Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ألمانيا رائدة في المناخية أم مجرد منافقة إذا نظر إلى سجلها البيئي؟

لاحظت ناشطة ألمانية بارزة وجود فجوة هائلة بين ما تفكر فيه بلادها وما تفعله حقيقة

انبعاثات كثيفة تتصاعد من معمل ألماني لتوليد الكهرباء بالفحم الحجري (أسوشيتدبرس)

ترغب ألمانيا في أن تتخيل نفسها رائدة وزعيمة عالمية في مجال مكافحة التغير المناخي، ونادراً ما تتردد في توجيه الاتهام إلى دول صناعية رائدة أخرى كالصين والولايات المتحدة بأنها متخلفة عن الركب حينما يتعلق الأمر بإجراء تخفيضات ذات مغزى في انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون.

لكن الحقيقة أن الجهود الألمانية المتعلقة بحل أزمة المناخ، فشلت في مواكبة الخطاب المندفع، والأهم من ذلك أن هذه الدولة الأوروبية المتقدمة، هي في الواقع مقصرة ولا ترقى إلى ما يقول العلماء، إنه تحرك ضروري كي نتجنب الأسوأ. وفي المقابل، قد يحدث بعض الانخفاض في انبعاثاتها بصورة فورية، بأثر من أن تبنيها بعض التغييرات السهلة نسبياً كالحد من السرعة على طرقاتها السريعة.

وفي وقت تعد فيه ألمانيا رابع أكبر اقتصاد في العالم، فإنها في المقابل سادس أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري على سطح الكوكب.

والواقع أن هذا الانفصام بين الحديث النبيل عن قيادة المناخ، والواقع القائم في ألمانيا، هو من نواح كثيرة نموذج مصغر عن التناقض السائد حول العالم قبيل انعقاد "قمة الأمم المتحدة الـ26 للتغير المناخي" (كوب 26  COP26)، في مدينة غلاسكو الاسكتلندية حيث سيحاول قادة العالم التوصل إلى مزيد من الإجراءات ذات الجدوى، من أجل محاولة إبطاء الارتفاعات الخطيرة في درجات الحرارة العالمية.

وفي مقابلة مع "اندبندنت"، تشير لويزا نويباور (25 عاما) وهي ناشطة بارزة في مجال الحفاظ على المناخ في ألمانيا، إلى أن "هناك فجوة هائلة بين من نحن، ومن نعتقد أننا عليه".

وتوضح أيضاً أن، "ألمانيا ترغب في أن تعتبر نفسها بطلةً مناخية في محاربة أزمة الاحترار العالمي، لكن هذا الاعتقاد يمنعنا في الواقع من إنجاز تلك المهمة. فنحن نفشل إلى حد بعيد في الوفاء بوعودنا. وفيما نتحدث عن تغير المناخ، نعمل في الوقت نفسه على توسيع بنيتنا التحتية الوطنية لاستيراد مزيد من الغاز الطبيعي. إن ألمانيا هي كل شيء سوى كونها نموذجاً يحتذى حينما يتعلق الأمر بمكافحة التغير المناخي، وعلينا أن نواجه هذه الحقيقة".

وفيما يقوم الاقتصاد الألماني على التصدير، ويعد الأقوى في القارة الأوروبية إلى حد بعيد، يأتي تصنيف ألمانيا فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بعد الصين والولايات المتحدة والهند وروسيا واليابان. وتاريخياً، تحتل هذه الدولة الأوروبية المرتبة الرابعة على قائمة أكبر مصادر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم، خصوصاً أنها إحدى أوائل الدول التي خاضت ميدان التصنيع، وتعمل منذ سنة 1750 على إنتاج أكثر من 92 مليار طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ذلك الصدد، ترى نويباور التي تعمل بشكل وثيق مع ناشطة سويدية أخرى في مجال المناخ هي غريتا ثونبرغ، "إننا (في ألمانيا) نعي تماماً ما يتوجب فعله، ونعرف مكامن المشكلة، ونناقشها، لكن ذلك لا يحدث أي فارق".

وتضيف، "إننا من أكبر الملوثين في العالم، ونقوم تالياً بخيانة الأجيال الطالعة. إننا في ألمانيا نتحمل مسؤولية كبيرة. من نحن لنوجه أصابع الاتهام إلى دول أخرى؟ إننا بعيدون كل البعد عن الوفاء بوعودنا. يجري تمجيد الواقع هنا لأننا نعتقد أننا متشددون في الحفاظ على البيئة. وفي حال لم نتمكن من إنجاز المطلوب منا، فكيف نتوقع من الدول الأخرى أن تقوم بذلك؟".

تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا خفضت انبعاثاتها من غازات الدفيئة بـ40 في المئة منذ 1990، وساعدها في ذلك بشكل كبير، الانهيار الداخلي غير المقصود للصناعة، عقب إغلاق المصانع الشديدة التلويث في ألمانيا الشرقية الشيوعية، إثر توحيد شطري البلاد. وكانت بالكاد قد تمكنت من تحقيق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الحرارية في 2020، بشكل مفاجئ، بل في اللحظة الأخيرة، بفضل واقع أن جائحة "كوفيد- 19" أضرت باقتصادها القوي لكنها خفضت في المقابل من انبعاثاتها الحرارية بشكل دراماتيكي في 2020.

أما في 2021، فيتوقع الآن ألا تتمكن ألمانيا من تحقيق أهدافها، بسبب الانتعاش الاقتصادي من جهة، وزيادة الانبعاثات بـ6 في المئة من جهة أخرى، وذلك بحسب تقديرات مركز أبحاث "آغورا للتحول في الطاقة" Agora Energiewende في برلين.

ويعد غياب أي قرار في ما يتعلق بتحديد السرعة القصوى بالنسبة إلى السائقين الألمان على نظام الطرق السريعة "أوتوبان" Autobahn (الطرقات السريعة الفيدرالية) في البلاد، مثلاً صارخاً على الانفصام بين الصورة النبيلة التي تقدمها ألمانيا عن نفسها رائدة في مكافحة تغير المناخ، والواقع على الأرض. فالسيارات المتينة التي تصنعها شركات كـ"بورش" و"مرسيدس" و"بي أم دبليو" و"أودي" و"فولكسفاغن"، تعبر البلاد بانتظام بسرعات تصل أحياناً إلى 130 ميلاً (209 كيلومترات) في الساعة، أو أكثر.

وفي وقت سابق، نجحت جماعات الضغط القوية في قطاع تصنيع السيارات، في منع حكومات ألمانية متعاقبة من التفكير بجدية في تغيير القانون المتعلق بالحدود المفتوحة للسرعة، لأن الانطباع السائد عن السيارات الألمانية بأنها عالية السرعة، هو أمر حيوي من شأنه مساعدة شركات تصنيع السيارات في بيع مركباتها في الأسواق الخارجية، وبالتالي حماية الملايين من الوظائف في هذا القطاع الألماني.

يشار إلى أنه يمكن تخفيض ما يقدر بحوالى 5 في المئة من الانبعاثات الحرارية التي ينتجها قطاع النقل في ألمانيا بين ليلة وضحاها، إذا ما اعتمد الـ80 ميلاً (129 كيلومتراً) في الساعة، حداً أقصى للسرعة. لكن السرعة غير المحدودة على الطرقات السريعة تعد أمراً مقدساً في البلاد، إلى حد أن "حزب المحافظين" الألماني، شبه في إحدى المرات الدعوة إلى تقييدها بالشيوعية، من خلال إطلاق الشعار الآتي على حملته Freie Fahrt für frei Bürger أو (سرعات سفر محررة من القيود لمواطنين أحرار).

وترى الناشطة البيئية نويباور أن "وضع حد للسرعة مجرد قمة جبل الجليد. نحن في حاجة إلى الحديث عن تحول كامل في قطاعات صناعية برمتها، لكن الناس ينشغلون بمعارضتهم وضع الحكومة سقفاً للسرعة، لأنهم يعتقدون أن ذلك سيحد من حريتهم. وفي ألمانيا، يخلط كثيرون بين العادات والحرية. أعرف أن الناس يريدون الحفاظ على عاداتهم. لكن، عاداتنا تسبب الرعب لحقوق الآخرين. إن عاداتنا تلحق الدمار بالعالم، وستسلب كثيراً من حريات الناس".

كلام نويباور المباشر على موضوع المناخ، جعلها ضيفة برنامج حواري شهير في ألمانيا. وبالتعاون مع زميلتها السويدية غريتا ثونبرغ، أصبحت ليس مجرد وجه حركة شهدت نمواً سريعاً في ألمانيا أطلق عليها اسم "أيام جمعة من أجل المستقبل" Fridays for Future (حركة دولية لطلبة يضربون عن الدراسة من أجل المناخ)، بل أصبحت أيضاً عرضةً لغضب لأفراد يوجهون اللوم في ارتفاع أسعار الوقود إلى حركة الوعي بقضايا المناخ.

في ذلك الإطار، معلوم أن 27 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وضعت في حزيران (يونيو) 2021، أهدافاً ملزمة من حيث القانون، بخفض صافي انبعاثات الاتحاد الأوروبي بـ55 في المئة مع حلول السنة 2030، مقارنة مع المستوى الذي كانت عليها في 1990. ويطالب قانون المناخ في الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء بالقضاء كلياً على الانبعاثات الحرارية مع حلول 2050.

وفي هذا الإطار، تعهدت ألمانيا بخفض انبعاثاتها بشكل أكبر من بقية دول الاتحاد الأوروبي، بمعنى أنها تصل إلى 65 في المئة مع حلول السنة 2030. على الرغم من هذا التعهد، فإنها تسير الآن في الاتجاه الخطأ، بحيث يتوقع أن تزيد انبعاثاتها من غازات الكربون في 2021، بين 47 مليون طن ونحو 800 مليون طن، بحسب تقديرات مركز أبحاث "آغورا للتحول في الطاقة".

وعلى الرغم من أن "حزب الخضر" الألماني قد حل في المركز الثالث في انتخابات سبتمبر (أيلول) الفائت، ويرجح أن يكون ثاني أكبر حزب في ائتلاف حاكم مكون من ثلاثة أحزاب، إلا أن هذا الحزب المدافع عن البيئة، تخلى فعلاً عن المطالبة بوضع سقف للسرعة على الطرقات ورضخ أمام المعارضة القوية لهذا الموضوع.

وتلفت نويباور إلى أن "الشباب في ألمانيا خائفون على مستقبلهم، وهم يطالبون بالتغيير"، مشيرة إلى أن 22 في المئة من الأصوات التي حازها "حزب الخضر" تعود إلى ناخبين تتفاوت أعمارهم ما بين 18 و29 عاماً. وتضيف، "لكن بمجرد أن الشباب واعون بشكل خاص للمشكلة، فإن هذا لا يعني أن السياسيين يتصرفون لمصلحة الأجيال الطالعة، على الرغم من أننا سنضطر إلى مواجهة عواقب تقاعسهم عن العمل".

وفي وقت سابق، ضربت موجات من الحر غير المسبوقة مختلف أنحاء ألمانيا وأجزاء كثيرة من أوروبا في الأعوام الأخيرة، مع وقوع فيضانات مدمرة قضت على مئات من الأشخاص هذا الصيف يعزو بعض العلماء أسباب تفاقمها ربما إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وقد أدت تلك الموجات إلى زيادة الوعي بالمشكلة المناخية.

وترى نويباور بارقة أمل، "الخبر السار هو أن المزيد والمزيد من الناس، باتوا يتفهمون الآن الأزمة التي نعيشها. هناك أنباء متزايدة عن أزمة المناخ في الأخبار أكثر من أي وقت مضى. وأصبح الوعي بمشكلة المناخ أكبر من السابق. يكفي فقط إلقاء نظرة على المجتمعات في كل مكان، إنه لأمر مدهش. لم أكن أتصور أبداً أنه يمكننا أن نتغير كثيراً في مثل هذا الوقت القصير".

وتضيف الناشطة الألمانية أنها تتوقع من الناخبين الشباب والناشطين الشباب الاستمرار في زيادة الضغط على صانعي السياسات، من أجل التسريع في أن يكون التغيير الشامل ممكناً. لكنها تشعر بانزعاج من الكلام الذي يوحي بأن الحكومة الألمانية وحكومات أخرى كانت ببساطة مستكينة وهي خلف عجلة القيادة، في وقت كان فيه التغير المناخي يتفاقم خلال العقود القليلة الماضية.

وتختم نويباور عرض أفكارها، "أعتقد أن فكرة أن نوم الحكومات ليست سوى خرافة. فالجميع كان مستيقظاً وقد أدرك الساسة ما يحدث. وحتى الآن، لم يكن قرارهم سوى العمل ضد حماية مستقبل للأجيال المقبلة. لقد قدموا مصالح القلة القليلة على سلامة الأجيال الآتية. إن قرارهم جاء بطريقة واعية للغاية. إنهم أشخاص ناضجون، ويجب أن نعاملهم كبالغين. ويتعين على الصغار في السن أن يفهموا أننا نعيش وسط كارثة مناخية".

© The Independent

المزيد من بيئة