Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسائل السيستاني للمشاركة في الانتخابات بين الترحيب ودعوات المقاطعة

لاحظ مراقبون عراقيون لبيانات المرجعية خلوها من الدعوة السابقة "المجرب لا يُجربْ"

لا يرسل السيستاني خطابات بصوته بل رسائل ينقلها ممثلو المرجعية في النجف وكربلاء (أ ف ب)

يوصَف علي السيستاني المرجع الأعلى للشيعة في العراق، عند الحديث عنه وإيراد اسمه من اتباعه، بـ"دام ظله"، وحين يموت أي مرجع يقولون "قدس الله سره"، وهناك عشرات الألقاب والأوصاف التي تُسبغ على الشخصيات المرجعية التي يتبعها المريدون، فحين يصرّح المرجع أو يصدر بياناً عن مكتبه ممهوراً بختمه يصبح ذلك ملزماً للمريدين والأتباع، وهو يصل حد القداسة في العرف الشيعي.

السيستاني المرجع الصبور الصامت

علي السيستاني (نسبة إلى مدينة سيستان الإيرانية) رجل دين استثنائي في تاريخ الشيعة العراقيين، ومن الذين مارسوا زعامة المرجعية الشيعية في ظروف غير مسبوقة، فهو على مدى ربع قرن عاصف في تاريخ العراق شهد الحصار وسقوط النظام واحتلال عاصمة العراق التي بناها أبو جعفر المنصور ثالث خلفاء العباسيين ومؤسس إمبراطوريتهم، ليصل حفيده هارون الرشيد الذي قال من بغداد مخاطباً الغيمة "أينما تمطرين فإن خراجك لي". والمرجع السيستاني شهد هذا الحدث العاصف بثبات ولم يغادر البلاد إلا مرة واحدة للعلاج في لندن. يصفه العراقيون بالرجل الصبور الصامت، إلا حين يكون الكلام من ذهب في تحولات العراق والمنطقة الكبرى، لكنه دأب أن ينحو منحى الصمت الأبلغ في التعامل مع التُّبع والمريدين، على الرغم من مرور أعتى عواصف السياسة، من موضع إقامته في النجف.
ويقال إنه لم يقابل في حياته الحاكم المدني الأميركي بول بريمر الذي ظل يحترم صمت الرجل وسطوته، واعتبره السيستاني غازياً للبلاد لا يقبله محاوراً، أو أنه أمر واقع كما يؤكد كبار ملازميه أبرزهم ولده وأمين سره، السيد محمد رضا، الذي انتهج سياسة أبيه مع محيطه العراقي، وظل حريصاً على أن يدير شؤون الطائفة والبلاد من بيته المتواضع في النجف، هكذا يصفه العراقيون القلة ممَن قابلوه.

السيستاني لا يرسل خطابات بصوته بل رسائل ينقلها ممثلو المرجعية في النجف وكربلاء المقدستين عند الطائفة الشيعية، ومن النادر أن يتدخل بالانتخابات التي سبق وأرادها مبكرة بعد أحداث أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وتظاهراتها التي أسقطت حكومة عادل عبد المهدي قبيل مرور مدتها القانونية، وجيء بالسيد مصطفى الكاظمي بالتعيين وموافقة الرئاسات الثلاثة في الدولة العراقية. وطالب السياسيين بتطبيق شعار "المجرب لا يُجربْ" الذي فسره كثيرون وفق أهوائهم .

سأله الشيعة: ما مصلحتنا في الانتخابات المقبلة؟

في الـ29 من سبتمبر (أيلول) 2021، وجّه المرجع الأعلى للشيعة في العراق علي السيستاني رسالة تجيب عن تساؤلات كثيرة وجهت إليه، كما أكد بيانه، حول "موقف المرجعية الدينية العليا بشأن المشاركة في هذه الانتخابات"، مع اقتراب موعدها في العاشر من أكتوبر المقبل. طالبوه بالإجابة عن سؤال واحد "ما المصلحة جراء المشاركة في الانتخابات المبكرة؟". وجاءت إجابة السيستاني كالتالي "نشجع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات المقبلة، حتى وإن كانت لا تخلو من النواقص، لكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل أفضل مما مضى، فبها يتفادى المجتمع الفوضى والانسداد السياسي". وذكر بيان السيستاني الذي عُمم على الجميع، أن "على الناخبين أن يأخذوا العبرة والدروس من التجارب الماضية، ويعوا قيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، ليستغلوا الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة". غير أن بيان مرجعية النجف أراد أن يسحب البساط من ادعاء بعض السياسيين الذين يشيعون بأنهم يحظون بدعمها، كي يستميلوا الجمهور الشيعي الذي يشكل أغلبية الجمهور العراقي، بنسبة تزيد على 60 في المئة، فحرصت على التأكيد أنها "لا تساند أي مرشح أو قائمة انتخابية على الإطلاق، وأن الأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم"، بل طالب السيستاني مواطنيه بأن "عليهم أن يدقّقوا في سير المرشحين وفي دوائرهم الانتخابية ولا ينتخبوا منهم إلا الصالح النزيه والحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره".

قادة وبرلمانيون يثنون على بيان المرجعية

وانعكس بيان السيستاني على الشارع، لا سيما تأكيده عدم دعم أحد من الساسة والقوائم، فوصف الرئيس العراقي، برهم صالح، توجيهات المرجع بأنها "موقف وطني حريص في ظرف دقيق لحماية الوطن والانتصار للمواطن، بضرورة ضمان الإرادة الحرة للعراقيين والمشاركة الواسعة، من أجل إصلاح مكامن الخلل في منظومة الحكم والانطلاق نحو الإصلاح المنشود"، في وقت وصف رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بيان المرجعية بأنه أتى "بمضامين وطنية وإنسانية عالية"، وأكد "التزام مؤسسات الدولة بحماية العملية الانتخابية ودعوة المرشحين إلى الالتزام بالقانون والضوابط والناخبين إلى المشاركة الواسعة وحُسن الاختيار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى عضو البرلمان العراقي، المرشح المستقل المحتمل لرئاسة الحكومة، محمد شياع السوداني، أن دعوة المرجعية "وضعت الشعب العراقي أمام مسؤوليته الشرعية والتاريخية والأخلاقية، لأن الاختيار الواعي يشكل فرصة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هي السبيل الوحيد لتحقيق التغيير والإصلاح المنشود".
وأبدى السياسي المستقل، النائب السابق عزة الشابندر، الذي يوصَف بأنه معترض على سير العملية السياسية من داخلها، تأييداً لما ورد في بيان المرجعية بقوله إن "المرجعية الدينية العليا وبلاغة بيانها في الحث على المشاركة في انتخابات تشرين وضعت النقاط على الأحرف المفقودة، وأصبحت الطريق سالكة نحو الأصلح، والعاقل يفهم".
ووصف حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، رئيس "ائتلاف النصر"، وصايا المرجعية بأنها تأكيد "لضرورة المشاركة في الانتخابات لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة، وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة، مع ضرورة التدقيق في سيَر المرشحين في دوائرهم الانتخابية".

جمهور احتجاجات تشرين يقاطع 

لكن كل هذه الدعوات والتأكيدات والمطالبات بمساندة الانتخابات لم تثنِ جمهور المحتجين عن التمسك بالدعوة إلى المقاطعة، والتأكيد أن تلك الانتخابات لن تكون خلاصاً وطنياً للأوضاع السائدة في البلد، بسبب وجود الفاسدين وسارقي المال العام أنفسهم في السلطة، ومعاودة ترشيح 186 برلمانياً حالياً متمسكين بالترشح مرة أخرى، وبعضهم بات مزمناً في الوجود في البرلمان، الذي يصفه العراقيون بأنه "بيت المحاصصة الفاسدة". ولاحظ مراقبون لبيانات المرجعية خلوها من الدعوة السابقة "المجرب لا يُجربْ"، ما دعا الكاتب النجفي، بدر الدين كاشف الغطاء، إلى القول إن "مرشحي هذه الانتخابات، أحزاباً وشخصيات، هم ذات الفئة الباغية التي دمرت العراق أرضاً وشعباً، وأن الانتخابات ستكون مزورة سلفاً أسوةً بالانتخابات السابقة. كما أن شراء بطاقات الناخبين وتزوير النتائج وتقاسم المناصب يجري علناً قبل أن تجري الانتخابات". وتوقع كاشف الغطاء أن "العراقيين سيقاطعون الانتخابات وسيجري تزوير الأرقام والنتائج".
يُذكر أن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، كان وصف الدورة الحالية للبرلمان بأنها لم تكن مستوفية شروطها الدولية ولم تصل نسبة المشاركين فيها إلى ‎18في المئة، مؤكداً تقديمه شكوى رسمية بذلك وقتها، لكنه أدرك أخيراً بأنه سيتسبب بحرب أهلية كما قال في حوار متلفز أثار تعجب كثيرين ودهشتهم لسكوته ثلاث سنوات ليطلق مثل هذا التصريح علناً.

المزيد من العالم العربي