في الوقت الذي اختارت فيه مسلسلات عربية مشتركة يتصدى لبطولتها نجوم من سوريا ولبنان أن تعرض لعوالم فارهة وأشخاص أثرياء يتنقلون بين السيارات الفخمة والحراس والقصور، على سبيل المثال "خمسة ونص" و"الهيبة الحصاد"، و"الكاتب"، اختار أغلب نجوم الصف الأول في مصر حودايت أكثر شبهاً بالقطاع الأكبر من الناس، حيث كان العنوان الرئيسي لمعظم المسلسلات التي تتصدر "تريند" المشاهدة، هو تحية "المهمشين" والجمهور العادي، حتى لو تحوّل البطل الفقير الطيب إلى مجرم خارج عن القانون فيما بعد انتقاما من الظلم، وهو هنا يحصد العطف والتماهي أيضا!
أحمد السقا يسيطر بـ"ولد الغلابة"
خلال النصف الأول من رمضان، خطف أحمد السقا اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي بقصة مسلسله "ولد الغلابة"، والذي تصاعدت أحداثه بشدة، وفي زمن قياسي، ورغم أن "عيسي"، أحمد السقا، قتل وحرق عدويه اللدودين خلال الحلقات، ولكنه ظل ينال تعاطمف الجمهور، ومنبع التعاطف هنا جاء لأن "عيسى" بالأساس رجل طيب ومقهور ويعيش على الكفاف مثل كثيرين من محدودي الدخل، يعمل مدرسا بأجر زهيد، ثم بعد الظهر يعمل سائق تاكسي أجرة، ولكن الحياة لا تتركه رغم ذلك فيتورط في أزمات عدة بعد سرقة مصدر رزقه، وهكذا يجد نفسه مغلوبا على أمره مع عصابة لتجارة المخدرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أحمد السقا في الدراما التلفزيوينة وخلال السنوت الأخيرة، كان دوما يفضّل أن يظهر كشابّ ثري لا ترهقه الأمور المادية، من خلال حكايات لم تتماس كثيرا مع الشارع مثل "ذهاب وعودة" و"الحصان الأسود"، وبالتالي تعتبر نقلة "ولد الغلابة" استثنائية له، حتى أن صوره في العمل باتت تباع كملصقات للسيارات في المناطق الشعبية.
محمد رمضان... نجم قصص الصمود والانتقام الشعبي
التوجه في الخمس سنوات الأخيرة نحو هذه النوعية من الأعمال التي باتت أكثر رواجا، كان يتصدّره الفنان محمد رمضان، والذي حقق نجاحا مدويا وغير متوقع بأولى بطولاته في التلفزيون "ابن حلال" عام 2014، حيث الشاب الفقير المسالم الذي يجد نفسه متورطا في جريمة قتل لا يعلم عنها شيئا، وبعدها كرّر قصة الشاب الطموح الذي يأتي من بيئة متواضعة أيضا ويحاول الارتقاء بمستواه، ولكنه يتلقى الصفعات تباعا في "الأسطورة" عام 2016، وكرّر أيضا الفكرة مع بعض التعديل في مسلسل "نسر الصعيد" العام الماضي، حيث الشاب الصعيدي المحبوب ورغم أنه يعمل كضابط شرطة، ولكن العمل كان يركز أكثر على كون نشأته الاجتماعية لم تكن مرفهة، وهو أقرب في تفاصيل حياته إلى القطاع الأكبر من الجمهور.
محمد رمضان يأتي في "زلزال" 2019، ويكمل نفس التيمة التي ينجح بها، وينتظرها جمهوره، وربما هي التيمة التي شجعت كثيرا من زملائه على تقديم أعمال تلعب على نفس الوتر أملا في حصد الشعبية. ويقدم محمد رمضان في مسلسله الرمضاني الحالي، دور محمد حربي، الشاب المعدم الذي توفيت عائلته في زلزال 1992 بمصر، وهو يبدأ حياته من تحت الصفر ويصرّ على أن يجتاز المرحلة الجامعية، بل ويواجه كبير أثرياء قريته الذي استولى على أرضه ظلما، وكلما واجه أزمة قام منها، ويتنقل في العمل من عامل كهرباء إلى عامل بالأفراح، وغيرها من المهن المتواضعة، وهي مهن معتادة لشباب كثر يبدأون حياتهم، كما أنها قصة كفاح جديدة يضيفها "رمضان" إلى سلسة حكاياته المفضلة.
الكوميديا والتراجيديا... حكايات من الشارع
بطل عادي آخر هو "هوجان"، أو محمد إمام، في مسلسله الرمضاني الذي يحمل الاسم نفسه، حيث أن الشاب مصارع قوي، ويمتلك قدرات جسمانية تجعله محط الأنظار، ولكن حالته المادية الصعبة جدا، تحول دون تحقيق طموحاته، وهو هنا أيضا يبدو مثل شباب كثر يعيشون في مناطق شعبية يتمتعون بلياقة بدنية عالية ويجتهدون في رياضاتهم وكل أملهم في الحصول على فرصة لإثبات قدراتهم، فالعمل يظهر رحلة البطل من البداية، ولا يعتمد على التيمات الأساسية التي تظهر نجم المسلسل وهو ناجح ويعيش حياة هنيئة مستمتعا بثرائه، ويتفرغ فقط لحل مشكلاته مع أعداء ثروته بشكل أو بآخر.
أيضا مسلسل "بركة" لعمرو سعد تدور قصته حول شاب صعيدي عادي يأتي إلى القاهرة، ويحاول أن يشق طريقه والعثور على فرص لتحقيق حياة أفضل، ولم تختلف كثيرا قصص مسلسلات مثل "حكايتي" لياسمين صبري، و"حدوتة مرة" لغادة عبد الرازق، و"شقة فيصل" لكريم محمود عبد العزيز.
الناقد طارق الشناوي يرى أن "الجمهور يميل للتماهي أكثر مع تلك النوعية من الشخصيات، لأنها تعبّر عن الأغلبية العددية، فالشباب هم الشريحة الأكبر في المجتمع ويمثلون النسبة المسيطرة من المشاهدة، وكل تلك الأدوار تعبّر عنهم بصورة أقرب"، ويؤكد الشناوي أن "المشاهد يريد متابعة قصة عن نفسه على الشاشة، ويريد أن يرى شكلا أكثر قربا لحياته في الواقع".
اللافت أيضا أن أغلب المسلسلات الكوميدية الرمضانية المقدمة في الدراما المصرية هذا الموسم تعتمد نفس التيمة، حيث الأبطال لديهم أزمات مادية، ويسعون في طريق تحقيق ذواتهم، ويتخبطون في أزمات الحياة، ويشبهون في يومياتهم "رغم المبالغات الكوميدية بالطبع" الشريحة الأكبر من المشاهدين، وهذا يتحقق في مسلسلات مثل "الواد سيد الشحات" و"طلقة حظ" و"فكرة بمليون جنيه"، فهل أيضا اللجوء لهذه الأفكار لكونها تبدو مضمونة النجاح؟!
يؤكد الناقد طارق الشناوي أن "فكرة تقديم تلك التيمات أمر متوقع لأن البطل يريد أن يصل لأكبر عدد ممكن من الجمهور، ولكن مع ذلك فالنجاح ليس مضمونا أبدا، فالشعبية وشغف المتابعة لا يتحققان إلا بالكاريزما، وقبول العمل لدى المشاهدين"، ويضرب مثالا بأن الفنان دوما ما يبحث عما يشبه متابعيه فهذا أمر محمود، مشيرا إلى أن "النجم الكبير عادل إمام في بداية نجوميته الكبرى في ثمانينيات القرن الماضي، كان هو الأكثر إدراكا لذلك، حيث كان يخاطب الجمهور الذي يشبهه في تلك الفترة، وكان يريد أن يكون أقرب لهم شكليا، وبالتالي شكّل ظهوره بالجينز نحو 90% من أفلامه، وهو المظهر الذي كان معتمدا بين الجانب الأكبر من جمهوره في هذا الوقت، حيث كان الجينز معبرا عن فئة الشباب، وهو الموضة الأكثر رواجا حينها، بعكس الحقب السابقة".