Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالم يترقب عودة "القاعدة" و"داعش" بعد "طالبان"

يتفق مراقبون على أن "انتصار" الحركة هو دفعة دعائية ضخمة للإرهاب في جميع أنحاء العالم

تنظيم "داعش" أعلن مسؤوليته عن تفجيرات مطار كابول (أ ف ب)

كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 واحدة من الأحداث التي قسمت تاريخ منطقة الشرق الأوسط إلى ما قبل 11 سبتمبر وما بعدها. ففي أعقاب تلك الاعتداءات الدموية التي شنتها عناصر من تنظيم "القاعدة" كانت تأويها حركة "طالبان"، قادت الولايات المتحدة حرباً هي الأطول في تاريخها ضد الإرهاب في أفغانستان، وغزت العراق وأسقطت نظامه بدعوى امتلاك أسلحة دمار شامل. لكن الدائرة لم تغلق، فالفوضى في العراق أسفرت عن صعود تنظيمات إرهابية، عززتها الفوضى في سوريا في أعقاب اندلاع حرب أهلية عام 2011، ليتشكل تنظيم إرهابي جديد باسم "داعش" في 2014، ويضطر الأميركيون إلى توسيع دائرة حربهم مجدداً ضد الإرهاب. 

هذه الدائرة المفرغة من الصراع بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، ربما ظن الرئيس الأميركي جو بايدن ومن قبله دونالد ترمب، أنها انتهت بهزيمة تلك التنظيمات في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، لكن ما إن بدأت القوات الأميركية في الرحيل من أفغانستان حتى عادت حركة "طالبان" للسيطرة على البلاد بعد 20 عاماً من إطاحتها من قبل الولايات المتحدة، لتثير توقعات بفتح المجال أمام غيرها من التنظيمات المتشددة في المنطقة لاستعادة نشاطاتها والصعود مجدداً.  

"داعش"

ربما الترجمة الأسرع لهذه التوقعات، التفجيرات التي استهدفت مطار كابول ومنطقة محيطه، الخميس، مما أسفر عن مقتل العشرات من الجنود الأميركيين والمدنيين الأفغان.

وبينما يحرس مقاتلو "طالبان" محيط المطار، ثمة عداوة بينهم وبين تنظيم "داعش-ولاية خراسان" وهو التنظيم الأفغاني المتحالف مع "داعش". وقال مسؤول من "طالبان" تحدث لوكالة "رويترز"، قبل تقارير وقوع الانفجار "يخاطر حراسنا بحياتهم عند مطار كابول، إنهم يواجهون تهديداً أيضاً من تنظيم (داعش)".

وأفاد مصدر مطلع على الإفادات في الكونغرس الأميركي، لوكالة "رويترز"، أن مسؤولين أميركيين لديهم اعتقاد قوي بأن تنظيم "داعش-ولاية خراسان" مسؤول عن تنفيذ الهجوم عند مطار العاصمة الأفغانية كابول. وقال مصدر آخر من الحكومة الأميركية مطلع على أنشطة الاستخبارات إن هجوم المطار يحمل "كل العلامات المميزة" لهجوم من تنفيذ تنظيم "داعش-ولاية خراسان". 

وتتزايد المخاوف الدولية بالفعل من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى أرضاً خصبة للتطرف والإرهاب، لا سيما في عالم تحكمه التقنيات الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي. ففي حين يختلف الخبراء حول الكيفية التي قد تحكم بها "طالبان"، ومدى حجم التهديد الذي قد يمثلونه، حتى في الوقت الذي تحاول فيه الحركة إقناع العالم بأنهم مختلفون عن قبل، لكنهم يتفقون في أن "انتصار طالبان" هو دفعة دعائية ضخمة للإرهاب في جميع أنحاء العالم، سواء تنظيم "القاعدة" الذي ارتبط بعلاقة وثيقة بالحركة المتشددة، أو "داعش" الذي ربما يبحث عن موطئ قدم جديد لتأسيس دولته المزعومة بعد هزيمته في العراق وسوريا. 

ترحيب واسع

وفي حين يتفق المدير المتخصص بالأمن ومكافحة الإرهاب لدى مركز سياسات الأمن، في واشنطن، كايل شيديلير، مع قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، لكنه أقر في تعليقاته لـ"اندبندنت عربية"، بأنه ستكون هناك عواقب تحتاج واشنطن ودول المنطقة إلى الاستعداد لها. 

وقال شيديلير، "نشهد بالفعل قادة إسلاميين من حماس إلى هيئة تحرير الشام يثنون على نجاح طالبان في أفغانستان، ويزعمون أنهم سيطردون في نهاية المطاف أعداءهم، في كل من إسرائيل ودول المنطقة، بطريقة مماثلة. بالإضافة إلى ذلك، تواصل طالبان الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع تنظيم القاعدة". متوقعاً أن يستخدم تنظيم "القاعدة" أفغانستان لتوسيع نفوذه مجدداً، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ففي لبنان، قال أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله، في خطاب تلفزيوني، الأسبوع الماضي، إن مشهد انسحاب الأميركيين من أفغانستان "كبير جداً" ورسالة لها أبعادها الاستراتيجية، مشيراً إلى أنهم خرجوا "أذلاء فاشلين مهزومين".

وهنأت حركة "حماس" "طالبان" بـ"زوال الاحتلال" وأشادت بـ"أدائها". وفي اتصال هاتفي أجراه إسماعيل هنية مع رئيس المكتب السياسي لحركة "طالبان" الملا عبد الغني برادر، بحسب الموقع الرسمي لـ"حماس"، غداة سيطرة الحركة على العاصمة الأفغانية، وقال هنية "إن زوال الاحتلال (الأميركي) عن التراب الأفغاني مقدمة لزوال كل قوى الظلم، وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي عن أرض فلسطين". وتمنى هنية لأفغانستان الوحدة والازدهار، وأشاد بأداء الحركة سياسياً وإعلامياً.

كما هنأت أيضاً حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، "الشعب الأفغاني العزيز بتحرير أراضيه من الاحتلال الأميركي والغربي". وقالت في بيان إن "الشعب الأفغاني المسلم سطر أعظم البطولات ضد كل الغزاة على مر تاريخه المشرف". وفي المغرب، اعتبرت جماعة العدل والإحسان، المحظورة رسمياً، سيطرة "طالبان" "استقلالاً للشعب الأفغاني عن كل تدخل أجنبي"، وهو الموقف نفسه الذي أعرب عنه أحمد صادوق، رئيس كتلة حركة "مجتمع السلم" الإسلامية في البرلمان الجزائري. 

صدمة العراقيين

ووفقاً لزميل معهد واشنطن، بلال وهاب، فإن الشعب العراقي هو أكثر من شعر بالصدمة بشأن "كارثة" أفغانستان، وأصبح يخشى، أكثر من أي طرف آخر، أن تواجه بلاده مصيراً مشابهاً. وأشار إلى قلق بين العراقيين من انسحاب مماثل من شأنه أن يؤدي إلى استيلاء الميليشيات الإيرانية على السلطة، أو عودة تنظيم "داعش" أو ربما اندلاع حرب أهلية وهو السيناريو الأسوأ، وإن كانت بغداد تتمتع بمزايا قد تجنبها ذلك المصير المأساوي لكابول. 

ويقول وهاب إن كثيرين يخشون أن يجد النقاش الدائر في بغداد حول الانسحاب -بتحفيزٍ من إيران- باباً مفتوحاً في واشنطن، لأسباب ليس أقلها أن الفريق الذي انسحب من العراق في عام 2011 عاد إلى البيت الأبيض. وفي حين سرد الباحث العراقي أوجه تشابه بين العراق وأفغانستان فيما يتعلق بفساد الحكومة، حتى إن "الحكومة العراقية والحكومة الأفغانية المنهارة تنافستا على لقب الحكومة الأكثر فساداً"، فإنه يشير إلى أنه على عكس أفغانستان، يتمتع العراق بتاريخ من المؤسسات الوطنية القوية. وهناك دعم من الحزبين الأميركيين (الديمقراطي والجمهوري) لمواصلة المسار في العراق، وقيادة التحالف المناهض لتنظيم "داعش" للحيلولة دون عودة الجماعة الإرهابية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية. 

بالإضافة إلى ذلك، يقول وهاب إن الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل التهديد الذي تشكله أجندة إيران التوسعية في العراق على المنطقة. كما أن الميليشيات العراقية المتنوعة تفتقر إلى قيادة موحدة وقبول على الصعيد الوطني. وفي سوريا، فإن نجاح المهمة الأميركية ضد تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، يعتمد على وجود الولايات المتحدة في العراق.

دفعة دعائية

ويشير الباحث المتخصص في الإرهاب لدى المعهد الملكي للخدمات المتحدة، رافايلو بانتوتشي، إلى أن الجماعات الإرهابية ربما تنظر إلى النصر في أفغانستان كذروة عدد من النجاحات في العالم، في أجزاء من أفريقيا، حيث انسحبت فرنسا بالفعل من مالي، وحتى في أجزاء من سوريا. مضيفاً بالقول "سوف يستغلونها ويجادلون بأنه يمكنك القتال لمدة 20 عاماً والاستيلاء على السلطة".

ويرى أستاذ الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن، بيتر نيومان، أن المتشددين الإسلاميين في جميع أنحاء العالم سيحصلون على "دفعة يحتاجون إليها بشدة" جراء "انتصار طالبان" على الولايات المتحدة. وقال في تعليقات لصحيفة "نيويورك تايمز" إن "أنصار القاعدة كلهم يحتفلون بهذا... إنه انتصار على أميركا، وهو ما يأملون في تحقيقه... الكثير من الجماعات سوف تعتمد على هذا الانتصار من الناحية الدعائية - إذا تمكنت طالبان من القيام بذلك، يمكنك القيام بذلك".

في مرمي الإرهاب مجدداً

يعتقد مراقبون أن "طالبان" من شبه المؤكد أنها ستكرر تشجيعها الجماعات الإرهابية، ويعتقدون أن فرص هجوم آخر على الولايات المتحدة وحلفائها بات أعلى بكثير الآن. فبحسب شيديلير فإنه في حين هناك بعض الدلائل على أن "طالبان" قد تعلمت التلاعب بوسائل الإعلام بحرص أكبر، "إلا أنها بالتأكيد لم تغير وجهة نظرها العامة أو أجندتها. من المحتمل أن يستمروا في أن يكونوا قاعدة، إذ يمكن للإرهابيين من جميع أنحاء العالم أن يأتوا للتدريب والتواصل".

ويجادل منسق وزارة الخارجية السابق لمكافحة الإرهاب، الزميل لدى المجلس الأطلسي، ناثان سيلز، بأن "مخاطر الإرهاب على الولايات المتحدة سوف تزداد سوءاً بشكل كبير". وقال إن مع عودة "طالبان" إلى السلطة، "من المؤكد تقريباً أن القاعدة ستعيد إنشاء ملاذ آمن في أفغانستان وتستخدمها لمؤامرة جديدة ضد الولايات المتحدة وغيرها".

ومع ذلك يقول آخرون، إن "طالبان" ربما تعلمت بعض الدروس في السنوات العشرين الماضية، بحسب قول الرئيس التنفيذي لشركة نيوبريدج الاستشارية لتحليل المخاطر، جون سويرز. ويضيف "السؤال دائماً هو مدى سيطرة القيادة المفاوضة في الدوحة على المقاتلين، إذ إنه تقليدياً في الحروب الأهلية يتمتع أولئك الموجودون في ساحة المعركة بسلطة أكبر من أولئك الذين يجلسون في فنادق الخمس نجوم"، في إشارة إلى قادة "طالبان" الذين أجروا المفاوضات مع الولايات المتحدة من قطر.

التزام أميركي

يتفق المراقبون على حاجة الولايات المتحدة إلى تأكيد التزاماتها تجاه حلفائها. ويقول شيديلير "تحتاج الولايات المتحدة إلى تأكيد تمكين حلفائها من الدفاع عن أنفسهم والرد على الجماعات الإرهابية"، مشيراً إلى أن الخطر لا يتعلق بالدول العربية فقط، إذ يمكن توقع نشاط الجماعات الإرهابية التي تستهدف الهند وإلى حد ما الحكومة الباكستانية. ويشدد الباحث الأميركي على حاجة واشنطن إلى اتخاذ خطوات استباقية في مكافحة الإرهاب وعدم السماح لـ"طالبان" بحرية الحركة في المجتمع الدولي بل تقييدها ومعاقبتها إذا شاركت في دعم واستضافة الجماعات الإرهابية. 

ويقول وهاب إن الرسائل الأميركية يجب أن تكون واضحة، فبالنسبة إلى العراق، فإن انتقال مهمتها من دور قتالي إلى دور استشاري لا يعني أن الولايات المتحدة تتخلى عن التزاماتها تجاه العراق أو عن حملتها ضد تنظيم "داعش"، بل إن المستشارين العسكريين البالغ عددهم 2500 مستشار سوف يرسخون العلاقات الأميركية - العراقية ويؤكدون استمرار دعم المجتمع الدولي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) العراق.

المزيد من تقارير