Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأسد وطهران أفشلا اللجنة الدستورية خشية تقليص موسكو نفوذهما

الحرس الثوري سرب صوراً لمستودعات صواريخ رداً على اتفاق بوتين - بينيت

يصر الأسد على تعزيز سيطرته على مناطق قريبة من دمشق (أ ف ب)

عاد مناخ "الغضب" يسيطر في موسكو على علاقتها بنظام بشار الأسد، بعد إفشال الاجتماع السادس للجنة المصغرة المنبثقة عن اللجنة الدستورية الموسعة الموكل إليها وضع دستور سوري جديد في جنيف، والذي انتهى في 22 أكتوبر (تشرين الأول) إلى خيبة كبرى لدى المسؤولين الروس.

عبارة "الغضب" هي التي يستخدمها المسؤولون هؤلاء، بعد الجهود الحثيثة التي بذلتها موسكو لدى دمشق من أجل إنجاح عملها بإشراف المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسون.

فشل رغم جهود لافرنتييف

اعتقدت القيادة الروسية أن إيفادها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، على رأس وفد قبل يوم واحد من بدء اجتماعات اللجنة الدستورية في 18 أكتوبر، سيؤدي إلى تعديل سلوك النظام بعد أن انتهت خمس جولات سابقة إلى صفر نتائج، وأن مطالبة الوفد الروسي الأسد بإنجاح الجولة السادسة ستلقى تجاوباً من الأخير، لكن اجتماعات اللجنة دامت أربعة أيام من المماحكات والنقاشات السفسطائية التي أدت إلى الخروج بصفر نتائج.

البيان الذي أذاعته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) في حينها عن اجتماع لافرنتييف وفيرشينين مع الأسد أسهب في الحديث عن أهداف الزيارة من "استعداد روسيا الدائم للمساهمة بفاعلية في إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية التي خربها الإرهاب"، إلى عقد شراكات استثمارية مع سوريا في الطاقة والزراعة "بما يسهم في تنشيط الاقتصاد السوري"، وصولاً إلى الحديث عن أن "الطرفين ناقشا تطورات الأوضاع ميدانياً في سوريا، وآخر مستجدات الأحداث في المنطقة والعالم". ونسبت "سانا" إلى رئيس النظام السوري قوله إن "الانسحاب الأميركي من أفغانستان يؤشر إلى انكفاء دور الولايات المتحدة وحلفائها، ما يتطلب من دول المنطقة والجوار تعزيز الأمن والسلم ورسم مستقبل المنطقة بإرادة شعوبها من دون تدخلات خارجية". وترك البيان الرئاسي الهدف الرئيس من وراء زيارة الوفد الروسي، إلى آخر النص، مكتفياً بالقول إن اللقاء "تناول اجتماعات لجنة مناقشة الدستور السوري"، مشيراً إلى "أهمية الاستمرار في المسار السياسي".

تفجير دمشق وقصف أريحا وتبادل الاتهامات

بدا واضحاً من تعاطي دمشق مع اللجنة الدستورية أن النظام لا يعيرها الأهمية التي تعطيها القيادة الروسية، التي تراهن على إنجاح أعمالها من باب إلحاحها على إحداث تقدم في الحل السياسي في سوريا، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2254. فموسكو تلح على تتويج دورها العسكري في بلاد الشام بتكريس نفوذها فيها بحل سياسي يسمح يطرح انسحاب سائر القوات الأجنبية الأميركية والتركية والإيرانية.

وظهر الأمر في تسلسل الأحداث في الأيام التي تلت. ففي اليوم الثاني لاجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف وقع انفجار في حافلة نقل عسكريين سوريين في العاصمة السورية، فقتل 13 منهم، وتردد أن عدد القتلى بلغ 19 فضلاً عن الجرحى. وفي اليوم نفسه، قصفت مدينة أريحا في منطقة إدلب من الجو، ما أدى إلى تدمير جزء من سوقها، وسقوط 10 طلاب قتلى.

انعكس الحدثان الأمنيان على اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، فانبرى وفد النظام إليها إلى مطالبة وفد المعارضة ووفد المجتمع المدني بإدانة تفجير دمشق وقصف أريحا، واصفاً ما حصل بأنه نتاج دعم قوى المعارضة و"ثوراتكم المزعومة، لقوى الإرهاب والدول التي تساندكم". وطالب وفد النظام بإدانة هذا التفجير من هذا المنطلق، فغرق اجتماع اللجنة بجدال حول المسؤولية عن التفجير، وحول الإرهاب. واعتبر رئيس وفد الحكومة، أحمد الكزبري، أن اقتراحات تقدم بها وفد المعارضة "تحمل أجندات خارجية معادية وأفكاراً خبيثة"، بعد أن تقدم بأفكار خلال اجتماعات اللجنة تتناول إدانة الإرهاب والتطرف والتأكيد على سيادة الدولة على كل أراضيها". ورأى أن رفض اقتراحاته من قبل المعارضة يهدف إلى "تشريع الاحتلال التركي والأميركي لأراضٍ سورية". أما وفد المعارضة فاتهم باسمه، هادي البحرة، وفد الحكومة برفض التوافق على أي من النقاط التي تقدم بها المتعلقة بإمرة الجيش السوري وسائر القوى الأمنية، وكذلك أجهزة الاستخبارات العسكرية. كما أن الأفكار التي طرحها وفد المجتمع المدني لم تلقَ قبولاً من الجانب الحكومي، خصوصاً أنها ركزت على مكافحة الإرهاب.

تعليمات لوفد الحكومة

وفي حين اتهم وفد المعارضة في الكواليس استخبارات النظام بأنها وراء التفجير بهدف تحويل اجتمعات اللجنة الدستورية عن موضوعها الرئيس، جرى سجال بشأن قصف أريحا. وبينما قالت الأنباء الأولية إن طائرات النظام هي التي قصفت المدينة، سربت دمشق بأن القصف جرى من طائرات روسية، ما أثار حفيظة موسكو التي قال دبلوماسيوها لبعض من اتصلوا بهم إن شكوكهم في أن يكون النظام أراد من الحدثين الأمنيين إفشال اجتماعات اللجنة الدستورية.

إثر إعلان بيدرسون فشل اجتماعات اللجنة، وعدم إحراز أي تقدم في التوافق على المبادئ الدستورية، وعلى الرغم من جهود لافرنتييف، قال المستشار في الخارجية الروسية، رامي الشاعر، إن التفجير في دمشق أعاد كل فريق إلى "أرضيته الأيديولوجية"، داعياً إلى تحقيق نزيه وشفاف لمعرفة من يقف وراء التفجير والبحث عن المستفيد من ورائه، لكنه وصف التفجير بأنه "خنجر في ظهر السوريين"، واعتبر أن "الشعب السوري لم يعرف من المتسبب الحقيقي في فشل هذه الجولة من اجتماعات اللجنة الدستورية". وكان الشاعر قد أبدى تخوفه قبل اجتماع اللجنة من العودة إلى المربع صفر على الرغم من إشارته إلى ظروف إيجابية تحيط بعودة اللجنة الدستورية لاجتماعاتها، لكن الشاعر المقرب من المسؤولين الروس، والذي يتولى نقل انطباعاتهم، عاد وقال إن "بعض أعضاء الوفد الذي يمثل دمشق تلقوا تعليمات من دمشق بعدم الموافقة على على أي شيء ومنع أي تقدم في عمل اللجنة الدستورية المصغرة"، وهو ما عكس الاستياء الروسي الشديد إزاء النظام.

إحباط الاتفاق على موعد جديد

العامل السلبي الذي طغى بعد الجولة السادسة إعلان بيدرسون أنه تعذر التوصل إلى اتفاق بين أطراف اللجنة الدستورية المصغرة على تحديد موعد للجولتين السابعة والثامنة لاجتماعها قبل نهاية العام الحالي. وإذ أشار إلى استمرار عشرات آلاف السوريين في المعتقلات وإلى وجود 12 مليون نازح في الداخل والخارج، وإلى أن 90 في المئة من السوريين بلغوا حالة الفقر، أوضح أنه سيجري مشاورات مع عدد من العواصم والأفرقاء السوريين من أجل تطوير العملية السياسية.

توالت الأسئلة في موسكو وفي سائر المنتديات والعواصم المعنية بمتابعة أعمال اللجنة الدستورية باعتبارها ميزاناً لإمكان التقدم في الحلول السياسية، وسط مراهنة بعض الأوساط على عوامل إيجابية، حسب المحللين، تعد بشيء من تراجع التوتر في المنطقة: الحديث المتكرر عن قرب العودة إلى محادثات فيينا الولايات المتحدة الأميركية وإيران، باعتبار الأخيرة شديدة التأثير في بلاد الشام لوجودها العسكري في دمشق ومحيطها وفي مناطق أخرى عديدة، المحادثات السعودية - الإيرانية في العراق، والانفتاح الأردني على رئيس النظام السوري، والإعفاءات الأميركية لسوريا من عقوبات قانون قيصر على التعامل مع النظام السوري في شأن استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، ومساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى دول عدة من أجل إقناع واشنطن بتخفيف العقوبات على سوريا، وأخيراً وليس آخراً التواصل بين الأسد وبين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والحديث عن انفتاح عربي على رئيس النظام السوري.

الظروف السلبية للفشل

إلا أن بعض المحللين المتابعين للمسرح السوري، سواء أكانوا في الداخل أو من غير السوريين، دعوا إلى الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى قد تكون خلف قرار النظام إفشال اللجنة الدستورية.

ويدعو هؤلاء إلى رؤية المظاهر المعاكسة لبوادر الانفتاح العربي على الأسد ويشيرون إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في 13 أكتوبر عن أن إدارة جو بايدن لا تدعم التطبيع مع الأسد، وذلك بعد اتصال بين الملك الأردني عبدالله بن الحسين، وبين الأسد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قراءة هؤلاء أنه في وقت ضغطت موسكو على الأسد لإثبات قدرتها على تحقيق الحل السياسي في سوريا، وحالت دون اقتحام قواته بالتنسيق مع "الحرس الثوري" الإيراني والميليشيات الموالية له لمدينة درعا وقرى في المحافظة وجنوب سوريا، الصيف الماضي، وأدخلت الشرطة روسية لضمان تنفيذ الحل في المنطقة الجنوبية السورية، فإن هذا الأمر لم يرُق لأركان النظام، ولا لإيران التي تمسك بأوراقها الإقليمية وتسعى إلى تعزيزها، خصوصاً في الجنوب السوري على الحدود مع الجولان السوري المحتل، حيث تتلاقى مع الأسد في إصراره على تعزيز قوته وسيطرته على مناطق قريبة من دمشق في سياق التقاسم الحاصل للنفوذ على الأرض السورية. وعلى الرغم من أن القمة الروسية - السورية في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي، أسفرت عن نجاح ضغوط موسكو على الأسد من أجل التجاوب مع مطلبها تسهيل عمل اللجنة الدستورية، والتعاطي بإيجابية مع جهود بيدرسون الذي كانت دمشق تشن الحملات عليه، فإن الأسد أوهم القيادة الروسية بالاستجابة، لكنه كان يضمر عرقلة عمل اللجنة، وسبق أن قال في خطاب تنصيبه، إن الدستور المعدل عام 2014 هو الذي يجب أن يطبق، وإنه لا بد من استعادة سائر المناطق التي توجد فيها المعارضة بالقوة.

وهناك من يعتقد أن تجدد الحديث الروسي في الغرف المغلقة عن قيام مجلس عسكري في سوريا يضم ضباطاً من قوات المعارضة السورية إلى القوات المسلحة النظامية تشرف على الجيش، وتوحد أجهزة الأمن، ويقلص سلطة الأسد  على الجيش ويوحدها في إطار وحيد، هي وراء "تمرد" الأسد على التوجهات الروسية.

تحدي الأسد وطهران لاتفاق بوتين - بينيت

لكن البارز في نظر هؤلاء هو انسجام الأسد مع التشدد الإيراني في سوريا، لا سيما بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى موسكو التي نجم عنها اتفاقات في 22 أكتوبر، والتي انتهت إلى اتفاقات "عملية" بينه وبين بوتين، بحكم "الكيمياء" بين الرجلين، حسب وزير الإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين.

ما تسرب بعد تلك الزيارة أفاد بأنه جرى تجديد الاتفاق الروسي - الإسرائيلي حول مواصلة إسرائيل ضمان أمنها في سوريا، باستهداف مناطق وجود القوات الإيرانية، لا سيما في الجنوب السوري، على أن تنسق مع القيادة الروسية قبل حصول أي ضربة عسكرية تفادياً لأي خطأ يطاول القوات الروسية من جهة، ولتجنب استهداف الوحدات التابعة للجيش السوري الذي تحرص موسكو على عدم إضعافه، من جهة أخرى. فالقصف الإسرائيلي لمواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" وسائر الميليشيات الموالية لطهران ولمستودعات الصواريخ التي تعترض إسرائيل على تزويد طهران الحزب بها، لم يتوقف في السنوات الماضية، وتكثف خلال أشهر الصيف، في إطار التفاهمات الروسية - الإسرائيلية على مراعاة هواجس تل أبيب حيال الوجود الإيراني على الأراضي السورية. ولطالما وجه القادة الإيرانيون اللوم إلى جيش الروسي لعدم تدخل صواريخه المضادة للطائرات من نوع "أس 300 و400" للتصدي للقصف الإسرائيلي. وكان موقف موسكو الدائم بأن وجودها في سوريا هو لحماية النظام ومحاربة الإرهاب، ولا علاقة له بمحاربة إسرائيل وتكديس الصواريخ.

عرقلة أعمال اللجنة الدستورية ليس منفصلاً حسب أصحاب القراءة القائلة بتنامي عوامل التصعيد في المنطقة، وعن المصلحة المشتركة بين نظام الأسد وإيران في مواجهة الضغوط على كل منهما. ويقول هؤلاء، إن إفشال عمل اللجنة أعقبه في 26 أكتوبر، تسريب صور، على مواقع التواصل الاجتماعي، عن مستودعات مئات الصواريخ من نوع "كورنيت" و"ميلان" وغيرها في منطقة تدمر، عائدة للحرس الثوري وحلفائه وجرى استقدامها عبر الأراضي العراقية، للتأكيد على تحدي طهران إجراءات إسرائيل واتفاقها مع بوتين على استهداف الوجود الإيراني على الساحة السورية.

المزيد من تقارير