أثارت عودة حركة "طالبان" إلى السيطرة على أفغانستان، تساؤلات حول قدرتهم على إدارة الشأن العام، في ظل فشل التيار الإسلامي في الدول العربية في الحكم على الرغم من أنهم سيطروا في بعض المراحل على الشارع، الأمر الذي فتح المجال أمام ترقب احتمالات تتراوح بين الهدوء والفوضى، وبين ممارسة الإسلام السياسي وتبني العنف والإرهاب.
مشاهد مفزعة واستغراب
وجاءت مشاهد الأفغان وهم يسعون بكل الوسائل إلى الفرار من بلدهم، لتؤكد مدى التخوف من "اختطاف" حركة "طالبان" للحكم. ولعل سقوط بعضهم من الطائرات ووفاة آخرين كانوا مختبئين داخل المحركات، تحمل الدول الغربية مسؤولية ترك الأفغان يواجهون مصيرهم وحدهم، بعد ما وعدتهم بالديمقراطية والحريات.
الحكم "السلبي" الذي أظهره الأفغان كما بعض الدول العربية والغربية، على سيطرة "طالبان" على مفاصل الدولة، أعاد إلى الأذهان فشل الإسلاميين في إدارة الشأن العام في أكثر من دولة عربية. ولعل ما حدث في مصر، والمغرب، وفلسطين، ومصر، والجزائر، وتونس أخيراً، يقدم أدلة على عدم قدرة هذه الأحزاب على تسيير الدول، وهو ما جعل دائرة المخاوف تتسع حيال احتمالات تطور الوضع في أفغانستان.
ترقب الانزلاق
ويترقب المجتمع الدولي أن تنزلق الأمور في هذا البلد إلى العنف في حال فشل الحركة في بسط الأمن والاستقرار وإدارة شؤون البلاد في جو من الديمقراطية والحريات، بخاصة أن "طالبان" لطالما ارتبطت بتنظيم "القاعدة" وزعيمه السابق أسامة بن لادن، ويتخوف الأفغان من العودة إلى التطبيق "الصارم" للشريعة الذي من شأنه وضع حد للحريات وانتهاك الحقوق، لا سيما تلك المتعلقة بالمرأة.
وفي وقت انتظر الجميع تهدئة من الحركة، كشف القيادي البارز في "طالبان"، وحيد الله هاشمي، المقرب من مفاصل صنع القرار داخل الحركة، عن بعض جوانب النظام السياسي المزمع تطبيقه في أفغانستان بعد سيطرة الحركة على البلاد، إذ أكد أن أفغانستان ستُدار من قبل مجلس حاكم جديد، لكن القرار الأعلى سيتركز على الأرجح في يد زعيم الحركة هبة الله أخند زاده، الذي سيكون بمثابة رئيس الدولة، مشدداً على أنه "لن يكون هناك نظام ديمقراطي بسبب غياب الأرضية له في بلدنا، لن نناقش ماهية النظام السياسي الذي يجب اتباعه في أفغانستان لأن هذا الأمر واضح، وهو الشريعة". وأقر هاشمي أن "مسائل عدة متعلقة بكيفية إدارة البلاد لم تُحل بعد، لكن من المؤكد أن أفغانستان لن تكون دولة ديمقراطية بل ستُدار وفق الشريعة الإسلامية".
الحركة بين شقين
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بلال أوصيف، يرى أن "الحديث عن نجاح وفشل الحركات الإسلامية في العالم العربي والاسلامي هو قضية جد معمقة ومتشابكة الفواعل ومترابطة المتغيرات الوطنية وفوق الوطنية، كون الأمر يتعلق بإدارة العمليات السياسية إلى جانب مؤسسات سياسية، وهو ما يطرح إشكالية علاقة الدولة – المجتمع، ومن ثم دراسة مخرجات الأنظمة السياسية التي تُحسب على الجماعات الإسلامية". وقال أوصيف إن "إدارة الشأن العام تقتضي وجود ثقافة سياسية إلى جانب وعي مجتمعي، فعلاقات التوازن والصدام تتحدد على ضوء الشرعية والقبول الشعبي، غير أن التجارب العربية تختلف في دراسة القيادة السياسية للجماعات السياسية، وهي غير قابلة للاستنساخ، فدراسة الجماعات الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي والقيادة السياسية تحتاج إلى دراسة البيئة التي تنشأ فيها والثقافة السياسية للمجتمع وحتى التركيبة السوسيو-ثقافية لأي دولة، على اعتبار أن الخصوصية الثقافية والاجتماعية تكتسي أهمية بالغة في تحديد توجهات المجتمع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع أوصيف قائلاً إن "نجاح حركة طالبان أو فشلها يتوقف على البيئة الاجتماعية - الثقافية والسياسية في أفغانستان، فضلاً عن مستوى ودرجة التدخلات الخارجية إقليمياً ودولياً، إلى جانب أن الحركة ينبغي أن تسير في طريق تمدين الحكم بدلاً من عسكرته، ومحاولة التجرد من الأسلحة بخاصة في المؤسسات العمومية والإدارية". وأوضح أن "الحركة ستخضع لامتحانات عدة، من خلال محاولة إقامة علاقات مع دول الجوار من أجل الاستفادة من الخبرات والتجارب، إلى جانب تجاوز المعوقات وأبرزها افتقاد طالبان الثقافة السياسية الديمقراطية وأساليب الحكم، فضلاً عن غياب المنظومة الإعلامية التي من شأنها أن تروج لضرورة توجيه المسار نحو بناء دولة".
واعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن "قيام مؤسسات الدولة مدنياً وعسكرياً، طريق يبدو صعباً جداً على الأقل في الوقت الراهن، ويحتاج إلى سنوات طويلة من أجل بناء الثقة مع الشعب الأفغاني واستعادة الشرعية وتمتين الحكم عبر القوانين والمواثيق الدستورية"، مضيفاً أن "تولي طالبان الحكم يطرح أكثر من جدلية حول الكيفية والطريقة التي تم بها ذلك، ما يعني أن الطريق لن يكون سهلاً في ظل هشاشة البنية التحتية سياسياً ومؤسساتياً ومجتمعياً". وختم قائلاً "أياً كانت القيادة السياسية التي من شأنها أن تحكم في الوقت الراهن فإنها ستجد نفسها أمام معوقات عدة، وليس على طالبان إلا العمل على بناء القاعدة السياسية الديمقراطية، وتوحيد الأفغان حول مشروع بناء الدولة بالدرجة الأولى".
رفض الأفغان للحركة
في المقابل، عبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، سمير محرز، عن اعتقاده بأن "التجارب السياسية الإسلامية تختلف من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، فلا يمكن الحكم بالمطلق على الأحزاب والتيارات الإسلامية في كل دول العالم بمنطق واحد، فالتجربة الإسلامية في المنطقة العربية كان صعودها من خلال النشاط الحزبي مثل تونس ومصر والمغرب، بعكس أفغانستان حيث كان سقوط حركة طالبان وصعودها مرتبطاً بعامل القوة المادية وهي السلاح. كما لا يمكن أن نصنف طالبان كحركة إسلامية بقدر ما هي حركة وصلت إلى الرئاسة في أفغانستان بفعل الرصاص والعنف". وأضاف محرز، أنه "بعد أسبوع من صعود حركة طالبان، شهدنا ردود فعل داخلية عبر فرار الشعب الأفغاني ومطالبته الملحة باللجوء، ومشاهد اقتحام الطائرة الأميركية والتصاق الأفغان بجناحي الطائرة لا تزال ماثلة في أذهان العالم، ويؤكد ذلك رفض الأفغان لهذه الحركة"، مشيراً إلى أن "بعض ممارسات الحركة تجاه الشعب، ومن خلال خطابها السياسي، يتبين أنها ستفشل في مسارها السياسي. وأعتقد أنه سيكون هناك تدخل أميركي ثان مع بعض الأطراف الدولية".
تسيير الدولة لا علاقة له بالنصوص الدينية
في سياق متصل، اعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عدة فلاحي، أن "التنظيمات الدينية عموماً وبحكم أن مرجعياتها عقائدية، لا تُوفق في إدارة الشأن العام الذي يتطلب فقهاً سياسياً مرناً ومنفتحاً على الجميع، ويأخذ بقاعدة البار والفاجر، بينما هم رعايا ومواطنون يتساوون في الحقوق والواجبات، وتبقى المسألة الدينية حالة خاصة بين العبد وربه، فحرية التدين هي السبيل للتخلص من النفاق". وقال فلاحي إن "طالبان ليست استثناء، وستصطدم في الأشهر المقبلة بالواقع والمجتمع الدولي، وحينها تدرك بأن تسيير الدولة لا علاقة له بالنصوص الدينية، ولعل الولايات المتحدة أدركت ذلك فتركت للحركة فرصة الانتشاء بالفوز بالحكم ولكن ليس لوقت طويل". ورأى فلاحي، أنه "إذا أرادت طالبان الاستمرار في السلطة ولو إلى حين، فعليها التعاون مع الرئيس السابق حامد كرزاي، ورئيس الحكومة الأسبق عبد الله عبد الله، وإيجاد صيغة للتفاهم مع القائد الأفغاني قلب الدين حكمتيار، وإلا تحولت كابول الى بؤرة للاقتتال والإرهاب".
يبدو أن انفراد "طالبان" بالحكم سيضعها في مواجهة تحد دولي وإقليمي وداخلي، وربما يفضي ذلك إلى فرض عزلة دولية عليها، وهذا ليس في صالح مستقبل البلد. وقد واجهت الحركة هذا التحدي أيام حكمها أفغانستان بين عامي 1996 و2001، وتجد نفسها اليوم أمام خيارات محدودة في التصعيد العسكري، وهي بحاجة إلى قبول شعبي لإقناع دول العالم بأحقيتها في رسم معالم مستقبل الدولة في أفغانستان.