Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لم يزُر موسى فكي عبدالله حمدوك؟

يبدو بشكل واضح أن المشهد المتوتر في العلاقات الإثيوبية السودانية ألقى بظلاله على موقف الاتحاد الأفريقي من أزمة الخرطوم

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك المعتقل عقب الانقلاب العسكري   (أ ف ب)

كانت خطوة تجميد أنشطة السودان في الاتحاد الأفريقي بسبب انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي متوقعة ومتماهية مع أدبيات الاتحاد السياسية ومواثيقه المتعددة، ولكن هذه الخطوة جاءت سريعة بعد أقل من ثلاثة أيام فقط من إعلان الانقلاب السوداني مقارنة بسوابق إجراءات الاتحاد مع بقية الدول الأفريقية التي تمهّلت بشأنها قليلاً.

كما أنها جاءت في أعقاب الانقلاب، بينما تجاهلت الأزمة المحتدمة في السودان منذ ما يزيد على شهر بين المكونين المدني والعسكري عقب إعلان المحاولة الانقلابية الفاشلة في الأسبوع الثالث من سبتمبر (أيلول) الماضي، وذلك في حالة مغايرة لنشاط سابق للاتحاد في حل أزمة مماثلة عام 2019 حين احتدم الخلاف بين أطراف المعادلة السودانية على خلفية الاستقرار على الطرف القائد للمجلس السيادي الانتقالي، وهي الأزمة التي قادت إلى اعتصام القيادة العامة بكل تداعياته  الإنسانية والسياسية المأساوية.

وطبقاً لهذه الملاحظات الأولية، يكون من المهم التعرف إلى عوامل بلورة موقف الاتحاد الأفريقي من السودان ومدى تفاعله مع الأزمة الممتدة فيه منذ خلع عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، وكذلك طبيعة مستقبل دور الاتحاد في دعم الانتقال الديمقراطي في البلاد.

ما نعرف عن الأدبيات السياسية للاتحاد الأفريقي تفرض عليه اتخاذ مواقف حاسمة من مسألة تغيير السلطة عبر الانقلابات العسكرية، إذ أصدرت قمة لومي للاتحاد الأفريقي عام 2002 قراراً بحظر الاعتراف بالانقلابات العسكرية في أفريقيا، بعدما أضحت الانقلابات هي السمة الأساسية لتغيير السلطة خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي بمجموع كلي يزيد على 200 انقلاب عسكري، فلم يعرف بعض الدول آلية غير الانقلاب لتغيير السلطة حتى العقد الأول من القرن العشرين مثل غينيا كوناكري التي استمتعت بإجراء انتخابات ديمقراطية خلال عقد واحد فقط من تاريخ استقلالها الممتد 60 عاماً، بينما عانى السودان خمسة انقلابات عسكرية ناجحة منذ استقلاله عام 1956، وعشرات من المحاولات الفاشلة، كان نصيب العامين الماضيين فقط انقلابين معروفين وعدداً آخر لم يُعلن عنه.

وكانت عناصر قرار قمة لومي لعام 2002  للاتحاد الأفريقي هي حظر الاعتراف بأي انقلاب عسكري في أفريقيا، وفرض عقوبات على الدولة التي تتعرّض لتغيير سلطة عبر انقلاب عسكري، وتطور الموقف الأفريقي من مسألة الانقلابات العسكرية على نحو أكثر شمولاً وتفصيلاً في ميثاق تعزيز الديمقراطية والانتخابات بأفريقيا الصادر عن قمة الاتحاد عام 2007، إذ نصت المادة 23 من الميثاق على "فرض عقوبات مناسبة ومتدرجة من جانب الاتحاد الأفريقي ضد أي دولة بالقارة  كعقوبة على قيام انقلاب عسكري فيها، وتم اعتبار ذلك وسيلة غير قانونية للوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها، كما أنه تغيير غير دستوري". وما يتعلق بالسودان من هذه المواد هي فقرات الانقلاب ضد الحكومة، وتعديل أو مراجعة للدستور، أو الأدوات القانونية المعمول بها والمتفق عليها وهي في حالة السودان الوثيقة الدستورية.

في هذا السياق، نشط الاتحاد الأفريقي في تطبيق مقرراته في الحالة السودانية، بعد تكوين المجلس العسكري برئاسة عبد الفتاح البرهان عقب خلع البشير، بينما جمّد أنشطة السودان في أعقاب "قمع دموي" لاعتصام جماهيري في 3 يونيو (حزيران) من العام ذاته، ولم يُفك هذا التجميد إلا في الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) 2019 بعد ثلاثة أشهر قام فيها الاتحاد الأفريقي بدور نشيط في السودان إلى حد مطالبة المكون العسكري بتسليم السلطة إلى المدنيين في غضون أسبوع واحد من خلع البشير في 11 أبريل، وزار رئيس المفوضية في الاتحاد موسى فكي القاهرة بهذا الشأن باعتبارها رئيسة الاتحاد الأفريقي.

وتم التوافق آنذاك على أن تكون المهلة ثلاثة أشهر لبلورة تفاهمات سياسية لعبت فيها إثيوبيا دوراً كبيراً وكانت دافعاً لعملية الحوار السياسي السوداني، إذ زار آبيي أحمد السودان وترك مبعوثاً خاصاً له لمتابعة حالة لعلاقة بين المكونين المدني والعسكري وصولاً إلى توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس (آب) 2019، بتنسيق كامل بين رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي والمبعوث الإثيوبي إلى الخرطوم السفير محمود دردير، الذي دعم البلاد في الملفات الخارجية كافة، بما فيها رفع اسمها من على لائحة الدول الراعية للإرهاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفاعلية الإثيوبية في الأزمة السودانية كانت لسببين، الأول أزمة سد النهضة والتطلع إلى استمالة الخرطوم فيها، والأخير عقد علاقات جيدة بالنخب السودانية الجديدة لمحو أثر التحالف الإثيوبي الاستراتيجي مع نظام البشير، الذي تطور ليكون اتفاق دفاع مشترك عام 2018.

في المقابل، فإن الأزمة السودانية الراهنة المترتبة على انقلاب البرهان، تجيء تحت مظلة خلافات إثيوبية سودانية وصلت إلى حد اتهام الخرطوم بمناصرة حكومة تيغراي ضد أديس أبابا في الحرب المشتعلة بين الطرفين على خلفية تحوّل الموقف السوداني في سد النهضة إلى تلبية المصالح القومية المستقلة اعتباراً من فبراير (شباط) 2020، وما ترتب على ذلك من انهيار العلاقات بين البلدين تأثراً أيضاً بأزمة الملف الحدودي.

ويبدو بشكل واضح أن المشهد المتوتر في العلاقات الإثيوبية السودانية ألقى بظلاله على موقف الاتحاد الأفريقي من الأزمة السودانية، فلم يقُم حتى الآن إلا بخطوتين فقط، هما تجميد نشاط البلاد في أنشطة الاتحاد ومطالبة السلطة الانقلابية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين من أعضاء حكومة عبدالله  حمدوك.

ويكون من المثير للدهشة في هذه الحالة أن فكي لم يزُر حمدوك، رئيس الوزراء السوداني الشرعي، الذي شغل مناصب سابقة في الاتحاد الأفريقي وعاش جزءاً من عمره في أديس أبابا، ولم يطمئن أيضاً على منى عبدلله (زوجة حمدوك) التي كانت تعمل أيضاً في الاتحاد. باختصار، لم يُقدِم الاتحاد الأفريقي على خطوة قام بها ممثل نظيره الأوروبي في الخرطوم، ورئيس بعثة الأمم المتحدة وسفراء عدد من الدول الغربية.

في هذا السياق، صدر عن المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي ما يشير إلى حث الاتحاد الأفريقي على تعليق مفاوضات سد النهضة نهائياً على خلفية تجميد أنشطة دولة السودان في الاتحاد الأفريقي، بحيث قال نصاً، "مستعدون  للعودة إلى مفاوضات سد النهضة إذا قرر الاتحاد الأفريقي استئنافها، وإذا قرر تعليق المفاوضات بسبب تعليق عضوية السودان، فنحن ملتزمون".

وربما يكون من غير المتوقع في إطار الموقف الإثيوبي من السودان في هذا التوقيت القائم على أزمتي سد النهضة والحدودية أن يلعب الاتحاد الأفريقي أي دور في حل المشكلة السودانية والدفع نحو حوار بين أطرافها، إلا إذا طلب منه ذلك صراحة الاتحاد الأوروبي أو واشنطن، على النحو الذي جرى قبل ذلك في مجلس الأمن في إطار السعي لحل أزمة سد النهضة.

وهكذا تظهر حالة السودان كاشفة بشكلٍ ما طبيعة التوظيف الإثيوبي لمفوضية الاتحاد الأفريقي لخدمة أغراض أديس أبابا، سواء في دعم وصناعة تحالفاتها الإقليمية، أو في التعاطي مع المشكلات الأفريقية.

لهذا يمكن القول إنه على العواصم الأفريقية الكبرى أن تقف لترى مجمل الصورة بإمعان وتكتشف أن المنظمة الإقليمية ضعفت. وأنه ربما جاء أوان إصلاح الاتحاد الأفريقي حتى يكون قادراً على القيام بمهماته الأساسية بفاعلية ونشاط في حل مشكلات القارة تحت المظلة الأفريقية، وإلا يكون مرتهناً لإرادة أي من دول القارة أو يكون مجرد صدى صوت للعواصم العالمية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل