Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجلس وقوى التغيير... هل اقتربت ساعة الحسم؟

ما عبّرَ عنه المعتصمون من تنفيذ منضبطٍ لتعليمات قوى إعلان الحرية والتغيير، أرسل إشارة قوية ومطمئنةً إلى المجلس العسكري الانتقالي بخصوص صدقية تمثيلهم للمعتصمين في ميدان الاعتصام.

كلام صورة:مساع لاتفاق يُخرج البلاد إلى مرحلة انتقالية تضع السودان أمام غد ديمقراطي (أ.ف.ب)

بدخولِ هذا المقال حيّزَ النشر، سيكون من المفترضِ بروز ملامح الصفقة النهائية للاتفاق السياسيّ بين المجلس العسكريّ الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغييرِ، وهو اتفاقٌ بقيَ منه 10 في المئة؛ كان يمكن حسمها يوم الأربعاء الماضي ليكون الاتفاق سارياً، لولا خطوة تعليق المجلسِ الانتقالي الجولةَ الأخيرة من المفاوضات مدة 72 ساعة، إثر أحداثِ العنف والقتل التي سبقت موعد الاتفاق، وتسبّبت في فوضى من صنع مندسّين، بحسب المجلسِ الانتقالي.

اشترط المجلسُ شروطاً لاستئناف التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير التي ردّت ببيانٍ على بيان تعليق المجلس التفاوض؛ نمّ عن حكمةٍ واضحةٍ ظهرت تعبيراتها أكثرَ صدقيةً في التسريع بتنفيذ تلك الشروط التي كان من بينها؛ عودة المعتصمين إلى حدود ميدان الاعتصام في يوم 6 أبريل (نيسان) (وكان المعتصمون قد مدّدوا حدودَ الاعتصام إلى مدى أبعدَ خوفاً من فضّه بالقوّة عقبَ الأحداث الدامية)

 وباستجابة المعتصمين الفورية لنداء قوى الحرية والتغيير؛ تبيّن بما لا يدعُ مجالاً للشكّ أن المعتصمين وهم مئات الآلاف (وأحيانا بالملايين) عكسوا بفعلهم ذاك ولاءً صافياً واصطفافاً جلياًّ إلى جانب قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو في تقديرنا ولاءٌ ربما أراد المجلس العسكريّ أن يستوثق منه حين أضمرَ ذلك الشرط في بنود تعليق التفاوض.

منذ يوم الثلثاء الماضي، وبُعيدَ الإعلان عن بلوغ نسبة أكثر من75 في المئة من الاتفاق في المؤتمر الصحافي المشتركِ بين ممثّل المجلس العسكري الانتقاليّ، وممثّل قوى إعلان الحرية والتغيير، عمّت أجواء احتفالية كبيرة ميدانَ الاعتصام وعبّرت عن رضى بتلك التوافقات التي تمّت حول الهياكل الأساسية للسلطة الانتقالية، وكان في ذلك الفرح والارتياح بين المعتصمين ما يمثل تعبيراً واضحاً عن حقيقة تمثيل قوى إعلان الحرية والتغيير غالبية الشعب السودانيّ.

خطوة التعليق تركت ردود فعل كثيرة في أوساط القوى السياسية السودانية، التي اعترض بعضها على بنود الاتفاق الوشيك (حيث اتفق المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير على غالبية هياكل المرحلة الانتقالية) كانفراد قوى الحرية والتغيير بتشكيل الحكومة التنفيذية، وتشكيل ثلثي مقاعد المجلس التشريعيّ مع إبقاء 33 في المئة من مقاعد المجلس لبقية القوى السياسية من خارج قوى إعلان الحرية والتغيير والتوافق على 3 سنوات كحدٍ أقصى للمرحلة الانتقالية.

احتجاجُ القوى السياسية الأخرى على قوى إعلان الحرية والتغيير، يقوم على زعم بأن ذلك الاتفاق يكرّس ديكتاتوريةَ المعارضة، فيما أن الذي لا تنتبهُ إليه تلك القوى: أن قوى إعلان الحرية والتغيير هي التي قادت الثورة، وهي التي أجمع على خيارها مجموعُ المعتصمين الذين يمثّلون القاعدةَ الحقيقيةَ للثورة. إلى جانب أن المرحلةَ إنما هي مرحلة انتقالية مؤقتة وليست دائمة.

 لكن ما هو مضمرٌ من هذا السجالِ يتمثلُ في أن سببَ رفض قوى إعلان الحرية والتغيير القوى السياسية المعترضة عليهم، ليس نابعاً من ميول إقصائية، وإنما هو رفضٌ مبدئيّ لكون تلك القوى السياسية كانت شريكةً لنظام المؤتمر الوطني في ما عُرف بأحزاب الحوار الوطنيّ. ومن هذا المبدأ قد تكون هناك وجاهة مبرّرة لقوى الحرية والتغيير، هذا إلى جانب احتجاج البعض بأن حركات مسلّحة لم يشملها الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي؛ كحركةِ عبد الواحد محمد نور، لكن مبرّر قوى الحرية والتغيير حيالَ هذا الاعتراض تمثّل في تعهّدها بالقبول وإتاحة فرصةٍ لتلك الحركات للتمثيل حالما تُلقِي السلاح وتنتظم في العمل السلمي والديمقراطيّ.

تكهناتُ البعض بحدوث ما يقطع الطريق على الاتفاق النهائي المرتقب بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير؛ ذهبت في احتمال حدوث سيناريو جديد للفوضى من طرف الثورة المضادة يخلط الأوراق ويباعد من أجل الاتفاق، وهو احتمال واردٌ بطبيعة الحال، لكن ما رشح يوم الخميس الماضي من إعلان عن جسمٍ سياسيٍ جديد تحت اسم "الحراك القومي السوداني" أدرجه البعض في الأشكال الجديدة للثورة المضادة لاسيما أن في هذا الجسم 46 حركة مسلحة، ما يُذكّر بحركات دارفور التي كانت تتناسل وتنشقّ بطرق كشفت عن طبيعة سياسات نظام البشير في تفكيك الحركات المسلحة. وعلى الرغم من أن هذا الجسم الجديد "الحراك القوميّ السوداني" أعلن منذ البداية تأييده المجلسَ العسكريّ الانتقاليّ، فهو لا يعدو أن يكون بالون اختبارٍ جديدٍ في حالة السيولة السياسية التي تشهدها الساحة السودانية؛ إذ كيف يدعم هذا الحراكُ المجلسَ الوطني، فيما الاتفاقُ المرتقب بين المجلسِ وقوى الحرية والتغيير ـــ وقد أُنجزَ 90 في المئة منه، إذا دخل حيّز التنفيذ؛ سيختفي بموجبه المجلس العسكري الانتقالي!

وفقَ معطيات بيانِ رئيس المجلس العسكريّ الانتقاليّ الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الذي علّق بموجبه المفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير مدة 72 ساعة؛ كان واضحاً التزام المجلس خط الثورة في مختلف صيغ التعبير التي وردت في نقاط البيان إلا في نقطة واحدة. وهذا يعني في تقديرنا إعطاء فرصة لأجواء أكثرَ ملائمةً لمناخ التفاوض حول الاتفاق الذي لم يبقَ منه إلا 10 في المئة.

على صعيدِ الضغوط الخارجية؛ غرّد "نيبور ناجي" مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، يوم الجمعة الماضي، في "تويتر" حول اجتماعه مع ممثلين في واشنطن من الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، وفرنسا وبريطانيا والنرويج وألمانيا، وذكر تنسيقاً مشتركاً للجهود بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير للوصول بأسرع وقت ممكن إلى اتفاق حول حكومة انتقالية تكون انعكاساً لإرادة السودانيين. لاسيما أن تلك الأطراف الدولية اجتمعت في واشنطن لمناقشة الدعم الذي سيُقَدّم إلى الحكومة المستقبلية بقيادة مدنيّة في السودان. ما سيكون حاسماً في التسريعِ بإنجازِ الاتفاق في الموعد المحدد.

وفي تقديرنا، إن ما عبّرَ عنه المعتصمون خلال الأيام الثلاثة الماضية من تنفيذ منضبطٍ لتعليمات قوى إعلان الحرية والتغيير، حيالَ إزالة المتاريس وفتحِ الشوارع، ومن تعبيراتِ سلوك حضاري؛ أرسل إشارة قوية ومطمئنةً إلى المجلس العسكري الانتقالي بخصوص صدقية تمثيل قوى إعلان الحرية والتغيير للمعتصمين في ميدان الاعتصام. ومن ورائهم غالبية وازنة من الشعب السوداني.

لقد كشفتْ مجرياتُ الثورةِ السودانيةِ التي تدور فصولها في ساحة الاعتصامِ  أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطومِ منذ يوم 6 أبريل (نيسان) الماضي، عبرَ قنوات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ وتقارير الصحف؛ والدعمِ الدوليّ الذي يجدونه نتيجة أصداءِ ثورتهم السلمية في العالم؛ بأن روحَ الإصرار الذي يعبّر عنه السودانيون اليومَ من أجل بلوغ مرحلة الانتقال الديمقراطيّ، هو أمرٌ لا رجعة فيه، وأن قوى إعلان الحرية والتغييرِ، هي العنوانُ الصحيح للشراكة التي يرغب فيها المجلسُ العسكريّ الانتقاليّ وصولاً إلى تحقيق اتفاق كاملٍ يُخرج البلاد إلى رحابِ مرحلة انتقاليةٍ تضع السودان أمام غدٍ ديمقراطيٍ مشرقٍ.

 

المزيد من آراء