بعد مرور أكثر من عامين على الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير وتوقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، ما زال الجيش السوداني مهيمناً على مقاليد الأمور مع تراجع دور القوى المدنية لما تشهده من انقسام، بحسب ما يراه محللون.
ووقع العسكريون والمدنيون في أغسطس (آب) 2019 اتفاقاً لتقاسم السلطة نص على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقاً بعد أن أبرمت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع عدد من حركات التمرد المسلحة في أكتوبر (تشرين الأول).
وبموجب الاتفاق، يتولى الجيش السلطة على المستوى السيادي بينما تقود حكومة مدنية ومجلس تشريعي الفترة الانتقالية.
تقدم بطيء
وقال جوناس هورنر من مجموعة الأزمات الدولية، لوكالة الصحافة الفرنسية، "أقام طرفا الحكم (الجيش والقوى المدنية) علاقات ودية بينما يعملان بتناسق متقطع مع احتفاظ الجيش بسلطته بشكل فعال".
وأضاف أن "تباطؤ الجيش في الجوانب الرئيسة للفترة الانتقالية أعاق التقدم... والانقسامات الداخلية ونقص القدرات أضرت بقدرة المدنيين في الاستمرار (بإدارة) الفترة الانتقالية".
وتعمقت الانقسامات داخل قوى "الحرية والتغيير"، وهو تحالف المعارضة المدني الرئيسي الذي قاد الاحتجاجات المناهضة للبشير عام 2019.
وشهد الدعم الشعبي للحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بعض التراجع خلال العامين الماضيين، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الإصلاحات الاقتصادية الحكومية التي أثرت سلباً في معيشة العديد من الأسر السودانية.
كما تصاعدت الانتقادات للحكومة بسبب التأخير في تحقيق العدالة لعائلات الضحايا الذين سقطوا تحت نظام البشير وخلال احتجاجات 2019 التي أعقبت الإطاحة به.
وحتى الآن، لم يتم تشكيل مجلس تشريعي بعد في البلاد.
سلطة الجيش
يقول هورنر إن "تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي سيكون أساسياً لبدء الرقابة على الجيش"، موضحاً أن "خشية قوات الأمن والأحزاب السياسية القديمة من إضعاف سلطاتها الحالية، أعاقت هذا الإصلاح الحاسم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى مدى العامين الماضيين، شارك الجيش بشكل كبير في السياسة الخارجية وأبرم اتفاق سلام مع المتمردين.
وقال مجدي الجزولي، المحلل بمعهد "ريفت فالي"، إن "إعادة توجيه السياسة الخارجية للسودان منذ (إطاحة) البشير يحددها الجيش"، لافتاً إلى أنها "تُرجمت إلى علاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة".
كذلك، يعد اتفاق السلام العام الماضي بين السودان وإسرائيل أحد الأمثلة على تغير السياسة الخارجية للبلاد، وخطوة قلبت سياسة طويلة الأمد منذ حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل عام 1967، بحسب ما يقول عمر الدقير، أحد قادة قوى "الحرية والتغيير".
ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، وقع السودان على وثيقة أبراهام للسلام مع إسرائيل بحضور وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين. لكن حمدوك أكد أن الصفقة لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة البرلمان الذي لم يتم تشكيله بعد.
السلام والشركات الاقتصادية
ورأى الخبير العسكري أمين إسماعيل أن مشاركة المدنيين كانت "خجولة"، حتى في محادثات السلام مع المتمردين. وعلق، "أصبح ملف السلام بالكامل لدى العسكريين".
ففي أكتوبر، شهدت عاصمة دولة جنوب السودان توقيع اتفاق سلام تاريخي بين الحكومة السودانية الانتقالية وعدد من الحركات التي حملت السلاح في إقليم دارفور بغرب البلاد وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بسبب التهميش الاقتصادي والسياسي لهذه المناطق.
وشهد توقيع هذا الاتفاق قائد قوات الدعم السريع ونائب المجلس السيادي الحاكم محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي".
والجانب الرئيسي الآخر الذي يؤشر إلى هيمنة الجيش، هو احتفاظه بالسيطرة على الشركات المربحة المتخصصة في مجالات عدة، من الزراعة والدواجن وحتى البنية التحتية.
ففي العام الماضي، قال حمدوك إن 80 في المئة من موارد البلاد "خارج سيطرة وزارة المالية". ومع ذلك، ليس واضحاً كم من حجم هذه الموارد بيد الجيش.
الشؤون العسكرية "حساسة"
وقال مصدر عسكري طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن تدخل المدنيين في أي من الشؤون العسكرية يظل أمراً "حساساً".
وأضاف أن "دعوات المدنيين لإصلاح المؤسسة العسكرية ستظل تواجه بمقاومة من جانب العسكريين".
وكان القادة المدنيون والحركات المتمردة السابقة يضغطون من أجل إجراء إصلاحات في الجيش تشمل دمج القوات شبه العسكرية والجماعات المسلحة داخل الجيش النظامي.
وبحسب الدقير، فشل اتفاق تقاسم السلطة لعام 2019 في تحديد مسؤولية الإشراف على الإصلاحات الأمنية. وقال إن وثيقة الاتفاق "لم تحدد ذلك بشكل قاطع وتركتها تشاركية بين المدنيين والعسكريين".
ومع ذلك، يعتقد هورنر أن المرحلة الانتقالية تتطلب أن يمارس المدنيون "في نهاية المطاف الإشراف على الجيش". وأضاف، "لكن ليس هناك ما يشير إلى إرادة لدى العسكريين للتخلي عن دورهم المهيمن".