دولار في السوق الجزائرية منذ دخول الاتفاقية حيز التطبيق، في حين واجه المنتج الجزائري عراقيل وحواجز مقصودة تمنع دخوله السوق الأوروبية، عدا المحروقات.
ووفق أرقام الاقتصاديين حول أثر الاتفاق على التجارة الخارجية للبلاد من 2005 إلى 2015، فإن إجمالي الصادرات خارج المحروقات الموجهة للاتحاد لم يتعد 14 مليار دولار، على الرغم من أن المادة الأولى من الاتفاق تنص على "تطوير المبادلات وضمان علاقات اقتصادية واجتماعية متوازنة بين الأطراف وتحديد شروط مناسبة للتحرير التدريجي لتبادل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال".
تغير الأوضاع
وتعليقاً على القرار، قال المحلل الاقتصادي عبد المالك سراي، إن الخطوة كانت منتظرة نظراً للمعطيات الجيوسياسية الجديدة، داخلية كانت أو خارجية، فالجزائر التي وقعت اتفاق الشراكة عام 2002 ليست نفسها في 2021، إضافة إلى أنه مجحف وغير متوازن، وكان وراء خسائر كبيرة تكبدها الاقتصاد الوطني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد على أن ارتفاع أسعار الغاز والبترول وضع الجزائر في الجانب الأقوى مقارنة لما حصل في السابق، ما يعطيها الحق في إعادة النظر في بعض البنود، وفق نظرة سيادية ومقاربة "رابح- رابح"، بهدف استحداث نسيج صناعي وفرص عمل جديدة مع مراعاة مصلحة المنتج الوطني، وهو ما كان مغيباً في السابق، إضافة إلى وجود رؤية جديدة على مستوى الرئاسة والحكومة بعدم السماح ببقاء النقود مجمدة، ما يمنح الجزائر الأفضلية لاسترجاع حقها في جميع الميادين.
واعتبر سراي مراجعة الاتفاق رسالة إلى الاتحاد الأوروبي ليأخذ في الاعتبار الوجود الجزائري في البحر الأبيض المتوسط وفي أفريقيا كقوة إقليمية، مشيراً إلى ضرورة إلغاء انفراد الاتحاد بالخدمات في الاتفاق.
ومن أهم البنود الواجب إعادة النظر فيها، وفق سراي، "ذلك المتعلق بالسيادة، حيث ينص الاتفاق على أنه إذا أرادت الجزائر تغيير بعض بنوده لا بد لها من استشارة الطرف الأوروبي، وهو ما يعتبر مساساً بالسيادة الجزائرية، إضافة إلى المواد التي تعنى بالإعفاءات الجمركية التي حولت الجزائر إلى سوق استهلاكية للمنتج الأوروبي، وكذا ضرورة إشراك خبراء الوزارات المختلفة كالتجارة والصناعة والزراعة والسياحة والثقافة في المفاوضات وضبط النصوص".
خطوات سابقة
وأعلنت الجزائر في أغسطس (آب) 2020، أنها تتجه لـ"إعادة تقييم" اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من سبتمبر (أيلول) من السنة نفسها، حيث طلب تبون من وزير التجارة كمال رزيق، "الشروع في تقييم الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، الجهوية والثنائية، لا سيما اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يكون محل عناية خاصة تسمح بترقية مصالحنا من أجل علاقات متوازنة".
ويرى الدبلوماسي محمد خذير، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن فكرة مراجعة اتفاق الشراكة كانت في برنامج تبون حين توليه وزارة التجارة بالنيابة وهو وزير السكن، خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
وعن رد فعل الاتحاد الأوروبي، يقول إنه يرجع إلى التكتلات التي تصنعها الاتفاقيات الأوروبية في حد ذاتها، مبرزاً أن الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، وعدم التوافق مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، يعيش مشاكل داخلية، وعليه فإن التوقعات تبقى غير واضحة.
ويشدد خذير على أن الأمر ليس "بروباغندا" كما يروج له البعض، بل إنه كان مطروحاً عدة مرات لاعتبارات عديدة من أهمها تجاوز بنود من الاتفاق لا تصب في صالح الجزائر مثل الاستثمارات.
ويختم أن الجزائر لها من الإمكانيات الاقتصادية والتجارية ما يجعلها تواجه ردود فعل الجهة الأوروبية، وما إشارة الرئيس تبون إلى المراجعة "بنداً بنداً" إلا رسائل مشفرة ومقصودة.