Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان... سيناريو ما بعد 21 أكتوبر

تغير ميزان القوى لصالح الحرية والتغيير ومنحها قدرة كبيرة على الإمساك بزمام الأمور

التظاهرات التي خرج فيها الشعب السوداني وشملت غالبية المدن ستهز قناعات كثيرين في قادة المكون العسكري (رويترز)

بعد أن قال الشعب السوداني كلمته بخروج أكثر من مليون إلى الشوارع دعماً للحكم المدني واستكمال مهمات المرحلة الانتقالية في وجه الانقلابيين الذين اعتصموا في القصر دعماً للمكون العسكري، بدا واضحاً أن تظاهرات الشعب التي انتظمت في غالبية المدن السودانية يوم الخميس الماضي 21 أكتوبر 2021 (فيما كان اعتصام حلفاء الفلول الداعمين للمكون العسكري فقط في الخرطوم أمام القصر الرئاسي)، استكملت الضلع الثالث الذي تم بموجبه اكتمال حلقات الاعتراض ضد أي محاولة للانقلاب على الانتقال الديمقراطي، من طرف المكون العسكري.

فبعد الموقف الوطني الصارم والواضح لرئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك أمام الجميع في الانحياز لمبادئ الثورة واستكمال مهمات الانتقال الديمقراطي، ثم وقوف المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى جانب حمدوك والسلطة المدنية، جاءت التظاهرات المليونية للشعب السوداني في ذكرى ثورة 21 أكتوبر استكمالاً لموقفَي حمدوك والمجتمع الدولي، ولتؤكد انحياز الشعب السوداني إلى مبادئ ثورة 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018 واستمرار الحكم المدني ضد مناورات العسكر وحلفائهم وفلول الثورة المضادة.

 تغيّر ميزان القوى بفضل تظاهرات يوم الخميس لصالح قوى الحرية والتغيير، ومنحها قدرة كبيرة على الإمساك بزمام الأمور وكسب أوراق مهمة جداً في التأثير الكبير بتشكيل المشهد السياسي ما بعد 21 أكتوبر، لكن في الوقت ذاته، باتت الحرية والتغيير اليوم مدركة، أكثر من أي وقت مضى، أن الشعب السوداني الذي خرج بالملايين، لم يخرج ليمنحها شيكاً على بياض، وإنما ليدعم حمدوك واستمرار الحكم المدني، مع إنذار واضح لها بضرورة الاستقامة.

الأنباء التي ترشح من وراء الكواليس منذ نهاية 21 أكتوبر، تضرب في اتجاهات متعددة، فمنها ما يزعم أن ثمة توجهاً لحل مجلسي السيادة والوزراء، وإعادة تشكيلهما، ومنها ما يزعم أن هناك محاولات لتغييرات طفيفة في الحكومة والمجلس السيادي، لكن المؤكد من هذا كله، أن ثمة تغييراً مهماً سيطرأ ما بعد التظاهرة المليونية.

وفي تقديرنا أن هذا التغيير سيكون نتيجة للضغوط الكبيرة التي ستمارسها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بعد أن بيّنت تظاهرات الخميس ثقل الشارع الثوري وصحوته وقدرته على توجيه الأحداث، وهذا بالضبط ما كان ينتظره المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا، حيث لاحظنا التصريحات والأصوات الدولية المشيدة بالتظاهرات المليونية للشعب السوداني من أجل دعم الحكم المدني وتثبيت الانتقال الديمقراطي، فرأينا تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة وتصريحات وزير الخارجية الأميركي، إلى جانب كثير من تصريحات دولية أخرى.

ومنذ الجمعة الماضية (22-10-2021)، تمضي المشاورات السياسية التي يعقدها حمدوك، من دون أن تسفر عن نتيجة حتى الآن، ربما بسبب العطلة الأسبوعية، لكن الأمور قد تنجلي في بداية الأسبوع أي يوم الأحد 24 أكتوبر الحالي إن لم يطرأ أي جديد.

هناك أيضاً تسريبات مفادها: بأن عناصر من المكون العسكري في مجلس السيادة اجتمعت مع حمدوك وأصرّت على حل الحكومة الحالية لمجلس الوزراء، حتى بعد مليونية الخميس، وفي تقديرنا أن هذا الإصرار لن يكون حقيقياً أو جاداً، نظراً إلى وجود المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي السفير جيفري فيلتمان في الخرطوم الذي جاء من الولايات المتحدة في مهمة إنقاذ المرحلة الانتقالية من أي انتكاسة على خلفية الأوضاع المأزومة في السودان، حيث إن القطيعة بين المكونين عطلت دولاب الدولة منذ شهر تقريباً.

لذا فإن السيناريو الذي نقدّره كاحتمال هو: ربما نرى تغييراً في مجلس السيادة، لا سيما مع قرب انتهاء دورة رئاسة المكون العسكري بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إلى جانب بعض التغييرات في مجلس الوزراء، أيضاً، نظراً إلى حرص الرئيس حمدوك على تجميع فرقاء قوى الحرية والتغيير كافة على تسوية ضرورية لحماية الانتقال الديمقراطي الهش في البلاد.

ضرورة التغيير في مجلس السيادة، لا سيما في بعض أعضاء المكون العسكري (كالبرهان والكباشي) ستبدو مهمة لا بد منها لأن سلسلة الأحداث الأمنية ومؤشراتها عبر حلقات متصلة طوال العامين الماضيين وصولاً إلى محاولة اصطناع حاضنة شعبية منشقة عن الحرية والتغيير للتسويغ لتفويض العسكر بالحكم كانت أكثر من واضحة في مؤشراتها إلى هاتين الشخصيتين في مجلس السيادة.

 لذلك فإن التظاهرات المليونية التي خرج فيها الشعب السوداني، يوم الخميس الماضي، وشملت غالبية المدن، ستهز قناعات كثيرين في قادة المكون العسكري الذين ربما صوّر لهم بعض مستشاريهم زوراً، أن الشعب السوداني لن يكون كما كانت عليه الحال في 30 يونيو (حزيران) 2019 (اليوم الذي خرج فيه الملايين من الشعب السوداني ليجبروا المكون العسكري على الخضوع لاتفاق 17 أغسطس/ آب 2019 بموجب الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد اليوم).

المشهد حتى الآن يبدو ضبابياً، وإذا نجحت مشاورات حمدوك واتصالاته الماراثونية بقوى الحرية والتغيير كافة، واستطاع أن يعيد إليها لحمتها، بإقناع كل من مني مناوي، رئيس حركة جيش تحرير السودان (حاكم دارفور) وجبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة ووزير المالية في الحكومة الحالية، سيكون ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح، لا سيما أن الضغوط الأميركية حريصة على أن تعمل قوى الحرية والتغيير كلها إلى جانب المكون العسكري لاستكمال وإنجاح مهمات المرحلة الانتقالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما ينجح حمدوك في تسجيل اختراق والفوز بتوافق مع كل من جبريل ومناوي على وقع الضغوط الخارجية، وإن بثمن يحفظ لهما عودة ثانية إلى الحرية والتغيير، وذلك بتعديلات ما، في كل من مجلسي السيادة والوزراء، لصالح فك الاحتقان والانسداد الذي يمر بهما السودان وسط أجواء غير مشجعة أبداً، حيث إن أي تطور غير حميد للخلاف إلى صراع عنيف بين المكونات في ظل أوضاع إغلاق شرق السودان، سيجر البلاد إلى عواقب وخيمة.  

حمدوك مدرك تماماً لهذه الحساسية التي تجعله باستمرار ذا نفس طويل وصبر كبير على استقطاب تناقضات كثيرة بين الشركاء يمكنه أن يتحملها في سبيل الخروج بصيغة تسوية سليمة تنقذ البلاد من سياسات حافة الهاوية التي تمر بها، وتقطع الطريق على فلول الثورة المضادة التي لا تزال تنشط عبر أذرعها الخفية المتغلغلة بين رجال القبائل ورجال الأعمال وبقايا متنفذين في دولاب الدولة والجيش.

بين اتجاهين، عبّر أحدهما عن حرص الشعب السوداني من خلال مواكبه المليونية يوم الخميس (وهي مواكب قابلة للاستمرار والضغط)، وعبّر عن الآخر، حرصُ المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، التي أصبحت البلاد اليوم على رأس أولويات مهماتها السياسية في أفريقيا، سيبدو من العسير أن يكون هناك خيار عدمي للعسكر في المجازفة بانقلاب. فهذا الخيار اليوم، فضلاً عن أنه سيدخل السودان إلى نفق مظلم من الفوضى والخراب والتفتت، فإن السجل الخطير لإجرام نظام عمر البشير وما ارتكبه من مذابح في دارفور وما ترتب على ذلك من ملاحقات تمت بموجبها مذكرات اعتقال لرأس النظام المعزول ومساعديه، ووضع اسم البلد في قائمة الدول الراعية للإرهاب والعقوبات الاقتصادية التي عزلت السودان عن العالم لثلاثين عاماً، كل ذلك يدركه العسكر جيداً، لذا من المستبعد مثل هذا الخيار العدمي من طرف المكون العسكري، بخاصة في ظل انكشاف موقف الحاضنة المصطنعة ورفض الشعب السوداني لها عبر التظاهرات المليونية، دعماً لحمدوك واستمرار الحكم المدني واستكمال مهمات الانتقال الديمقراطي التي حددها المتظاهرون بـ14 مطلباً، تبنّتها قوى الحرية والتغيير كورقة ضغط أمام المكون العسكري الذي ظل يماطل في كثير من تلك المطالب التي منها: تكوين المجلس التشريعي، وتعيين النائب العام ورئيس القضاء، وتكوين المحكمة الدستورية، وتوحيد الجيش السوداني عبر التسريع من عمليات الترتيبات الأمنية، وتسليم البشير ومساعديه الثلاثة إلى المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المطالب.

ربما سيكون ضمن هذا السيناريو كمخرج من الأزمة، تعيينُ الدكتور الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة ورئيس الجبهة الثورية رئيساً لمجلس السيادة كخيار معقول للتوافق، إذ إن الرجل يُعتبر موضع إجماع وثقة بين أعضاء مجلس السيادة الانتقالي.

وكما كان متوقعاً، أعادت تظاهرات 21 أكتوبر الحالي الثورة إلى المشهد السياسي بعنفوان وزخم كبيرين كشف عبرهما الشعب السوداني عن حرص عظيم وأرسل رسائل واضحة إلى كل من رئيس الوزراء: نحن من خلفك والمجتمع الدولي، ولقوى الحرية والتغيير رسالة تحذير أخيرة، ومن ثم رسالة إلى المكون العسكري وفلول عناصر الثورة المضادة، بأنه لا تهاون أبداً أو تفريط بمبادئ الثورة.

وكم كان مثيراً وملهماً، خروج عدد من وزراء الحكومة والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة وبعض أعضاء لجنة إزالة التمكين في مليونية التظاهر، والتحامهم مع الثوار في الشوارع الساحات.

 وكم كانت تلك الجلسة السلمية للثوار مع وزير الصناعة والتجارة في الحكومة الحالية إبراهيم الشيخ، الذي ظهر جالساً على الأرض في إحدى ساحات التظاهر بين شباب الثورة وهو يشرح لهم بعض قضايا السياسة رداً على تساؤلاتهم الحادة، متقبلاً ومحتملاً هتافاتهم الحماسية ضده وضد قوى الحرية والتغيير التي يرى كثير من المتظاهرين أنها قصّرت تقصيراً مخجلاً في دورها السياسي المنوط بها في العامين السابقين من عمر الثورة السودانية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء