Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقرير كورونا أظهر للحكومة البريطانية مدى الحاجة لتمويل الرعاية الصحية

لطالما تجاهل الوزراء نغمة "الموارد" التي رددها كل قطاع الصحة والرعاية الصحية، لكنهم مضطرون الآن للإصغاء إليها

تحتاج هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" إلى مزيد من الدعم حاضراً ومستقبلاً (أ ف ب)

في خطاب ألقاه أمام مجلس العموم سنة 1948، أورد ونستون تشرشل جملته الشهيرة التي استعارها من الفيلسوف الأميركي جورج سانتايانا، "أولئك الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم تكراره". وبالنظر إلى العدد الكبير من المرات التي أخطأ فيها الناس (برأيي) في الإشارة إلى الحرب العالمية الثانية خلال جائحة "كوفيد- 19"، يدهشني ألا يكون عدد أكبر منهم قد ذكر ونستون تشرشل، عند قراءة تقرير "فيروس كورونا: الدروس المستفادة حتى الآن".

لن يتفاجأ معظم الناس بنتائج التقرير الحكومي الأخير ومفادها أن تتعاطى بشكل أفضل مع الجائحة وبالتالي، تفادي خسائر في الأرواح. وتعطي قراءة التقرير المطوّل والمفصّل في 150 صفحة شعوراً بالكآبة، بعد الاطلاع على فرص إبطاء مسيرة الإصابات، التي كان مصيرها التجاهل أو الرفض. وفي المقابل، ثمة ما يلفتني بشكل خاص هو الخلاصة، بما تحمله من نغمة مألوفة للغاية ومفادها أنّ نقص الموارد والعاملين والدعم يخلّف تبعات كارثية في معظم القطاعات.

ومنذ سنوات، رددت تلك النغمة أجهزة خدمات الصحة والرعاية الاجتماعية. إذ استماتت كي تلفت الانتباه وتنشر لازمتها غير الجذابة عن أنّ "نقص الموارد في الصحة والرعاية الاجتماعية يزيد التباين الصحي ويتسبب في ظلم صحّي ونتائج سيئة على الصعيد الصحي في مجتمعنا". وبدل أن تستمع حكومتنا إلى تلك اللازمة، تجاهلتها طيلة العقد الماضي، ولم تبدِ أي استعداد لأن تسمع عن الآثار التي تخلّفها الاقتطاعات المالية في قطاعي الصحة والرعاية الاجتماعية، على صحة بلدنا. واستطراداً، يعرض التقرير 77 خلاصة وتوصية. ويتكفل الرقم بأن يوحي لكم أن كثيراً من الأمور سارت بشكل سيء، وعدداً كبيراً من الخطوات الناقصة أوصلتنا إلى هذا الحال. في المقابل، بعد قراءة التقرير، يتّضح أنّ الخلاصات والتوصيات الـ77 بأكملها تحمل ثلاثة رسائل لحكومتنا. إذا أعدتُ صياغة أكثر جملة مستخدمة في منزلي، سأقول إنّ أحدهم في رئاسة الوزراء لم يستخدم أذنيّ الإصغاء. ولكن، بروحية الدروس المستفادة، سوف أعرض هذه الرسائل الأساسية مجدداً.

أولاً، كفّوا عن التقصير في تمويل الصحة والرعاية الصحية. أظهرت لنا جائحة كورونا ما الذي يحدث حين يفتقر نظامنا إلى السعة الكافية في تقديم الرعاية لكل من يحتاجها، ومع ذلك، لم تكن حتى كارثة عالمية كافية كي تُتّخذ الإجراءات الجذرية الضرورية. وتتوقّع "مؤسسة الصحة" أنّ بلوغ نقطة الاستقرار فحسب، بمعنى أن يستطيع النظام تلبية الطلب المستقبلي وتحسين الوصول إلى الرعاية، يحتاج إلى زيادة الإنفاق على الصحة والرعاية الصحية بما يعادل 4 مليارات جنيه في العامين 2022 و 2023 وحدهما. وفي يومٍ طلبت فيه "الكلية الملكية للأطباء"، إضافة إلى مقدمي الرعاية، المساعدة من أجل سدّ نقص اليد العاملة، تجدر بنا الإشارة إلى أنّ مبلغ الـ8 مليارات جنيه الإضافي الذي نصحت به "مؤسسة الصحة" لا يأخذ بالحسبان حتّى زيادة أجور الموظفين من أجل استقطاب مزيد من الأطباء والممرضين وموظفي الرعاية. فمن أجل تغطية هذه التكاليف، سنحتاج إلى مبلغ يقارب 15 مليار جنيه. ومرّة اخرى، يغطي ذلك المبلغ العامين 2022 و2023 وحدهما. وبالتالي، إن تجاهُل هذا القصور يساوي إغفال ما تعلّمناه خلال الأشهر الـ18 الماضية، ويعني أننا نضرّ بصحة بلدنا عبر التقصير في تمويل خدماته الحيوية.

ثانياً، من واجبنا التعامل مع عدم المساواة والظلم في قطاع الصحة على أنها مخاطر حقيقية تهدد بلادنا. كشفت الجائحة الطرق القاسية التي تجعل من مكان سكننا وعملنا ومدارسنا وحتى عرقنا، عوامل تخلّف تأثيراً ضخماً على صحتنا كأفراد. فيما يبدأ المستقبل الذي يصبح فيه من الأسهل إدارة فيروس كورونا، فمن الضروري جداً أن نعيد بناء بلد يقلّص عدم المساواة والظلم الصحي بشكل كبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى نحوٍ مشابِه، أظهرت تقارير عدّة في سنة 2021 وحدها، أن جهود "إعادة ضبط" هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" وإعادة التأسيس "بشكل أفضل"، يجب ألا تأتي على حساب أكثر الناس حرماناً في بلادنا. وعوضاً عن ذلك، علينا إعادة التأسيس بشكل أكثر عدلاً، وبناء آليات تهدم العقبات الموجودة أمام الصحة الجيدة وتؤسّس خدمات يسهل الوصول إليها وتحظى بتمويل جيد وفيها كفاءة ثقافية عالية من أجل تعزيز ودعم الصحة الجيدة لجميع سكان هذه البلاد.

وأخيراً، حان وقت التخطيط للمستقبل. لقد سلّط التقرير الضوء على الطريقة التي أدت فيها مقاربة الحكومة الضيقة الأفق والمتخلّفة خلال السنوات العشر الماضية، إلى تحقيق المملكة المتحدة إحدى أسوأ النتائج في أوروبا [بمواجهة جائحة كورونا]، ومستقبل قد يكون من أشد قتامة بعد الجائحة. وإذ ننظر قدماً إلى العام 2022، نرى المملكة المتحدة تواجه جائحة مستمرّة وآثار متواصلة متأتية من بريكست وضبابية المستقبل الاقتصادي. وبالتالي، سيكون من المغري الاستمرار في مكافحة النيران من دون اتخاذ كل الخطوات الضرورية لمنع اشتعالها في المستقبل. ولكن، لقد حان الوقت كي نفكّر في أحسن طريقة في تفادي تعريض شعب يكبر في السن ويمرض، للعلاج في نظام صحي ونظام رعاية اجتماعية يعانيان، وليس فيهما طواقم كافية ولا يحظيان بتمويل مناسب.

واستطراداً، جاء في ختام التقرير "علينا الحرص على أن تتعلم المملكة المتحدة من تجربتها مع "كوفيد- 19" ولا تكرّر أخطاء الماضي في المستقبل". إن ذلك جيد، لكن تجربتنا مع الجائحة في هذا البلد جاءت على هذا الشكل لأننا واصلنا تكرار أخطاء الماضي والتقصير في تمويل الخدمات الأساسية التي تُحافظ على صحة بلادنا.

إن ذلك ليس قدراً محتوماً. إذ نستطيع اختيار أن نتعلّم ونسير قدماً ونعيد بناء بريطانيا بشكل أفضل من اليوم. وبالتالي، ليس من الضروري أن يعيد التاريخ نفسه.

* الدكتورة أليكسيس باتون مُحاضرة في علم الأوبئة الاجتماعية وعلم الاجتماع الصحي والمديرة المشاركة في "مركز الصحة والمجتمع" في جامعة أستون. وكذلك تشغل الدكتورة باتون منصب رئيسة "لجنة الشؤون الأخلاقية في الطب"، ضمن "الكلية الملكية للأطباء"، إضافة إلى كونها من أمناء "معهد أخلاقيات مهنة الطب".

© The Independent

المزيد من آراء