Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النساء ونقص الطاقة الأفريقية... عمل متواصل وفقر مدقع

تمويل الأبحاث العلمية لبحث البدائل ضرورة لتخفيض وتيرة الصراعات المسلحة في القارة

الاحتطاب يهدر 70 في المئة من مصادر الطاقة بأفريقيا وسط معاناة النساء للحصول على طعام ومأوى لأسرهن  (أ ف ب)

ينتج التغير المناخي حول العالم نوعاً جديداً من الأزمات ومنها الفيضانات وحرائق الغابات، التي هي حديث العالم اليوم، بينما يفاقم الاحترار من الأزمات الموجودة أصلاً بالقارة الأفريقية، ومنها الصراعات المسلحة في مناطق التصحر المستجد مثل دارفور ومناطق من نيجيريا ومالي.

ويمكن القول إن الفجوة الكبيرة الموجودة بأفريقيا بين المتاح من الطاقة أياً كان نوعها والطلب عليها تشكل أحد معطيات تغير المناخ، إذ يلجأ الأفارقة بخاصة النساء إلى قطع الغابات ولو بوسائل بدائية، وحرق الأخشاب للحصول على الطاقة كي يتمكنوا من رعاية أسرهم وأطفالهم.

فعل الانتباه لأهمية الطاقة الجديدة في أفريقيا مارسه معهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر، الذي يعرف عنه العامة أنه مهتم برصد أنشطة الزلازل واستطلاع  ظهور هلال رمضان والأعياد كونها مرتبطة باستطلاع القمر، بينما يعرف هو نفسه بالقول "نراقب السماء ونسمع الأرض".

وقد حظيت بالتعلم خلال ورشة عمل بالمعهد عن ملف الطاقة الجديدة في أفريقيا على اعتبار أنها الطاقة الأقل تكلفة على المستوى البيئي، والأكثر استدامة أيضاً وبعضها هو الأقل تكلفة بينما بعضها الآخر يحتاج إلى مزيد من الأبحاث لتخفيض تكلفة استخراجها واستعمالها لتكون مناسبة للاستهلاك.

ولكن معاناة النساء في مسألة الحصول على الطاقة ربما تعلمتها من زيارات متعددة إلى إقليم دارفور السوداني، حيث رأيت أن حطب الأشجار هو تجارة رائجة باعتباره أهم أدوات فعل الطبخ لدى النساء كي يمارسن أدوارهن التقليدية في رعاية أسرهن وأطفالهن، وهي العملية التي تستهلك 70 في المئة من الطاقة المستخدمة في أفريقيا مقارنة بعشرة في المئة للعملية ذاتها حول العالم.

ويشكل نقص الطاقة أحد أسباب معاناة الأفريقيات في قطاع الزراعة مثلاً، وهو القطاع الأهم بالقارة، الذي تعد فيه كثافة العمل النسوي كبيرة. وإذا أخذنا مثالاً تطبيقياً فإن كثافة العمل النسوي في قطاع الزراعة بمصر مثلاً فإنه المشغل لهن، حيث تشكل النساء ما يقرب من 45 في المئة من القوة الزراعية العاملة، على الرغم من أن هذه الأرقام قد لا تعكس الوضع الحقيقي لمشاركات ومساهمات للمرأة في الأنشطة المتعلقة بالزراعة داخل الأسرة وخارجها. وأصبح دور المرأة الريفية في الأنشطة الزراعية أكثر تنوعاً واتساعاً في الآونة الأخيرة، إذ إن أكثر من 50 في المئة من الريفيات يشاركن بنشاط في مهام زراعية غير رسمية مثل الإخصاب وإزالة الأعشاب الضارة والحصاد وتعبئة وتسويق وتخزين المنتجات الزراعية. كما تقوم بعضهن بعمليات الحرث والري، وتقوم أيضاً بجميع الأعمال المنزلية، بما في ذلك جمع المياه والوقود، وتجهيز الطعام وتصنيعه. أما في أفريقيا جنوب الصحراء فإن مساهمة النساء في القطاع الزراعي تزيد على 70 في المئة طبقاً لإحصاءات البنك الدولي، إذ يعد نقص الطاقة أحد أسباب افتقاد القدرة على اعتماد الأدوات الميكانيكية المستهلكة للطاقة، وهو ما يتسبب أن تبذل النساء 324 ساعة عمل؛ أي نحو أسبوعين لزراعة هكتار واحد من الذرة البيضاء مثلاً.

وللأسف يشكل كل من التغير المناخي ونقص الطاقة في أفريقيا سبباً في اندلاع الصراعات المسلحة ووقوع ضحايا؛ فمثلاً التغير المناخي هو السبب الرئيس في ظهور النزاعات بين الرعاة والمزارعين في القارة كما حدث في كل من دارفور ونيجيريا على سبيل المثال لا الحصر، فالتصحر يدفع الرعاة إلى التحرك جنوباً نحو المناطق الزراعية طلباً للكلأ والماء، وهو ما يضر المزارعين على نحو بالغ؛ من هنا تقع النزاعات المسلحة وتتسع.

وإذا كانت أزمة دارفور أخذت أبعاداً سياسية وعرقية مرتبطة بمكونات النظام السياسي على زمن الرئيس البشير، فإن حالة منطقة الرهد بالسودان توضح بشكل بسيط أن درجة التوتر بين المزارعين والرعاة حول الأراضي والموارد المحدودة تسببت في وقوع ضحايا. ووفقاً لمركز الرهد للتوسط في النزاعات وبناء السلام فإن تسعة نزاعات دموية وقعت تسببت في مقتل 24 شخصاً في فترات سابقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 أما في مجال نقص الطاقة فإن الاعتماد على "الكهرومائية" منها بشكل متزايد من شأنه أن يعظم الصراعات الإقليمية، ويهدد السلم والأمن الإقليمي، الذي من أهم نتائجه المباشرة تعاظم ظاهرة الهجرة بكل أنواعها وأهمها غير الشرعية، ولعل أزمة سد النهضة مثال واضح على اتجاهات الصراع الإقليمي بأفريقيا بسبب نقص الطاقة، ومحاولة استخراجها من الموارد المائية.

ومن الغريب والمثير للدهشة أنه على الرغم من انعكاسات أزمة الطاقة في القارة الأفريقية على الاستقرار السياسي في دولها فإن الانتباه للطاقة الجديدة وطبيعة الثروات بها ما زال محدوداً، فطبقاً لدراسات وزارة الكهرباء المصرية "فإن القارة هي الأقل نمواً في أنظمة الطاقة والوصول إلى نظيرتها الحديثة في العالم، على الرغم من أن إمكانات الطاقة الشمسية فيها 40 في المئة من الإجمالي العالمي؛ أي نحو 665  ألف تيراواط في الساعة سنوياً، و32 في المئة من الإجمالي العالمي لطاقة الرياح بمعدل 67  ألف تيراواط في الساعة سنوياً".

إمكانات طاقة الرياح أيضاً في أفريقيا شبه مجهولة، وكمثال تطبيقي فإن الصومال لديها واحد من أقل معدلات استهلاك الطاقة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى. وهي تعتمد على الحطب والفحم والنفط المستورد لإنتاج الوقود وتلبية احتياجاتها من الطاقة، ويمثل ذلك 82 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة في البلاد، في وقت تشكل الطاقة المتجددة وسيلة لمعالجة أوجه القصور بالبلد الذي يمتلك واحدة من أعلى إمكانات إنتاج طاقة الرياح البرية في أفريقيا. وأكثر من 50 في المئة من مساحته تتعرض لرياح بسرعة أكثر من ستة أمتار في الثانية، وتعتبر ممتازة لإنتاج الطاقة الكهربائية.

أما أنواع الطاقة غير المعروفة إلا للمتخصصين فهي طاقة "الجيوسيرمال"، وهي طاقة ناتجة عن الأخدود الأفريقي العظيم، وللأسف هذه الطاقة المجانية لم تركز عليها الأبحاث ولم يرصد التمويل الكافي لتطويرها على الرغم من أنها مجانية وصديقة للبيئة، على عكس نظيرتها الأحفورية التي تُستثمر فيها المليارات حالياً لاستخراج البترول والغاز.

وطبقاً للمعروف عن طاقة "الجيوسيرمال" حتى الآن فيمكن أن تكفي لتغطية حاجة العالم لفترة ليست بالقليلة، إلا أن تحويلها إلى طاقة كهربائية هي عملية حتى الآن باهظة التكاليف، وتحتاج إلى الاهتمام بتطوير الأبحاث التكنولوجية المرتبطة بخفض تكاليف عمليات الحفر إلى أعماق سحيقة والحاجة إلى أنابيب كثيرة لاستخراج الماء الساخن بكميات وفيرة، على الرغم من أن المادة الأولية مجانية.

وطبقاً للأبحاث العلمية المصرية، "فإن هذه الطاقة متوافرة في منطقة الأخدود الأفريقي العظيم الممتد من زامبيا وحتى شرق مصر، وتوجد آبار لها في كل من كينيا التي تعتمد على هذا النوع من الطاقة لتغطية نصف احتياجاتها من الكهرباء تقريباً بحجم 500 ميغاواط، وتوجد بئران منها في إثيوبيا ولكن تم إغلاقهما" لأسباب مجهولة لا نعرف إذا كانت علمية أم سياسية، وكذلك بعض المواقع في شمال السودان، وهناك مناطق في مصر بمنطقة حمام فرعون شرق البلاد لكن لم يُحفر فيها وتُكتشف إمكاناتها بعد.

ويبقى أن تكثيف الجهود البحثية والعلمية لإنتاج الطاقة المتجددة في أفريقيا ورفع مستويات الإدراك بها سيكون له آثار مباشرة على رفع مستوى جودة الحياة بالنسبة إلى لأفارقة، وخفض معطيات التغير المناخي من جهة ثانية، أما الانعكاس السياسي والأمني فهو تخفيض مستويات الصراعات الأفريقية المسلحة الناتجة عن الفقر، والمنتجة للهجرة غير الشرعية، فضلاً عن تحقيق مستويات أعلى من حالة الاستقرار السياسي بالقارة. 

في هذا السياق ربما يكون المطلوب من المنظمتين الأساسيتين في القارة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية) الاهتمام ببحث سبل الاعتماد على الطاقة الجديدة فيها، بالإضافة إلى تمويل الأبحاث العلمية في هذا المجال وتشجيع أكاديميات البحث العلمي في كل من شمال وجنوب القارة على جعل ملف الطاقة على مائدة البحث والاهتمام، ذلك أن مسألتي نقص الطاقة والتغير المناخي ستبقيان من أهم الملفات المؤثرة في حالة الصراعات المسلحة بأفريقيا، وكذلك على مستوى معاناة النساء وجودة الحياة بشكل عام للأسرة الأفريقية، ولعل دعم الاتجاه نحو الاستثمار في الطاقة الجديدة يكون المنظور الذي يوفر الكثير من تكاليف الإنفاق على تخفيض مستويات الصراعات المسلحة في القارة السمراء.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل