Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ورقة الكاظمي البيضاء لإصلاح الاقتصاد العراقي تواجه تحدي نفوذ الميليشيات

قرب انتهاء ولاية الحكومة الحالية والفساد المستشري في إدارات الدولة أبرز العوامل المعرقلة

أعلن الكاظمي بدء تنفيذ بنود "الورقة البيضاء" على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها (أ ف ب)

بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بدء تطبيق آليات خطة الإصلاح الاقتصادي أو ما بات يُطلق عليه اسم "الورقة البيضاء"، تتزايد التساؤلات بشأن إمكانية إجراء إصلاحات حقيقية للأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ويبدو أن التحديات التي قد تواجه إجراء الإصلاح الاقتصادي ليست سهلة، إذ تواجه الحكومة العراقية مشكلات كبيرة ترتبط بالفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وتوسع نفوذ الأحزاب والميليشيات على مفاصل اقتصادية عدة، ما يقوض إمكانية إجراء أي إصلاحات اقتصادية.

بدء تطبيق "الورقة البيضاء"

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه أي مشاريع للإصلاح الاقتصادي، أعلن الكاظمي بدء تنفيذ بنود "الورقة البيضاء"، الأمر الذي أعاد التساؤلات مرة أخرى عن مدى فاعليتها في تطبيق إصلاحات حقيقية. وقال الكاظمي خلال ترؤسه اجتماع اللجنة العليا للإصلاح، "منذ أن أطلقنا الورقة البيضاء الإصلاحية لمعالجة الفساد المتفشي بالبلد ونحن نعمل على خلق جو مناسب لتطبيقها". وأضاف وفقاً لبيان صادر عن مكتبه، "اجتماعنا اليوم هو للإعلان عن بدء تطبيق الآليات الإدارية والتنفيذية لخطة الإصلاح الاقتصادي ضمن الورقة البيضاء"، مردفاً "نطمح وبقوة إلى إعادة اقتصاد البلد إلى قوته بعد أن وصل به الحال إلى مستويات متدنية جداً نتيجة الفساد المستشري". وأشار إلى أن "من شأن هذه الخطة إعادة بناء الاقتصاد العراقي بنحو سليم، يحقق التنمية المستدامة للبلاد. وخطة الإصلاح ستقدم حلاً لأزمة إدارة الاقتصاد المزمنة، التي تتمثل في الاعتماد الكامل على النفط، وعدم تنويع مصادر الدخل".
وتابع الكاظمي "نريد أن نثبت للعراقيين أننا جادون في الإصلاح، لذلك لم تكن خطة إدارة الاقتصاد قصيرة الأمد، ولا آنية الحل، بل تستهدف إصلاحاً متكاملاً لحين إتمامها خلال 5 سنوات".
ولفت إلى أن "الضرر في الاقتصاد العراقي كبير جداً، ولهذا السبب يستحيل تطبيق الخطة الإصلاحية في وقت قصير، وكل من يعد بذلك فهو واهم".

مظلة سياسية معرقلة

وعلى الرغم من احتواء "الورقة البيضاء" على برنامج لإصلاح الاقتصاد العراقي، فإن متخصصين في الاقتصاد قللوا من إمكانية تطبيقها بسبب الإشكالات الهيكلية في بنية الإدارة الاقتصادية للبلاد، فضلاً عن تفشي الفساد وسطوة الأحزاب على القرار الاقتصادي.
في السياق، قال المدير العام السابق للعمليات المالية في البنك المركزي العراقي، محمود داغر، إن "الورقة البيضاء تصف وتقترح حلولاً لا بد منها لتغيير الاختلال الهيكلي في الاقتصاد العراقي، خصوصاً وأنها تركز على مبدأ تنويع الاقتصاد بدل الاعتماد الكلي على النفط".
لكن الإشكالية في الورقة البيضاء، بحسب داغر، ترتبط بعدم تضمنها "إجراءات وسياسات للوصول إلى تلك الحلول بموجب الواقع العراقي"، مبيناً أن "البنك الدولي وصندوق النقد فضلاً عن متخصصين عراقيين كثر لطالما أوضحوا أن الإشكالية الرئيسة تتعلق بآلية إدارة الموارد في الاقتصاد العراقي".
وأشار داغر إلى أن "المشاكل المتعلقة بإدارة الاقتصاد في البلاد تسببها المظلة السياسية غير الكفوءة المبنية على أساس المحاصصة وتقاسم المغانم، ومنع أي تقدم في السياق الاقتصادي"، مضيفاً أنه "في ظل الوضع السياسي القائم لا يمكن حل تلك الإشكالية".
ولعل الإشكالية الأخرى ترتبط بكون الأشهر المتبقية من عمر حكومة الكاظمي غير كافية لإجراء أي إصلاحات، إذ اعتبر داغر أن "عدم وجود وجود تكامل في المشاريع الاقتصادية بين الحكومات المتعاقبة سيعرقل تمرير أي مشاريع اقتصادية". وختم قائلاً إن "الإصلاحات النظرية في الورقة البيضاء ستصطدم عند محاولة تطبيقها، بالإدارة السيئة والمحاصصة التي تعيق إمكانية استمرار الخطط الاقتصادية في البلاد"، لافتاً إلى أنه "لا تغيير في الاقتصاد العراقي إلا بتغيير منظومة إدارة السياسة الاقتصادية للبلاد، من منظومة حزبية لتبادل المنافع إلى نظام تحفيز اقتصادي يديره متخصصون بعيداً عن مصالح الأحزاب السياسية".

3 أهداف للورقة البيضاء

ويرى مسؤولون ومتابعون للشأن الاقتصادي أن الورقة البيضاء تمثل برنامجاً إصلاحياً يهدف إلى تطوير القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على الدولة وتحفيز الإنتاج في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة.

في المقابل، قال المستشار الاقتصادي للكاظمي، علاء عبد الحسين، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية، إن "الحكومة تشعر بجسامة المسؤولية الملقاة على عاقتها، ورئيس الوزراء أكد أن هذا البرنامج الذي وضعته الحكومة الحالية لن يختص بعملها فقط بقدر ما يختص بعمل الدولة واقتصادها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح أن "البرنامج يستهدف ثلاث نقاط، هي تحقيق الإصلاح الاقتصادي وتصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية من خلال جعل الاقتصاد قادراً على خلق الوظائف والتنمية المستدامة، التي تنعكس إيجاباً على مختلف أبناء الشعب العراقي".
ويعتقد مراقبون أن أحد أكبر التحديات التي ستواجه تنفيذ إصلاحات الورقة البيضاء، هو تفاعل القوى السياسية معها، خصوصاً وأنها قد تتسبب بضرب مصالح قوى سياسية "مستفيدة من الفساد".

اقتصاد فاقد للهوية

وتقف عراقيل في طريق إمكانية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، حيث رأى باحثون اقتصاديون أنها لم تقدم معالجات مجدية بما يتعلق بكيفيات مكافحة الفساد أو إنهاء سطوة الأحزاب والميليشيات على مؤسسات الدولة، فضلاً عن "عدم فهمها للمتغيرات الاقتصادية التي طرأت على البلاد".
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي، رمضان البدران، أن "التأسيس لخطط اقتصادية سليمة يتطلب في البداية فهماً للمتغيرات الكبيرة التي طرأت على الاقتصاد العراقي خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي لم تتم دراسته من قبل الفاعلين السياسيين عند محاولاتهم وضع خطط تهدف لإنعاش اقتصاد البلاد من بينها الورقة البيضاء".
وأوضح أن واحدة من أبرز الإشكالات التي تواجه الخطط الاقتصادية منذ عام 2003 وحتى الآن تتعلق بـ"فقدان الاقتصاد العراقي لهوية واضحة، حيث لم يكتمل الانتقال من الاقتصاد المركزي الاشتراكي إلى الاقتصاد الحر"، مبيناً أن هذا الأمر، "لا يؤخذ بعين الاعتبار من قبل القائمين على بناء الخطط الاقتصادية في البلاد".

ولا تُعد عبارة "تقليل الاعتماد على النفط" جديدة عند الحديث عن الإصلاحات الاقتصادية، وفق البدران الذي عبر عن اعتقاده بأن "الإشكالية تتعلق بعدم فاعلية الخطط التي يتم وضعها لتحفيز تلك النقلة في الاقتصاد العراقي، وعدم دراسة الأسباب السياسية والاجتماعية التي تعرقل هذا الانتقال".

نظرة حالمة

ويبدو أن وضع إطار زمني طويل لتنفيذ بنود "الورقة البيضاء" قلل من أهميتها لدى المهتمين بالشأن الاقتصادي، إذ تعتمد استراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد يستغرق تطبيقها بين 3 و5 سنوات.
ووصف البدران الورقة البيضاء بأنها "تمثل نظرة حالمة أكثر من كونها برنامجاً حقيقياً لإصلاح الاقتصاد العراقي"، لافتاً إلى أن الغاية من طرحها تتعلق بـ"محاولة رئيس الوزراء إنهاء دورته بنوع من الإنجاز على الورق لا أكثر".
ولعل ما يحفز تلك الآراء التشاؤمية حول الورقة البيضاء، هو قرب انتهاء ولاية الكاظمي، وعدم وجود تكامل في البرامج الاقتصادية في البلاد، بحسب البدران الذي أشار أيضاً إلى أن "العراق لم ينجح في تطبيق خطة خمسية واحدة منذ عام 2003 وحتى الآن". وعزا أسباب عدم نجاح الخطط السابقة إلى "عدم وجود فريق مستمر لمتابعة تنفيذ الخطط، واحتكار القرار الاقتصادي بيد الفاعلين السياسيين ومنظومات الفساد". إضافة إلى العوامل الاقتصادية والسياسية، تبرز الميليشيات المسلحة كتحدٍ آخر ربما يسهم في عرقلة أي إصلاحات اقتصادية، خصوصاً وأنها باتت ذات نفوذ كبير على مفاصل اقتصادية عدة في البلاد.

وختم بالقول إن "الميليشيات تود تغيير علاقات العراق الاقتصادية وتُدخل البلاد في شراكات مالية مع دول معينة، ومن لا يستطيع هدم تلك الشراكات المالية وحصرها بالدولة لن يتمكن من تطبيق أي إجراءات اقتصادية ناجحة".
وجاءت الورقة البيضاء في ظل أزمة اقتصادية خانقة عاشتها البلاد خلال العام الماضي، نتيجة انخفاض أسعار النفط وانعكاسات انتشار فيروس "كورونا"، حيث أقرتها الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
وتركز الورقة البيضاء أساساً على معالجة الهدر المالي وإصلاح قطاعات النفط والكهرباء والصناعة وغيرها، فضلاً عن تقليل الاعتماد على النفط كمورد أساس للاقتصاد العراقي.