Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حصة اللبنانيين 3 ملايين من أصل 12 مليون من "وثائق باندورا"

أغلبها لرجال سياسة وأعمال ومصارف

جاءت "وثائق باندورا" لتؤكد المؤكد في لبنان لناحية استغلال أصحاب النفوذ كل الوسائل المتاحة أمامهم لحصد المكاسب والأرباح، فبعيداً من الشواطئ اللبنانية، استثمرت قائمة من رجال السياسة، والاقتصاد، والصيرفة، والإعلام، في نموذج شركات الـ"أوفشور" من أجل الإفادة من التسهيلات التي تتيحها الملاذات أو الجنات الضريبية (Tax Haven). وبحسب الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ)، فإن 600 صحافي من كل أنحاء العالم، شكلوا "أكبر شبكة تعاون إعلامية عبر التاريخ"، بهدف "الكشف عن عمل اقتصاد الظل". واستند التحقيق إلى قرابة 12 مليون وثيقة مصدرها 14 شركة للمحاماة والخدمات المالية، كما سلط الضوء على ما يزيد على 29 ألف شركة "أوفشور" في الملاذات الضريبية الكبرى.

 

حصة لبنانية وازنة

واتخذ الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية شركاء محليين من الدول المعنية بالوثائق. وفي لبنان، تعاون الاتحاد مع منصة "درج" الإعلامية، بغية تحليل وتدقيق وتوثيق المستندات، ذات الصلة بقائمة الشخصيات اللبنانية التي تضمنت رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، ورئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ومستشار رئيس الجمهورية أمل أبو زيد، والوزير السابق المصرفي مروان خير الدين، والنائب المستقيل نعمة أفرام، ومالك قناة "الجديد" تحسين خياط، والمصرفي سمير حنا، وآخرين. وبحسب التحقيق، اتضح وجود 346 شركة لبنانية من ضمن الشركات التي أسستها "ترايدنت تراست" (Trident Trust) المزود الأكبر للوثائق المسربة في إطار وثائق "باندورا".
وتفيد الوثائق بأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعد مالكاً لشركة "هيسفيل إنفستمنت إنك" HESSVILLE INVESTEMENT INC، المؤسسة في عام 1994. واشترت هذه الشركة عقاراً في موناكو في عام 2008 بأكثر من 10 ملايين دولار. وأشارت أوساط رئيس الحكومة اللبنانية إلى أن "الأمر يتصل بعائلة ميقاتي، ويتم العمل على بيان سيصدر قريباً، لتوضيح ما تضمنته الوثائق من معطيات". وأوردت المنصة التي نشرت الوثائق رداً من ماهر ميقاتي، نجل رئيس الحكومة، على استيضاحات العاملين على الوثائق، وتضمن أن "هيسفيل إنفستمنت إنك" شركة مقيمة في بانما، يملكها والده نجيب ميقاتي، وأسست لغرض وحيد هو امتلاك منزل في موناكو. واشترى ميقاتي أسهم تلك الشركة في عام 2005، ثم تمت صفقة أخرى في عام 2008 من خلال شراء الشقة المجاورة، وتم ضم العقارين، مضيفاً أنه "من العادي امتلاك العقارات من خلال الشركات، وليس بشكل مباشر".
أما رئيس الوزراء السابق حسان دياب فتولى بحسب الوثائق منصب مدير شركة "أيفوتورتيك سيرفيسس ليمتد" Efuturetech services ltd، منذ فبراير (شباط) 2015. وأصدر المكتب الإعلامي لدياب بياناً أشار فيه إلى أن الأخير شارك في تأسيس الشركة المذكورة في عام 2015، لكنها لم تقم بأي عمل منذ تأسيسها وإلى حين تقديم استقالته منها، وتنازل عن أسهمه فيها في عام 2019.
أما المصرفي مروان خير الدين، فاشترى يختاً بقيمة مليوني دولار، وشقة بقيمة 9 ملايين دولار في نيويورك من الممثلة جنيفر لورانس. وتكشف الوثائق عن أن خير الدين يدير شركتي "أوفشور" في جزر العذراء، هما "أوكوود إنترناشيونال هولدنغ ليمتد"، و"دريفت وود ليمتد".
كذلك اتضح امتلاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شركتين، الأولى أسسها في عام 2007 باسم "أمانيور" Amanior، والثانية هي "توسكانا" Toscana المملوكة من ابنه نادي. كما تلقي الوثائق الضوء على شركة "فوري أسوسييتس ليمتد" Forry Associates Limited التي يعتبر شقيق سلامة، رجا، صاحب الحق الاقتصادي الوحيد لها. ورد سلامة على أسئلة الصحافيين المتعلقة بشركة "أمانيور" بالقول، إن ثروته "شفافة"، وتعود إلى المرحلة السابقة لتسلمه حاكمية مصرف لبنان، وأنه مارس الأعمال خلال 27 سنة من مسيرته المهنية الناجحة.

مستشار رئيس الجمهورية أمل أبو زيد ظهر كشريك مؤسس ومدير في شركة "آغون هولدينغ أس أي"، وهي شركة جرى تسجيلها في جزر العذراء في الأول من يونيو (حزيران) 2007، وتم حلها في 27 فبراير 2009، وبلغ رأسمالها 4 ملايين دولار أميركي، مقسمة على مليون سهم، وامتلك أبو زيد 54 في المئة منها. أما المحامي توفيق معوض، مالك شركة "أو أم تي" (OMT)، فحظي بـ18 في المئة من الحصص، والمحامي وضاح الشاعر 8 في المئة من الأسهم، ونديم حكيم 20 في المئة، بينما يملك منير عبدالستار علم الدين حصصاً رمزية. وفي رده نفى أبو زيد أي علاقة بين "أو أم تي" و"آغون"، التي نفى أن تكون دخلت بأي عمليات مع جهات معرضة لعقوبات دولية أو مع جهات مقربة من النظام السوري.
في السياق، ظهر مالك قناة "الجديد" تحسين خياط، في الوثائق من خلال شركة "غارنيت بابليشينغ ليمتد" Garnet Publishing Ltd، والتي تتوزع بينه وبين اثنين من أولاده على الشكل التالي: كريم تحسين خياط 60 في المئة، وناديا تحسين خياط 30 في المئة، وتحسين خياط 10 في المئة. وتهتم الشركة بالنشر، أما الشركة الأخرى فتُعنى بتنظيم الحفلات "جي سي إيفينتس ليمتد" G.C Events ltd، بالإضافة إلى شركة "نيو تي في سات ليمتد" New tv sat ltd المسجلة في جزر العذراء. وأكدت عائلة خياط في ردها على "منصة درج" حول سبب تسجيلها للشركات في جزر العذراء البريطانية، بأن "كل هذه الشركات أسستها العائلة، ولم تُنقَل ملكيتها، أو يتم شراؤها من طرف آخر".  

عمل استقصائي ضخم

وعمل أكثر من 600 صحافي من أنحاء العالم على مشروع "وثائق باندورا"، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية. وتلفت ديانا مقلد (من مؤسسي منصة درج الإعلامية) إلى أن "باندورا هي امتداد لمحطات سابقة من وثائق بنما، إلى برادايز"، مؤكدة أن "الاتحاد أشرف على عمل الصحافيين، وتولى عملية التنسيق والتوثيق". وأوضحت مقلد أن "مجموعة من الصحافيين في درج، عملوا على الوثائق المنشورة على منصة إلكترونية، يمكن للمشاركين الولوج إليها، والبحث ضمنها بعد التدقيق في هوية المستخدم. واستغرق الأمر قرابة 8 أشهر، وأظهرت تلك الوثائق عدداً كبيراً من النافذين اللبنانيين ضمن قائمة مؤسسي شركات "أوفشور" في الملاذات الضريبية. وتم التوافق بصورة مسبقة بين سائر المؤسسات الصحافية على موعد النشر، بغض النظر عن أي حدث أو ظرف طارئ". وكشفت مقلد عن أن "غالبية العمل أُنجزت ونُشرت نتائجه، إلا أن هناك ملفات لم تُنجز بعد بصورة تامة".
وتم تسريب الوثائق من 14 شركة محاماة تدير شركات "أوفشور"، وتأتي شركة "ترايدنت تراست" على رأس قائمة الشركات التي سربت الوثائق. وكان بارزاً أن أكثرية زبائنها لبنانيين. وتقول مقلد، "من بين 12 مليون وثيقة، هناك 3 ملايين وثيقة أغلبها لرجال سياسة وأعمال ومصرفيين لبنانيين، وهذه نسبة كبيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعزو مقلد اللجوء إلى الملاذات الضريبية لإنشاء شركات إلى سببين، "إما للتهرب من الضرائب في موطنهم، وإما إنشاء شركات بعيدة عن الأنظار لأسباب مختلفة"، مشددةً على أنه "عندما نكون أمام مسؤول في الدولة، يملك شركات في الخارج، يقتضي عليه الكشف عن حجم ثروته من أجل الرقابة والمحاسبة والشفافية، وهذا أمر غير متوافر في لبنان، حيث انهارت البلاد في ظل السلطة القائمة". وأشارت إلى وظيفة الضرائب في تأمين نفقات الدولة والخدمات الأساسية لمتوسطي ومحدودي الدخل.
ولفتت مقلد إلى أن بعض الشخصيات تجاوبت مع فريق العمل الاستقصائي، مثل رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، ورجل الأعمال تحسين خياط، وآخرين، بينما فضل البعض عدم الرد نهائياً. وتتهم مقلد السياسيين "بالتهرب من مسؤوليتهم في مكاشفة الرأي العام عن مصدر ثرواتهم، وسبب تهربهم من الضرائب"، معولةً على "موقف إيجابي من الرأي العام اللبناني لمحاسبة السياسيين الذين سرقوا البلاد وفجروها، واتخاذ قرارات حاسمة دون التعويل على الموقف الدولي".

الـ"أوفشور" عمل مشروع

من جهة أخرى، أثارت وثائق "باندورا" التباساً بين شرعية إنشاء شركات الـ"أوفشور"، والغاية النهائية من تأسيسها، والتي يمكن أن تكون ذات طبيعة احتيالية وجُرمية. ويميز المحامي كريم ضاهر (متخصص في القضايا التجارية والضريبية) بين تأسيس الشركات والاستفادة من تسهيلات الملاذات الضريبية، وبين الغايات من تأسيسها، لافتاً إلى أنه "ليس كل مَن يؤسس (أوفشور) في الخارج، شخص متهم، لأن بعض اللبنانيين يؤسسون شركات (أوفشور) لأسباب مشروعة كإعادة هيكلة الشركات اللبنانية، أو تأسيس شركات بتكلفة منخفضة". وأوضح ضاهر أن "تكلفة تأسيس الشركة في الملاذات الضريبية 900 دولار، أما في لبنان فتصل إلى 4000 دولار، فيما تبلغ تكلفة الإدارة في الخارج بين 1000 و3000 دولار، أما  في لبنان فتتراوح بين 5000 و10000 دولار"، منوهاً بـ"تسهيل المعاملات في الخارج وعمليات الاستحواذ، وغيرها، في حين أن الإجراءات في لبنان معقدة، وظروف البلاد لا تشجع على الاستثمار".

في المقابل، يمكن أن تكون هذه الكيانات وسيلة لأعمال غير مشروعة كممارسة الفساد، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي، لذلك يطالب المحامي كريم ضاهر بالتدقيق في أعمال هذه الشركات، مؤكداً "وجود فئتين من الأفراد المستفيدين اليوم، وهما شخصيات عمومية نافذة، وأفراد عاديون، لذلك يجب التأكد من أن الشخصيات العامة لم تكتسب الأموال في أعمال فساد كالاختلاس، والرشوة، وصرف النفوذ، أو استخدام المعلومات المهنية، ويدخل المصرفيون في هذه الفئة".
ويجزم ضاهر بأنه "لا بد من تثبيت الجرم لملاحقة الأشخاص الذين أسسوا كيانات لإخفاء الأموال في الملاذات الضريبية، وهذا الأمر يدخل في دائرة تبييض الأموال، وعندها يُفترض معاقبة الفاعل والشركاء الذين سهلوا هذا الفعل، والذين قد يكونون مصرفيين أو محامين، أو مفوضي مراقبة، وصولاً إلى إنزال العقوبة التي يفرضها قانون مكافحة تبييض الأموال والإرهاب، التي يمكن أن تصل إلى 7 سنوات سجناً، وغرامة ضعف المبلغ. كما يمكن اللجوء إلى إقرار جُرم الإثراء غير المشروع على أفعال الأشخاص العموميين، وحسب القانون فمن الواجب تبرير الفارق بين الذمة المالية للموظف عند دخوله إلى الوظيفة وخروجه منها".
كما يتحدث ضاهر عن جُرم التهرب الضريبي في حال كان مالك الشركة "مقيماً ضريبياً في لبنان"، وهو ملزم بدفع ضريبة على رؤوس الأموال المنقولة بنسبة 10 في المئة، تُدفع في بداية مارس من كل عام. وهنا لا بد من تدخل وزارة المالية من أجل التحقق من تصريحه عن الأرباح، ومطالبته باسترداد الأموال.
وعن إمكانية وضع نشر هذه الوثائق في خانة "الإخبار إلى النيابة العامة في لبنان"، يؤكد ضاهر أنه "يجب اعتبار هذه الوثائق إخباراً، ويفترض من النائب العام المالي والنيابة العامة التمييزية التحرك، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة المالية، حيث يجب إرسال طلبات إلى الدول التي توجد فيها حسابات الأشخاص من أجل السؤال عنها، ولكن يبقى السؤال عن هامش حركة الجهات الرقابية والجزائية في ظل ملاحقة أشخاص نافذين في الدولة"، ولذلك يعتبر ضاهر أن "الإعلام والرأي العام يشكلان حصانة لرجال القانون والحقوقيين في ملاحقة المخالفات والأعمال غير المشروعة".

المزيد من متابعات