Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لأول مرة منذ عهد بايات تونس... قصر القصبة يغلق أبوابه

شهد تاريخ البلاد الحديث تحول الحكم إلى قصر قرطاج الرئاسي

أحد المؤتمرات الصحافية السابقة التي عُقدت في قصر القصبة بالعاصمة التونسية (اندبندنت عربية)

منذ تشييده في القرن السادس عشر عندما كان يُسمّى "دار الباي"، لم يغلق "قصر القصبة" (مقر رئاسة الحكومة التونسية بمسمّاه الحالي) أبوابه، إلا أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في  25يوليو (تموز) الماضي، لم تكُن زلزالاً شلّ البرلمان فحسب، بل أغلق أيضاً أهم مركز حكم عبر تاريخ تونس وهو قصر رئاسة الحكومة، فحتى إثر أحداث ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، بقيت أجهزة الوزارة الأولى تعمل، مع تقلّد محمد الغنوشي منصب رئاسة الحكومة.

ويمكن من خلال جولة في ساحة القصبة، قلب العاصمة التونسية، مشاهدة عناصر من الجيش منتشرةً لحماية المكان الذي يضم أيضاً أهم الوزارات، على غرار وزارات الدفاع والعدل والتربية والشؤون الدينية والشؤون الاجتماعية والمالية، ويتوسطها مقر رئاسة الحكومة الذي يشرف عليها وعلى غيرها من إدارات شؤون الحكم. وزادت شدّة الحماية الأمنية لهذا المكان بعدما أقال سعيد بمقتضى الفصل 80 من الدستور، رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي، ليشهد هذا المكان أول إغلاق في تاريخه، ويتحوّل ثقل الحكم إلى قصر قرطاج، مقر رئيس الجمهورية.

حتى إشعار آخر

ويقول أحد الموظفين في رئاسة الحكومة التونسية إنهم في عطلة حتى إشعار آخر، ولا يعلمون متى سيعودون إلى مكان عملهم، مضيفاً أن مقر رئاسة الحكومة فارغ، فكل المكاتب التي كانت تُدار منها شؤون البلاد مغلقة، لكنه لفت إلى أن  "مصلحة المالية فقط تعمل من أجل تأمين جرايات الموظفين".

بعد الاستقلال، حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة البلاد من القصبة، فكان مكتبه المزخرف بمثابة تحفة أثرية تضم أجمل اللوحات والهدايا التي حصل عليها من نظرائه وأصدقائه. ومع سعي حكام تونس إلى توسيع المكان في كل فترة أو ترميمه، إلا أن روح القصر بقيت في مكاتبه الجميلة التي بُنيت بطريقة فنية قريبة إلى المعمار الإسلامي بلمسات تونسية، من خلال الأرضيات والجدران المنقوشة بطريقة فنية خلابة.

بعد انتهاء حكم بورقيبة عام 1987، حوّل الرئيس السابق زين العابدين بن علي قصر القصبة إلى مقر للوزير الأول، ففي ذلك الوقت، كان قصر القصبة يُسمّى مقر الوزارة الأولى. وعلى الرغم من انتقال ثقل الحكم آنذاك إلى قصر قرطاج بقيادة بن علي، إلا أن قصر القصبة بقي خلية النحل التي تجمع الوزراء بالرئيس، والمكان الأبرز الذي تُدار منه شؤون البلاد والمواطن اليومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الصدد، قال المؤرخ التونسي عدنان منصر إن "تشييد أولى حجرات القصبة انطلق مع عهد الحفصيين"، الذين حكموا البلاد نيابةً عن الموحدين ما بين عامَي 1229 و1574 ميلادية. وأضاف "منذ ذلك العهد، يتم توسيع المكان وترميمه حتى اليوم، نظراً إلى أهميته في إدارة الشأن العام وكمعلم تاريخي".

وشرح منصر أن "القصر كان يُسمّى دار الباي، وهي البناية التي تضم القبة التي تتوسط القصر ومنها تم التوسيع. في تلك الفترة، كان الناس يشتكون إلى الباي لأنه كان هو القاضي الوحيد، وكان المكان هو دار الحكم. أما خلال القرن الـ 19، كان الباي في حال امتلك المال والجاه، يجعل من قصره الخاص الذي يعيش فيه مقراً للحكم، على غرار قصر السعيد وقصر باردو وقصر المرسى وقصر حمام الأنف، إلا أن دور القصبة بقي مهماً حتى في فترة البايات وفترة  الاستعمار، من خلال وجود الكتابة العامة للحكومة التي تضم مكتب الوزير الأكبر وبعض الوزراء الذين يتنقّلون بين القصبة وقصر الباي"، مبيّناً أن "كاتب عام الحكومة آنذاك كان يشرف على مصالح عدة كالعدلية لقرب المكان من المحاكم، فمعظم المصالح الإدارية قبل دخول فرنسا إلى تونس كانت قريبة من ساحة القصبة".

وتابع منصر، "بعد الاستقلال، اتخذ بورقيبة من القصبة مقراً لحكمه، وذلك قبل تأسيس قصر قرطاج، المقر الحالي لرئاسة الجمهورية. لكن حتى بعد بناء قصر قرطاج، بقي القصبة المقر الرسمي للحكم نظراً إلى قربه من قلب البلاد وكل الإدارات".

شريان المدينة

بعد الثورة وتقسيم السلطات، أصبح قصر القصبة أحد رموز السلطة التنفيذية بعد قصر قرطاج، ما جعله ملاذاً للمطالبين بحقوقهم، فعرفت ساحة القصبة اعتصامَين كبيرَين بعد الثورة، تحقق نتيجتهما مطلبان رئيسان غيّرا وجهة البلاد، كان أولهما بعد أيام قليلة من الثورة، عندما طالب المحتجون بإسقاط حكومة محمد الغنوشي، آخر وزير أول قبل الثورة، واستمر في منصبه بعدها، فكان لهم ذلك واستقال الرجل في أواخر فبراير (شباط) من العام ذاته.

كما شهدت الساحة التي تضم قصر القصبة، أكبر اعتصام تاريخي في تونس للمطالبة بانتخاب مجلس تأسيسي، وهو المطلب الذي تم تحقيقه في أكتوبر (تشرين الأول)2011  بانتخاب أعضاء المجلس. وتلت ذلك مئات الوقفات الاحتجاجية المطلبية، الاجتماعية والسياسية، إلى أن انتشر الجيش في كل مكان وأغلق مقر رئاسة الحكومة الذي كان شاهداً على كل التغيرات السياسية في تونس.

المزيد من العالم العربي