Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البطالة في العراق آفة مزمنة ومعاناة مستمرة

عوامل عدة أدت إلى تفاقمها لا سيما دخول الجماعات الإرهابية وانخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا

تسبب كورونا وارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي في إضعاف القدرة الشرائية لكثير من المواطنين (اندبندنت عربية)

أدت الظروف الصعبة التي عاشها العراق خلال السنين الماضية إلى زيادة نسبة البطالة في بلد غني بالنفط وبموارده الطبيعية، وتنتشر هذه الآفة لدى فئة الشباب بشكل كبير جداً، نتيجة الفساد وغياب التخطيط والرؤية، في موازاة ازدياد أعداد الخريجين، وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في بلاد الرافدين.

أوضاع صعبة

وتسببت جائحة كورونا وارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي في إضعاف القدرة الشرائية لكثيرين من المواطنين.

ويبحث الشاب العراقي مهيمن محمد عن فرصة عمل بعد أن تسبب فيروس كورونا في خسارة عمله في أحد محال بيع الملابس في منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد، "الوضع في العراق أصبح صعباً جداً، البلد يفتقر إلى التخطيط والبناء الصحيح، إضافة إلى تفشي وباء كورونا، وارتفاع الدولار الذي أضر بنا نحن الطبقة الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود".

ولا يختلف حال محمد عن حال كثيرين من الشباب العراقي الذين فقدوا وظائفهم، ودفعهم إلى التفكير في الهجرة.

نسبة البطالة 14 في المئة

والشهر الماضي، حددت وزارة التخطيط، نسبة وأسباب البطالة في العراق خلال العام الماضي، وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح صحافي، إن "زيادة نسبة البطالة في العراق جاءت بسبب الظروف التي مر بها العراق خلال عام 2014"، مشيراً إلى أن "البلد مر بصعوبات متعددة بدأت بدخول الجماعات الإرهابية وما رافقها من انخفاض أسعار النفط أدى إلى توقف كثير من المشاريع، إضافة الى جائحة كورونا التي أدت الى انكماش اقتصادي وإغلاق كثير من الفعاليات الاقتصادية، ما ولَّد البطالة لدى الشباب، وتابع الهنداوي، "وزارة التخطيط نفذت مسحاً لثلاث محافظات (بغداد والبصرة ونينوى) للوقوف على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي رسم السياسات التنموية المناسبة لتوفير الدعم وخلق ظروف أفضل لتلك المؤسسات"، مشيراً إلى أن "نسبة البطالة المتوفرة لدى الوزارة لعام 2020 تصل إلى 14 في المئة وتحديداً 13.8 في المئة".

وأوضح الهنداوي أن "هذه النسبة تتباين من محافظة إلى أخرى بحسب الوضع الاقتصادي والظروف التي تمر بها المحافظة"، لافتاً إلى أن "وزارة التخطيط تعمل على مسح جديد لمعرفة مؤشرات البطالة، وأهمية المسح تكمن في رسم صورة واقعية ودقيقة عن واقع المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وهذه المؤسسات تعمل فيها أعداد غير قليلة من الشباب ونتحدث عن مليون شاب وشابة"، وذلك يساعدنا في رسم سياساتنا المستقبلية لتوفير الإجراءات والسياسات لوضع الحلول".

البطالة والفقر

وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، "لم تقل البطالة عن مرتبتين عشريتين في بلادنا على مدى السنوات الـ20 الماضية، إذ تقترب نسبة من هم في عمر الشباب من العاملين (أي دون سن 35 عاماً نزولاً لعمر 15 عاماً) قرابة 60 في المئة من سكان البلاد، في وقت يزداد سكان العراق سنوياً بنحو مليون نسمة صعوداً، كما يضاف إلى سوق العمل نحو 450 ألف فرصة عمل سنوياً"، وأضاف صالح، "أكثر المستويات التي انخفضت فيها البطالة في السنوات الماضية، (وأقصد الراغبين بالعمل والقادرين عليه) كان عام 2012، عندما ازداد التوظيف الحكومي بشكل أفقي بسبب تعاظم عائدات النفط، وهبطت البطالة حينها  من 16 في المئة إلى قرابة 10 في المئة، وعلى الرغم من ذلك، لم تهبط البطالة إلى حاجز المرتبة العشرية الواحدة (كأن تكون 3 - 6 في المئة من إجمالي قوة العمل)، ولغاية اليوم، تقدر مستويات البطالة الحالية بنحو 23 في المئة".

وتابع مستشار رئيس الوزراء العراقي، "ترتبط البطالة بالفقر ارتباطاً قوياً، فالدخل الناجم عن العمل مصدر الثروة والرفاهية وعكسه يعني تدني مستويات المعيشة، فمستوى الفقر البالغ 30 في المئة في الوقت الحاضر تقابله مستويات بطالة لم تقل عن 23 في المئة من إجمالي القوة العاملة، وحتى هذه اللحظة، يشكل التكافل العائلي الخط الآمن غير المرئي للدخل البديل، فالرواتب والمعاشات التقاعدية والمنح شهرية تغطي ثمانية ملايين نسمة (بافتراض أن الراتب الشهري بموجب نظام الإعالة يغطي احتياجات خمسة أفراد من الأسرة الواحدة)، وهذا يعني أن دخلاً بديلاً يساعد من لا دخل لهم، ولكن لوحظ أن هناك مليوني أسرة على الأقل، لا يوجد من بين أفرادها من يحظى بدخل حكومي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار صالح إلى أن "التوظيف الحكومي أصبح في حالة إشباع ولم يكن بديلاً عن سوق العمل المتنامية التي تضم اليوم قرابة ثمانية ملايين نسمة، والتي تعتمد على دور النشاط الخاص في النمو الاقتصادي، وربما أن أفضل السيناريوهات الاقتصادية المتاحة الانفتاح الحكومي في منح القروض الميسرة للقطاع الخاص شرط أن يرتبط القرض بضمان تشغيل عدد من العاملين في سوق العمل أي استدامة التشغيل والتشغيل الجديد، ولكن هذا الأمر يشترط أيضاً توافر قاعدة بيانات دقيقة عن قوى العرض والطلب في سوق العمل"، وختم قائلاً، "البلاد بحاجة إلى رقم وطني للعاملين لتتبع فرص التشغيل وحصر حالات البطالة وحركة قوة العمل، وهي مهمة إحصائية وتخطيطية مشتركة بين وزارتي التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية تمهيداً لحوكمة سوق العمل والسعي لإيجاد فرص العمل في القطاع الخاص والتقليل من البطالة".

قنبلة موقوتة

ووصف الخبير في الاقتصاد الدولي نوار السعدي "مشكلة البطالة بـ(القنبلة الموقوتة) إذ تصل نسبة البطالة في العراق اليوم إلى 40 في المئة، البطالة تعني جوع أسر بأكملها، البطالة تعني ألا يذهب الأبناء إلى المدارس، وما يثير القلق والغضب أيضاً، إغفال الحكومة لمعدلات البطالة المتصاعدة، إذ إن معدل نمو السكان والأعداد الهائلة من الخريجين سنوياً تضيف باستمرار آلافاً لجيش البطالة، لنفترض أن هناك 250 ألف شخص يضافون سنوياً لقوى العمل المتراكمة، وأن ما تطرحه الحكومة من درجات وظيفية لا تتجاوز 5000 في السنوات الأخيرة، هل يعني ذلك أن الحل في توفير درجات وظيفية حكومية؟ الجواب قطعاً كلا ولأسباب عدة، أهمها تخمة دوائر الدولة بالموظفين الحكوميين، إذ فاق العدد الإجمالي خمسة ملايين موظف".

الحلول؟

وعن الحلول الممكنة، أجاب السعدي أن "معالجة مشكلة البطالة ليست بالأمر المستحيل في بلد نفطي غني بالموارد والإمكانات الاقتصادية، لكن شرط توفر الإرادة الوطنية والتخطيط الصحيح، وهذه العوامل للأسف مفقودة في الحكومات العراقية المتعاقبة، ومع ذلك، قد تدفع الضغوط الأخيرة الحكومة الحالية إلى التفتيش عن حلول جديدة لمعالجة مشكلة البطالة بأبعادها المختلفة، ومن تلك الحلول فتح مكاتب العمل في كل المحافظات، والهدف إحصائيات دقيقة، حتى يكون لدى الحكومة تصور دقيق عن هؤلاء العاطلين عن العمل لمعرفة أي قطاع عمل يجب فتحه، وإعادة النظر بالنظام التعليمي في العراق، ومتطلبات سوق العمل، والحد من تدفق المنتوجات المستوردة التي أدت إلى إقفال كثير من المصانع الوطنية".

وشدد الخبير في الاقتصاد الدولي على ضرورة "تركيز الحكومات على مشاريع البنى التحتية لدورها في تعجيل البناء والإعمار، وضبط التدفق الكبير من العمالة الأجنبية من خلال التشريعات القانونية والضوابط الإدارية، ومعالجة قانون الضمان الاجتماعي، والحماية الاجتماعية والرعاية الصحية، وتفعيل برامج التدريب والتأهيل للعاطلين عن العمل، وتوفير قروض لتأسيس المشاريع المتوسطة والصغيرة، أو منح العاطلين عن العمل قروضاً عبر تفعيل مبادرة البنك المركزي لإقراض الشباب".