فوجئ عدد كبير من التونسيين بارتفاع استهلاك الكهرباء، إذ لاحظ كثير من العائلات التونسية زيادة في قيمة الفواتير، متسائلة عما إذا كانت الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) قد أقرّت زيادة جديدة أم لا، وهو الأمر الذي نفاه سامي بن حميدة، المدير التجاري للشركة، وفسر الأمر بتزايد الاستهلاك خلال الحرارة المرتفعة التي سجلت درجات قياسية بالبلاد والاستعمال المكثف لمكيفات التبريد خلال يوليو (تموز) وأغسطس (آب).
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"،إن "شركة الكهرباء لم تقر زيادة جديدة على الرغم من الضائقة المالية التي تمر بها، وتهدد عملية شراء المحروقات بالعملة الأجنبية وبالأسعار العالمية مقابل تواصل إقرار الدعم في الغاز والكهرباء". وبلغت ديون الشركة التونسية للكهرباء والغاز غير المستخلصة نهاية سبتمبر (أيلول) 2020، أكثر من 786 مليون دولار مقابل 593.5 مليون دولار في نهاية 2019، بتطور سلبي قدره 32.4 في المئة، وتمثل هذه الديون غير المستخلصة نحو 39 في المئة من مجموع رقم معاملات الشركة.
وتحاول تونس ذات إمكانات الطاقة المحدودة منذ سنوات إيجاد حلول سريعة لارتفاع أسعار الطاقة وتقليص انعكاسها على موازنة دعم المحروقات التي ما انفكت تتصاعد سنوياً بفعل تقلبات أسعار برميل النفط.
دراسة زيادة تعريفة الكهرباء
وتدرس وزارة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية حالياً، إمكانية إقرار زيادة في تعرفة الكهرباء في المدة المقبلة على إثر الارتفاع الملحوظ في أسعار برميل النفط في الأسواق العالمية، ليصل إلى معدل 80 دولاراً مقابل فرضيات في الموازنة بقيمة 45 دولاراً.
وقال بلحسن شيبوب، المدير العام للكهرباء والانتقال الطاقي بالوزارة، في تصريحات إعلامية سابقة، "نحن ندرس تعديل التعريفة في ظل ارتفاع أسعار المحروقات العالم، إذ وصل سعر برميل النفط في الأسواق العالمية إلى مستوى 80 دولاراً، بينما تم اعتماد فرضية إعداد موازنة تونس خلال 2021 على أساس 45 دولاراً للبرميل"، وأكد "ضرورة إيجاد التوازنات المالية لعملية توريد الغاز بالعملة الأجنبية"، محذراً من "إمكانية تسجيل انقطاعات متواترة للكهرباء، على غرار دول أخرى، في حال الاضطرابات التي قد تطرأ على توريد الكميات المطلوبة من الغاز لتوليد لكهرباء وتوفيره للتونسيين".
ودعا شيبوب عموم التونسيين إلى "التضحية في هذه المسألة والقبول بالتعديلات على تعريفة الكهرباء التي أعلن أنها لن تكون زيادة مبالغاً فيها، بل ستكون مناسبة". ولفت في هذا الإطار إلى أن "الزيادة في تعريفة الكهرباء ستشمل مبدئياً أربع فئات من الاستهلاك من أقل من (100 كيلوواط/ ساعة) إلى أكثر من (500 كيلوواط/ ساعة) شهرياً، وما بينهما من نسب متفاوتة".
ويعود آخر تعديل في تعرفتي الكهرباء والغاز في تونس إلى يونيو (حزيران) من 2019، إذ رفعت الشركة التونسية للكهرباء والغاز التعرفة بنسبة 10 في المئة، وشمل الارتفاع خصوصاً أصحاب الاستهلاك المفرط (300 كيلوواط). وشهدت ارتفاعاً آخر في الأول من سبتمبر 2018 بنسبة 13 في المئة، ما أثار غضب المواطنين. يشار إلى أن إجمالي عملاء الكهرباء المنزليين في تونس يقارب أربعة ملايين.
الحل في الطاقات المتجددة
وأكد سامي بن حميدة، أن "من ضمن الحلول المقترحة لتخفيف وطأة قيمة فواتير الكهرباء اللجوء إلى الطاقة المتجددة"، موضحاً أن "تونس أقرت في 2015 قانوناً جديداً يسمح بإنتاج الكهرباء انطلاقاً من الطاقات المتجددة (الشمس والرياح)"، ولاحظ من خلال تسييره للإدارة التجارية بشركة الكهرباء والغاز بداية تسجيل وعي لدى التونسيين عبر الإقبال على تركيب الألواح الشمسية أو (الفولت ضوئية) في السنوات الأخيرة. فالمتجول في عدد من الأحياء التونسية سيلاحظ بالتأكيد انتشارها على أسطح المنازل في حركة تشير إلى اللجوء للطاقات المتجددة والنظيفة تجنباً لإمكانية تسجيل ارتفاعات في تعرفات الكهرباء جراء تقلبات أسعار المحروقات، إذ تتيح هذه التكنولوجيا إمكانية توليدها. ويكشف عن أن "آخر رقم سجلته الشركة التونسية للكهرباء والغاز لعدد المستخدمين لهذه الطاقة بلغ 43 ألفاً في أغسطس 2021".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد، يؤكد زياد، صاحب شركة خاصة لتركيب اللوحات الشمسية، أن "حجم مبيعات الشركة في منحى تصاعدي طيلة السنوات العشر الأخيرة ليتخذ حالياً المنحى التنازلي نتيجة انخفاض قيمة الدعم الموجه للشركات".
تفادي زيادات تعريفات الكهرباء
وتأكيداً على الاهتمام المتزايد بتركيب الألواح الشمسية، وبخاصة الكهروضوئية، أبرز رياض بن غربال، وسيط بإحدى شركات التأمين التونسية، أنه "لجأ إلى هذه التقنيات الجديدة منذ ما يقارب ثلاث سنوات اقتناعاً بوجوب تقليص قيمة فواتير الكهرباء". مضيفاً أنه "قبل تركيب هذه اللاقطات كان معدل كل فاتورة استهلاك الكهرباء (كل شهرين في تونس) يدفعها إلى شركة الكهرباء في حدود 150 دولاراً، ما أرهق كاهله وضاعف من مصاريفه. وقام صاحب الـ 50 عاماً، وهو أب لطفلين بما وصفه "باستثمار ذكي" في هذه التقنيات باقتناء ثمانية لاقطات فولت ضوئية بقرض بقيمة 2500 دولار يتم دفعه على سبع سنوات.
والآن، بعد مضي نحو ثلاث سنوات على استعماله هذه التقنيات أكد أن "فاتورة الكهرباء لم تعد تتجاوز 15 دولاراً جراء ما ينتجه من كهرباء نظيفة"، وشدد على أنه "في ظل التقلبات العالمية لأسعار النفط وما قد يترتب عنها من إمكانية زيادة شركة الكهرباء التونسية لتعريفات الكهرباء والغاز فإنه حصّن نفسه بالطاقة، ولن يتأثر بأي زيادة محتملة في السنوات المقبلة".
وفسر المدير التجاري هذه العملية بأنه "من خلال العداد الخاص باللاقطات تتم إعادة الفائض في الطاقة إلى الشبكة الرئيسة للكهرباء، وفي حالة عدم قيام المستخدم بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، فإنه يحصل على الكهرباء بصورة مباشرة من الشبكة. وتتضمن فاتورة الاستهلاك الضرائب والغاز والكهرباء المتوفرة من الشبكة"، وأكد أن "فاتورة الاستهلاك للمستخدم المنخرط في هذا البرنامج يمكن أن تنخفض إلى حدود 70 في المئة عن الفاتورة العادية".
ودعا بن غربال التونسيين إلى الإقبال بكثافة على تركيز هذه الألواح الشمسية والكهروضوئية والاستثمار فيها تحسباً لتقلبات أسعار المحروقات وانعكاسها على سعر بيع الكهرباء في البلاد لاحقاً.
برنامج وطني جديد
من جانبها، كشفت إيمان رميزة، رئيسة مشروع تركيب الألواح الشمسية بشركة الكهرباء، عن "برنامج وطني جديد يسمى "بروسول إلك إيكو" سينطلق في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ويستهدف شريحة واسعة من المجتمع التونسي، ويوفر تشجيعات وتحفيزات لتركيب اللاقطات الشمسية، ومن المرجح أن ينتفع منه زهاء 70 ألف مواطن، ويستهدف البرنامج الطبقة التي لا يتجاوز معدل استهلاكها 1800 كيلوواط/ ساعة في السنة، وتصنف ضمن الطبقة المتوسطة".
أضافت، "لقد بات ممكناً الحد من استخدام الكهرباء المولد من الفحم أو من أي مصدر حراري آخر من خلال استغلال أشعة الشمس، إذ تسعى تونس كسائر بلدان العالم إلى مكافحة الاحتباس الحراري"، وأكدت في هذا الإطار أن "هذا البرنامج الجديد سيمكن الشركة التونسية للكهرباء والغاز من عدم استعمال كمية من المحروقات تقدر بـ 131 طناً مكافئ نفط بقيمة توريد بـ 32.5 مليون دولار، فضلاً عن تسجيل انخفاض بما قدره 307 كيلو/ طن من انبعاثات الكربون، بفضل هذه الطاقة النظيفة".
وتخطط تونس إلى رفع مساهمة الطاقات المتجددة إلى 30 في المئة بحلول 2030 في حين لم تحقق إلى حد الآن سوى نسبة ستة في المئة.