من دون أية مساعدة، تمكنت الكفيفة خلود من تحسس جدران ممرات وزارة التعليم للوصول إلى غرفة المقابلات الخاصة بوظيفة "معلم"، وفور بدء اللقاء الذي خصص لتحديد مدى ملاءمة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للوظيفة المطروحة، انهارت عليها الأسئلة المحرجة.
تقول خلود، "شعرت بالإهانة أثناء المقابلة، إذ سألني أحدهم ما لون ملابس أعضاء اللجنة؟ وأغلب الأسئلة لم تكن لها علاقة بكيفية ضبط الصف الدراسي، ولا طرق وأساليب التعليم التي سأتبعها، بل تمحورت حول تعجيزي وإحساسي بالنقص".
وتضيف، "كيف لي أن أحدد لون ملابس لجنة المقابلات، وأنا مصنفة من (ذوي الإعاقة البصرية)، وهذه أسئلة تعجيزية، وهدفها الأساسي رفضي من فرصة الحصول على وظيفة".
وهو ما حدث بالفعل، إذ ذيلت لجنة المقابلات ملف خلود الوظيفي بكلمة "غير لائق" على الرغم من امتلاكها خبرة في المجال، إذ كانت معلمة سابقة في مدرسة للمكفوفين ومعاهد تعليمية أخرى، فضلاً عن أنها الأولى على دفعتها في تخصص اللغة العربية بمعدل 94 في المئة.
اللائحة التفسيرية لقانون "ذوي الإعاقة"
تصنيف "لائق، وغير لائق" بند جديد أقره ديوان الموظفين الحكوميين، بهدف تنظيم الإجراءات الخاصة بتوظيف هؤلاء، وتحديد مدى ملاءمتهم للوظيفة العامة وضمان مشاركتهم في الوظيفة العمومية. ويمنح هذا التصنيف أعضاء لجنة المقابلات الخاصة بالوظائف الحكومية والخاصة، صلاحيات لقبول أو رفض الأشخاص المعاقين من فرص الحصول على عمل. وبدأ السير به في قطاع غزة فقط بعد إصدار لائحة تفسيرية لقانون "توظيف ذوي الإعاقة".
وبحسب القانون الفلسطيني الخاص بهذه الفئة من الأشخاص، والذي يحمل رقم 4 لسنة 1999، فإنه ينص على إلزام المؤسسات الحكومية وغير الحكومية باستيعاب عدد من المعاقين لا يقل عن 5 في المئة من عدد العاملين، بما يتناسب مع طبيعة العمل في تلك المؤسسات مع جعل أماكن العمل موائمة ومناسبة للاستخدام.
وعلى الرغم من وضوح بنود القانون، فإن لجنة متابعة العمل الحكومي في غزة، وديوان الموظفين، أقرا لائحة تفسيرية لقانون "توظيف ذوي الإعاقة"، تنص على "أن يكون الشخص منتجاً وقادراً على أداء المهام المرتبطة بالوظيفة، وأن يتناسب مستوى الإعاقة للشخص المتقدم للوظيفة مع متطلبات هذه الوظيفة، وأن يتمكن من أداء المهام الوظيفية من دون مساعدة الآخرين، وفي حدود الوظيفة، من دون وجود عوائق أو قيود مكانية".
وتشترط اللائحة "ألا يتعرض الموظف من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأي موقف يشعره بالعجز، أو عدم القدرة على أداء مهامه، أو أن يتعرض بأي شكل من الأشكال للسوء من متلقي الخدمة أو الزملاء، وتشكيل لجنة تحديد درجة المشكلة التي يعانونها، ومدى ملاءمة المعاق أمام الوظيفة المعلن عنها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتعارض مع القانون!
فكرة تشكيل لجنة لدراسة مدى ملاءمة هؤلاء الأشخاص للوظائف، أثارت غضب المؤسسات الحقوقية والمعاقين، إذ يمنح هذا القرار صلاحيات للجنة بأحقية رفضهم فقط لمجرد أنهم غير ملائمين للوظيفة.
ويقول رئيس "جميعة ذوي الإعاقة البصرية"، نادر بشير، إن ديوان الموظفين والحكومة يقران لائحة من المفترض أن تسهل وصولهم للوظيفة، بدلاً من صناعة لجنة تقول الشخص المتقدم "غير لائق".
ويشير بشير إلى أن الجهات التي أصدرت لائحة تفسير القانون لم تشرك معها ممثلين عن ذوي الاحتياجات الخاصة في إعدادها، وهذا ما يجعلها مجحفة في حقهم، متسائلاً، "كيف لأشخاص سليمين لا يعرفون مطالب هذه الفئة يقررون ما نحتاج إليه".
وبحسب المؤسسات الحقوقية وجمعيات "ذوي الإعاقة"، فإن اللائحة التفسيرية لهذا القانون تتعارض مع القانون نفسه، والذي يوضح بشير أنه ينص على ضرورة ملاءمة أماكن العمل بما ستناسب واحتياجاتهم، بينما اللائحة التفسيرية تشير إلى ملاءمة المعاق لمكان العمل.
الحكومة: لا توظيف للشفقة
في الحقيقة، المشكلة ليست مقتصرة على المكفوفين بأنهم غير مناسبين للوظائف، بل تشمل جميع الأشخاص من ذوي الإعاقة في الوقت الذي يرون فيه أن اللائحة مجحفة بحقهم. ويؤكد مدير السياسات العامة في ديوان الموظفين العام، إياد أبو صفية، أن اللائحة وجدت لصالح ذوي هؤلاء الأشخاص، إذ تنص على منحهم بعض الامتيازات للحصول على الوظيفة.
وبحسب أبو صفية، فإن تحديد مدى ملاءمتهم للوظيفة قرار صحي، فالشخص الذي يشغل وظيفة مدرس يختلف تماماً عن ذلك المتقدم لمهنة مبرمج، لافتاً إلى أن "الحكومة لا يمكن أن توظف أشخاصاً لمجرد الشفقة، أو بنظام الكوتا، وهي بحاجة لموظفين منتجين".
غير قانونية
ولكن من ناحية قانونية، فإن المحامية الناشطة في مجال حقوق المعاقين، رندا قدادة، تؤكد أن اللائحة التفسيرية غير قانونية، لأنها صادرة عن جهات غير مخولة في إقرار قانوني، وكان من المفترض أن تكون صادرة عن المجلس التشريعي (معطل بقرار رئاسي) أو عن السلطة التنفيذية (تستطيع إصدار قرارات بقانون).
وتقول قدادة، إن اللائحة فيها تجاوز وخروقات لقانون ذوي الإعاقة، خصوصاً أنها تطلب ملاءمة الشخص للوظيفة، فيما ينص القانون على ضرورة مواءمة المكان للشخص المعاق، وأيضاً تتيح التوظيف المؤقت فيما يلزم القانون بالتوظيف الدائم لجميع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبحسب قدادة، فإن اللجنة المخولة لتصنيف ملائم أو غير ملائم تعمل من دون معايير، ولا تمتلك أدنى معلومات عن خصوصية هؤلاء، وكذلك في هذا التصنيف إهانة لهم، وهذا غير منطبق مع القانون الذي يعد أكثر إنصافاً من اللائحة التي وضعتها السلطات العاملة في غزة.