Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اشتعال أسعار مادة حديد البناء في تونس وفقدانها من السوق

مصانع توقفت عن الإنتاج وسط تنامي الاحتكار والمضاربات

تشكو السوق التونسية في الآونة الأخيرة من نقص حاد في قضبان الحديد المعدة للبناء (أ ف ب)

لا يكاد يمر أسبوع، أو بضعة أيام، في تونس، إلا ويطفو إشكال ذو طابع اقتصادي، أو تجاري، يؤثر بشكل مباشر على مصالح التونسيين، ويضرب قدرتهم الشرائية والاستهلاكية في الصميم.

وتعاني البلاد صعوبات اقتصادية جمّة ترجمت بغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار مواد عدة في ظل ارتفاع نسبة التضخم إلى مستوى 6.4 في المئة بنهاية شهر يوليو (تموز) الماضي، ما جعل الرئيس التونسي، قيس سعيد، يتدخل، ويدعو كل المعنيين إلى إقرار تخفيضات في الأسعار.

وتعيش تونس خلال هذه الأيام أزمة حادة بسبب نفاد مادة الزيت النباتي المدعم، ما خلق اضطراباً لدى المستهلكين، ونمواً في السوق السوداء عمّقتها في الفترة ذاتها أزمة أخرى تتمثل في الارتفاع الصاروخي لأسعار مادة حديد البناء واختفائها من السوق الداخلية.

وخلفت هذه الوضعية استياءً في صفوف المقاولين الذين شرعوا في بناء عدد من الأبنية والشقق، وكذلك خيبة أمل لدى المواطنين الذين احتاروا من الحركة الجنونية التي شملت أسعار كل المواد والمنتجات.

وتشكو السوق المحلية في الآونة الأخيرة من نقص حاد في قضبان الحديد المعدة للبناء بالتوازي مع تصاعد سعرها بشكل يعتبره التونسيون غير مبرر.

تأثير على مشاريع البناء والتعمير

وأكد جمال الكسيبي، رئيس الجامعة الوطنية لأشغال البناء والمقاولات باتحاد الشغل، أن "فقدان مادة الحديد والارتفاع الجنوني لعدد من مواد البناء الأخرى أثّر سلباً بشكل كبير على مشاريع البناء والتشييد"، مشيراً إلى "توقف مشاريع البناء، وإحالة العمال إلى البطالة". وقال إن "أسعار مواد البناء تشهد زيادات رهيبة وغير مسبوقة"، موضحاً أنها تتغير من يوم إلى آخر، وبعضها تصل فيه قيمة الزيادة إلى 15 في المئة". وشدد على أن جامعة البناء والمقاولات تدعم تحرير الأسعار وحرية المنافسة، معتبراً أن "تحديد الأسعار يُعد عودة إلى الوراء، ويتنافى مع مبادئ حرية الاستثمار والحرية الاقتصادية".
ودعا المسؤول النقابي إلى "دعم المنافسة وتحرير المبادرة وتفعيل القوانين المتعلقة بالتصدي للاحتكار والحد من الممارسات المخلة بقواعد المنافسة".
واعتبر الكسيبي أن الارتفاع الكبير لأسعار قضبان الحديد وفقدانه من السوق التونسية عائد إلى الاحتكار والمضاربة، والدفع في اتجاه مزيد من الارتفاع في أسعاره.

توقف مصانع الحديد

وفي سياق تفسير الأزمة، وصف مهدي فخفاخ، رئيس الغرفة النقابية الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العمومية، توقف المصانع الكبرى لإنتاج الحديد عن العمل بـ"الصعب والمُضرّ بقطاع البناء والمقاولات".
ويوفر قطاع البناء في تونس نحو 500 ألف فرصة عمل، ما بين مقاولين وأصحاب مهن مرتبطة بقطاع البناء، فيما تشغّل مصانع الحديد نحو 3 آلاف عامل.
وشهدت هذه الأزمة مشاحنات وتبادلاً للاتهامات بين "الغرفة الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العامة"، و"غرفة مُصنّعي الحديد".
ولفت فخفاخ إلى أن "انقطاع الحديد تسبب في انتعاش السوق السوداء، حيث تجاوز سعر الطن الواحد من الحديد 3000 دينار، أي 1071 دولاراً، فيما يصل سعر قضيب الحديد، قُطر 12 ملليمتر إلى 32 ديناراً (11.4 دولار) في وقت تم تسعيره بـ27 ديناراً (9.6 دولار).

المصنعون ليسوا مستعدين للبيع بخسارة

ودفاعاً عن موقف المصانع، أكد الهادي بن عيّاد، رئيس غرفة مصنعي الحديد، أن "المُصنّعين ليسوا على استعداد لبيع مادة الحديد بسعر لا يغطي تكلفة الشراء"، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى إفلاسهم، خاصة أن الأسعار تحددها وزارتا التجارة والصناعة.
وتوجد في تونس 7 مصانع لإنتاج الحديد، 6 منها للقطاع الخاص، ومصنع ملك للدولة التونسية، وله حصة مقدّرة بـ20 في المئة من الإنتاج الوطني، وهو تقريباً متخصص في الحصول على "الخُردة" التي يتم تجميعها وتحويلها إلى عروق فولاذية.
كما تستورد تونس القضبان الفولاذية الخام من تركيا وأوكرانيا، وتتمتع واردات هذه المادة بالإعفاء من الرسوم الجمركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


توجه نحو زيادة جديدة في الأسعار

من جهة أخرى، كشف المسؤول في وزارة التجارة التونسية، زهير بو ريان، عن أن "النية تتجه نحو رفع أسعار الحديد في المدة القريبة بزيادة تتراوح بين 10 و12 في المئة"، معتبراً أن "هذه الزيادة تُعدّ جزية لأصحاب مصانع الحديد في تونس، وهي زيادة قد ترضيهم وتخفف من خسائرهم المتراكمة جراء أزمة ارتفاع أسعار المواد الأولية للحديد في الأسواق العالمية بشكل تصاعدي في السنتين الأخيرتين".

وقال بو ريان، إن "الصعود الصاروخي لأسعار العروق الفولاذية أثّر على توازن السوق المحلية التونسية التي تشهد في الأسابيع الأخيرة أزمة حقيقية في توفر هذه المادة الضرورية لتشييد المنازل والأبنية، ما جعل أسعارها تقفز إلى مستويات عالية وتُباع، خاصة في السوق السوداء. ووصل سعر الطن الواحد من مادة حديد البناء حالياً إلى 3 آلاف دينار" (1071 دولاراً).

وأبرز المسؤول في وزارة التجارة أنه "في كل مرة ترتفع فيها الأسعار العالمية لمادة الحديد يطلب المهنيون وأصحاب المصانع من وزارة التجارة الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل إقرار الزيادة على السوق المحلية". وأضاف في هذا الإطار أنه "خلال الفترة المتراوحة بين عامي 2017 و2020 شهدت أسعار حديد البناء في تونس زيادة في 6 مناسبات، أربع منها في 2017 وحدها".
كما كشف عن أنه تم رفع سعر هذه المادة في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، بنسبة 15 في المئة، تلتها زيادة أخرى في مارس (آذار)، بنسبة 10 في المئة. وأردف بو ريان، أن "أسعار مادة الحديد ارتفعت من 603 دولارات للطن الواحد في مارس 2021 إلى 725 دولاراً في شهر مايو (أيار) من هذه السنة، أي بزيادة قدرها 15 في المئة".

واعتبر أن "هذه الزيادة المتواترة من شأنها أن تؤثر على تكلفة الإنتاج في السوق المحلية، ما دفع أصحاب المصانع الستة في تونس إلى المطالبة باستمرار بتعديل الأسعار على المستوى السوق الداخلية".

وعن موقف وزارة التجارة من هذه المسألة قال المتحدث ذاته، إن "الوزارة لا تملك خياراً سوى مُجاراة نسق الارتفاع في مادة الحديد على الصعيد العالمي للحفاظ على توازن السوق وتجنب تنامي المضاربات والاحتكار، وهو الأمر الحاصل حالياً في تونس".
وتابع في السياق ذاته، أن "المواطن والمقاول يشتريان مادة الحديد بثمن أغلى من الزيادة التي يطلبها المهنيون والمصانع، أي بين 10 و12 في المئة". وأضاف أن "المصانع لا ترغب بالبيع بخسارة، وتنتظر نتائج التفاوض مع وزارة التجارة بشأن طلب الزيادة، ما يفسر اختفاء جل الكميات من السوق، علاوةً على أن القانون التجاري التونسي يحجر البيع بالخسارة لأنه يكرس مبدأ الإغراق".

وخلص إلى أنه "في نهاية المطاف ستنتهي المفاوضات بين أصحاب مصانع الحديد ووزارة التجارة، بإقرار زيادة في أسعار مادة حديد البناء".