نجح السودانيون في تفويت فرصة الانزلاق ببلادهم إلى الهاوية، على الرغم من أن الحشود التي خرجت الخميس، 21 أكتوبر (تشرين الأول)، في شوارع العاصمة المثلثة (الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان)، منقسمة إلى موكبين متضادين. وقد توقع كثيرون حدوث حالة من العنف والصدام بين المتظاهرين الداعمين للسلطة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك من جهة، والمطالبين بحل الحكومة وتوسيع قاعدة المشاركة من جهة أخرى. لكن تغيير مسارات موكب المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير الداعي إلى مسيرة "مليونية الطوفان" بعيداً من اعتصام القصر الجمهوري الذي يتواصل ليومه السادس، والالتزام بالسلمية، أسهما في تجاوز هذا الاختبار بسلام.
وشارك عدد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة في المسيرة التي تطالب بحماية ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير، وتسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين. فيما عمت التظاهرات عدداً من مدن السودان، منها الأبيض والفاشر ونيالا وكسلا والقضارف ومدني وسنار وسنجة وغيرها. وردد المتظاهرون شعارات "حرية سلام وعدالة، الثورة خيار الشعب، ثوار أحرار ح نكمل المشوار، الجيش جيش السودان الجيش ما جيش برهان". بيد أن الشرطة أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في مدينة أم درمان، ما أدى إلى إصابة 23 متظاهراً، بحسب ما ذكر مدير مستشفى أم درمان.
المشروع الوطني
فيما حيا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ذكرى ثورة 21 أكتوبر 1964، التي ظل السودانيون يحتفلون بها في العهود الديمقراطية كونها الثورة الشعبية الأولى التي أسقطت حكماً عسكرياً. وأكد حمدوك أن شعب بلاده بقي بما يزيد على خمسة عقود يبحث عن المشروع الوطني الديمقراطي الذي بدأ بهذه الثورة (أكتوبر).
وعبر حمدوك عن سعادته لخروج الملايين في المدن والقرى، وفي العديد من دول المهجر، ليؤكدوا تمسكهم بالتحول الديمقراطي وشعارات ثورة ديسمبر (حرية، سلام، عدالة، والمدنية خيار الشعب).
وتابع، "لقد أثبتم تمسككم بالسلمية والتزامكم بالسير في طريق الحرية والديمقراطية والتحول المدني الديمقراطي، وأسمعت الجماهير صوتها وأوصلت رسالتها بأن لا تراجع عن أهداف الثورة، ولا مجال للردة عنها".
وأضاف، "عهدي معكم أن أواصل العمل على إكمال مؤسسات الانتقال، وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر وشعاراتها"، مشيداً بدور الشرطة في حماية المواكب وكل وسائل التعبير السلمية.
تصحيح المسار
في السياق، يعتقد النائب العام الأسبق عمر عبد العاطي، أن هناك إجماعاً من الشعب السوداني على التحول الديمقراطي ورفض حكم العسكريين، فضلاً عن التأييد الواسع للرئيس حمدوك، مع ضرورة إجراء مراجعات وإصلاحات لتحسين أداء الجهاز التنفيذي. ويلفت عبد العاطي إلى أن ما حدث الخميس إشارة واضحة للحكومة بأهمية تصحيح مسارها الذي يجب أن يكون متوافقاً مع شعارات الثورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر أن الحكومة الانتقالية قطعت شوطاً طويلاً في تحقيق عدد من الاختراقات المهمة في الجوانب المتعلقة بالسياسة الخارجية والعلاقات مع مؤسسات التمويل والبنوك الخارجية، وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن المشكلة التي تقف حجر عثرة في طريق الانتقالية هو ما صاحب الوثيقة الدستورية من ثغرات وعيوب عمقت الخلافات بين المكوّنين العسكري والمدني، بسبب عدم التوافق على كثير من السياسات والقضايا.
ويلفت عبد العاطي إلى أن الكرة في ملعب رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، وقائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، اللذين يساندان اعتصام القصر. ويأمل بأن يعيدا النظر في موقفيهما وبأن تبتعد الأطراف كافة عن التصعيد، لأن أي حل آخر سيؤدي إلى إضراب عام وعصيان مفتوح.
أسوأ السيناريوهات
وكان السودانيون يتوقعون حدوث أسوأ السيناريوهات، بالنظر إلى أنهم أمام اختبار خروج موكبين في العاصمة الخرطوم يلتقيان في التوقيت والمسرح، ويختلفان في الشعارات.
واختار الجانبان 21 أكتوبر كونه ذكرى ثورة 1964 التي أطاحت حكومة إبراهيم عبود الرئيس الأول الذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري، في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958.
ويعيش السودان منذ أكثر من شهر أزمة سياسية حادة على أثر خلافات بين الشقين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، إضافة إلى الخلافات التي شهدها المكون المدني في الحكومة، إذ انفصلت مجموعة عن قوى الحرية والتغيير ووقعت ميثاقاً سمته ميثاق قوى الحرية والتغيير.
وعلى أثر تلك الخلافات السياسية انتظمت، منذ السبت الماضي مجموعة منشقة من قوى الحرية والتغيير تضم حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، الذي يتولى حالياً وزارة المالية، وحركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي الحاكم الحالي لإقليم دارفور، إضافة إلى عناصر وتنظيمات وأحزاب كانت موالية لنظام المؤتمر الوطني الذي أطاحته ثورة أبريل (نيسان) 2019، اعتصاماً أمام القصر الجمهوري في الخرطوم، مطالبة بتسليم السلطة إلى القوات المسلحة، وحل حكومة حمدوك وتشكيل حكومة جديدة من الكفاءات.