Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخرطوم تعلن الحرب على الفساد بمفوضية واسعة السلطات

لا تستثني صلاحياتها أياً من أجهزة الدولة في كل مستويات الحكم

 مبنى وزارة العدل السودانية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ظلت الحرب على الفساد بعد سقوط نظام عمر البشير معلنة من دون هوادة، بحثاً عن الأموال والممتلكات العامة المنهوبة، وسعت لجنة تفكيك نظام 30 يونيو (حزيران) 1989، بكل الجهد لملاحقة كل ضروب الفساد في تلك الحقبة، لكنها واجهت انتقادات كثيفة بسبب الصلاحيات التي تتمتع بها، على الرغم من استنادها إلى قانون خاص بها منصوص عليه في الوثيقة الدستورية. 

واستكمالاً لحلقات الحرب على الفساد، أصدرت السلطات السودانية خلال الأسابيع الماضية قانون "مفوضية مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة لسنة 2021"، وشرعت بالفعل في إجراءات تكوينها.

وأكد وزير العدل السوداني، نصر الدين عبد الباري، أن مفوضية مكافحة الفساد التي سيكتمل تكوينها في القريب العاجل، تتمتع بالاستقلال التام مع سلطات وصلاحيات رقابية واسعة، مبيناً لوكالة الأنباء السودانية "سونا"، أن حكومة الفترة الانتقالية معنية بمحاربة الفساد، وقامت بدور كبير ومهم في ذلك عبر لجنة تفكيك النظام السابق.

ويمنح القانون، الذي اطلعت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، المفوضية استقلالاً مالياً وإدارياً عن الجهاز التنفيذي منعاً للتأثير على إجراءاتها وقراراتها، إلى جانب سلطات وصلاحيات لا تستثني أي مؤسسة سيادية كانت أو تنفيذية.

خوَّل القانون المفوضية سلطات التحقيق في كل أوجه الفساد المالي والإداري في أي إجراءات أو معاملات أو عقود يبرمها أي من الأجهزة الخاضعة لسلطاتها، فضلاً عن التحقيق مع الموظفين العامين، ولها حق اتخاذ الإجراءات القانونية في أي معاملات تبين أنها تنطوي على فساد أو يجري تنفيذها بمال يخالف القوانين واللوائح وإحالتها إلى الجهات العدلية والرقابية.

كذلك، أعطى القانون المفوضية حق استدعاء أي شخص أو موظف عام وطني أو أجنبي للمثول أمامها للتحقيق أو الإدلاء بمعلومات وإصدار أوامر تجميد والحجز على أي أموال أو ممتلكات تكون محلاً للتحقيق.

لا استثناء

وبحسب القانون الخاص بها، لا تستثني سلطات المفوضية أياً من أجهزة الدولة في كل مستويات الحكم، بدءاً من مجلس السيادة أو أي سلطة سيادية أخرى تحل محله إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية وكل الوزارات والوحدات والسلطة القضائية والنيابة وديوان المراجعة القومي، إلى جانب كافة القوات النظامية بما فيها القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة والأمن والاستخبارات.

كذلك تطال سلطات المفوضية بحسب قانونها، حكومات الأقاليم والولايات والمحليات، وجميع المرافق العامة والمؤسسات والشركات التي تمتلك الحكومة أسهماً فيها بأي نسبة أو تدعمها، إلى جانب بنك السودان المركزي والمصارف التي تملكها الدولة أو تسهم في رأسمالها.

جرائم وفساد

أدرج قانون المفوضية مجموعة من الأفعال والسلوكيات ضمن جرائم وأفعال الفساد تتعلق بإساءة استعمال السلطة لتحقيق منفعة شخصية للنفس أو الغير أو الرشوة، فضلاً عن الجرائم المخلة بسير العدالة الواردة في القانون الجنائي كشهادة الزور أو اختلاق البينة الباطلة أو إتلاف البينة أو إخفائها أو قبول جزاء لحماية الجاني من العقوبة، أو التصرف في الأموال بطريقة الغش أو لمنع الحجز أو التنفيذ أو التأثير على سير العدالة، إلى جانب جرائم أخرى فصلها القانون، ترتبط بالتهرب الجمركي والضريبي وجرائم الثراء الحرام والمشبوه أو الإثراء بلا سبب، وفق قانون المعاملات المدنية.

وتمتد سلطات المفوضية إلى اعتبار الممارسات الفاسدة أو غير القانونية في الانتخابات، الواردة في قانون الانتخابات 2018، ضمن جرائم وأفعال الفساد أو أي جرائم أخرى تعتبر جرائم فساد في القوانين النافذة.

مطلب شعبي

من ناحيته، وصف رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، عبدالله حمدوك، خطوات إنشاء مفوضية مكافحة الفساد بعد المصادقة على القانون الخاص بها، بأنه مطلب شعبي يجيء في سياق التقدم الذي تحرزه البلاد في مجال التشريعات والاستعداد للانتخابات المقبلة، مؤكداً لدى مخاطبته منتدى الشراكة الدولية في الخرطوم الأسبوع الماضي، أن الحكومة حققت تقدماً ملحوظاً في تهيئة بيئة الأعمال، لتحسين المنافسة والتعاون مع الشركاء الدوليين.

في السياق نفسه، أشار عضو مجلس السيادة، الرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين وتفكيك النظام السابق، محمد الفكي سليمان، إلى أن تكوين المفوضية سيُخفف كثيراً من عمل اللجنة، التي بين يديها الآن مئات الملفات تنتظر النظر فيها. 

ودعا الفكي في المؤتمر الصحافي الدوري للجنة، أعضاء الحكومة في المستويين السيادي والوزاري، إلى أن يكونوا مستعدين لإجراءات رفع الحصانة والمثول أمام أي تحقيق له علاقة بالفساد، مبيناً أن اللجنة تتابع عن كثب أي فساد في الحقبة الحالية.

ضرورة وطنية

في المنحى نفسه، يقول الدكتور أمير المأمون، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والإدارية في الجامعات السودانية، إن ما كشفته أعمال وقرارات لجنة إزالة التمكين حول الفساد بصورة لم تكن تخطر على البال، يجعل صدور قانون المفوضية والشروع في تكوينها وتفعيل عملها من الأولويات الملحة، بل الضرورات الوطنية للحفاظ على أصول وأموال الدولة السودانية وانضباط وصلاح مواطنيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤكد المأمون، أن قيام المفوضية بوضعيتها المعلنة، من شأنه أن يعزز حماية حق الحصول على المعلومات المتعلقة بالفساد، وإشراك كل المجتمع أفراداً ومنظمات في عملية المكافحة، إضافة إلى إعمال مبادئ سيادة حكم القانون وحسن إدارة شؤون الدولة والممتلكات العامة بنزاهة وشفافية. 

ويوضح أن ما جاء في قانون المفوضية يمكن أن يسهم حال تنفيذه في خفض معدلات الفساد وتحقيق النزاهة في الدولة والمجتمع السوداني بدرجة مقدرة.

يضيف المأمون أن "اختصاصات المفوضية التي تتسم  بالوضوح والتميز، بخاصة في مجالات وضع السياسات العامة والخطط والتدابير لمكافحة الفساد واسترداد المال العام وتطبيق سياسات وقوانين ونظم تجريم الفساد الإداري والمالي، توفر سنداً قوياً لمكافحة الفساد وتحقيق النزاهة". 

دور مجتمعي وإصلاحات مطلوبة

يردف المأمون، "لقد اكتسب المجتمع السوداني قدرات مميزة في الحصول على المعلومات المتعلقة بالفساد والمفسدين، بفضل ترابطه وتواصله الاجتماعي، وستكون سرعة انتشار وتداول المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معيناً ورافداً جيداً في سياق حملة ملاحقة وكشف الفساد".

على صعيد متصل، اعتبر محمود الشيخ عضو اللجنة السياسية للمحامين الديمقراطيين، أن تكوين مفوضية الفساد سيمثل ذراعاً جديدة في الحرب على الفساد ومحاصرته، يعضد دور لجنة إزالة التمكين، ويخفف العبء عنها لتصبح لجنة سياسية بالكامل حتى تتفرغ لمتابعة ملفات كبيرة وكثيرة تنتظرها، بخاصة في ظل غياب لجنة الاستئنافات والمحكمة الدستورية.

وطالب الشيخ بضرورة إجراء عدة إصلاحات قانونية فور تكوين مفوضية مكافحة الفساد، وعلى رأسها قانون مكافحة الثراء الحرام الموروث من العهد البائد وتنقيته من المواد والنصوص التي تبيح التحلل من سرقة المال العام، حتى تُحصِن قراراتها ولا تتسبب في إضعاف دورها المرتجى في الحرب على الفساد. 

الشفافية السودانية تحذر

من ناحيتها، حذرت منظمة الشفافية السودانية من تجاوز المعايير المتعارف عليها في تشكيل المفوضية ومهامها، حتى لا تجيء مسخاً مشوهاً، مشددة على أهمية تأكيد الاستقلالية الكاملة للمفوضية عن أجهزة الدولة، مما يتطلب تعديل الوثيقة الدستورية التي تنتهك استقلاليتها بوضعها تحت ولاية الجهاز التنفيذي، وهو ما يتطلب أيضاً توفير الموارد المادية والكوادر المتخصصة النزيهة والمؤهلة الجديرة بالاطلاع بالمهام الموكلة إليه. 

واعتبرت المنظمة، في منشور على صفحتها في "فيسبوك"، إعلان الحكومة لتقديم ترشيحات لرئيس وأعضاء مفوضية مكافحة الفساد بعيداً عن المحاصصات خطوة إلى الأمام، معربةً عن أملها بأن يتم الالتزام بكافة المعايير المطلوبة التي تمكن المفوضية من أداء مهامها على أكمل وجه.

وكان النائب العام السابق تاج السر علي الحبر أعلن، في ديسمبر (كانون الأول) 2019، أن النيابة العامة تحقق في 400 ملف فساد، وفي الشهر نفسه صدر قرار مجلس السيادة بتكوين لجنة تفكيك نظام 30 يونيو.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير