Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذكورية تهيمن على الدراما العربية وتهمش المرأة

المنتجون يستعينون بممثلة شابة جميلة من دون خبرة لأدوار البطولة

الممثلة المصرية يسرى تتحدى الذكورية في الدراما (صفحة الممثلة على فيسبوك)

يبدو حضور الممثلات المخضرمات في الكثير من الاعمال الدرامية، خافتاً وخجولاً، سواء على مستوى أدوار البطولة أو على مستوى نوع الأدوار الأساسية والفاعلة والمؤثرة التي تتناول قضايا المرأة الناضجة ومشكلاتها الاجتماعية الكثيرة.

وعلى عكس ما يحصل في الغرب، نجد أن الممثلة العربية تُهمّش درامياً عندما تصبح في الأربعين، ولا يحاول  المنتجون الاستفادة من خبرتها وتجربتها في أدوار مهمة أو أدوار أولى، ويفضلون عليها ممثلة شابة تتمتع بمواصفات شكلية معينة، تقنع عين المشاهد بجمالها وأنوثتها وإن كانت صاحبة موهبة محدودة والأمثلة على ذلك كثيرة.

هذا الوضع ينطبق على الدراما العربية عموماً ولكنه يبرز بشكل حاد في الدراما اللبنانية، بحيث يبدو واضحاً تهميش عدد كبير من الممثلات المخضرمات، مقابل حضور محدود لممثلات هن بطلات أعمالهن كيسرا وغادة عبد الرازق وهند صبري ومنى زكي ونادين نجيم وسيرين عبد النور. هذا عدا أخريات وصلن إلى البطولة الأولى بفضل دعم الرجل لهن، كما في تجربة دينا الشربيني التي حظيت بدعم عمرو دياب قبل خلافهما الشهير، وياسمين صبري التي ساندها أحمد أبو هشيمة قبل أن يتزوجها، ومي عمر بطلة أعمال زوجها المخرج محمد سامي.

وإذا كان ما ينطبق على الدراما التلفزيونية ينطبق أيضاً على السينما ولكن بشكل أكبر، إذ إن هناك إقصاء تاماً للممثلات عن الشاشة الكبيرة. لكن لا يمكن إلا أن نتوقف عند تجارب كثيرة ظُلمت فيها ممثلات مخضرمات، صاحبات تجربة وخبرة وكفاءة وموهبة، في المسلسلات التي شاركن فيها. وهنّ أُجبرن على القبول بأدوار لا تتناسب مع كفاءتهن لعدم توافر الفرص المناسبة التي تليق بمكانتهن، كما في تجارب كارمن لبس ورندة كعدي وميراي بانوسيان ومارينال سركيس ورولا حمادة وتقلا شمعون وكارول عبود وغيرهن، اللواتي يقبلن بأدوار "السنيدات"، إما لتأمين لقمة العيش وإما بسبب حبهن للمهنة، خصوصاً بعد أن أقفلت المسارح أبوابها، فاعتبر بعضهن أن التعويض يكون من خلال الوجود في الدراما التلفزيونية.  

الممثلة كارمن لبس التي عبّرت عن هذه الأزمة بوضوح عندما أكدت أن المنتجين يستعينون بنجم خمسيني أو ستيني كبطل لأعمالهم، ويختارون أمامه ممثلة بطلة في الثلاثين من عمرها، وهذا غير مقبول لأنه يجعل المشاهد يعتاد على هذا الأمر ويعتبره طبيعياً، في حين أن هذه الممثلة في الحياة، هي في عمر ابنته أو زوجة ابنه. وترى لبس أن ما من أدوار مهمة  ورئيسة تُكتب للممثلات المخضرمات، ويُستعان بهن بسبب حاجة الدراما لممثلات بأعمارهن.

معادلات ذكورية سخيفة

الكاتب سامر رضوان يرى أن هذا الوضع يعود إلى كون "المجتمعات العربية هي مجتمعات ذكورية والدراما تعكس صورتها، لذا ليس مستغرباً ألا تُكتب أدوار أساسية لامرأة في الأربعين". ويشير إلى أن "تركيبة الرجل الستيني والفتاة العشرينية هي المسيطرة حالياً في السوق وتعكس الكثير من التخلّف ومن يتحمل المسؤولية هي  شركات الإنتاج ومحطات التلفزة التافهة".

وعما إذا كان الكاتب يكتب نصه وفق تعليمات المنتج وشركات الإنتاج، أجاب رضوان: "أنا خارج السرب ولا أحد يملي عليّ شيئاً، ولكن الكتّاب الآخرين يملون عليهم ماذا يكتبون".

في المقابل، لا يعتبر رضوان أن الدراما تنقل صورة خاطئة للمشاهد، ويوضح "بل هي تنقل صورة المجتمع. لكن وظيفة الفن هي تجميل الحياة لكي تصبح أقل ألماً وأكثر قدرة على الاحتمال. ومع الأسف، هم لا يعملون وفق هذه الطريقة بل وفق معادلات ذكورية تافهة موجودة منذ بدايات التاريخ".

ويشير إلى أن الجمهور هو الذي يحكم ويقرر ما إذا كان أعطى المرأة حقها في أعماله، ويقول: "كل الممثلات في عمر الأربعين أو الخمسين كن موجودات في أعمالي، ولكن ليس كبطلات بسبب التركيبة المهيمنة. وهنا أريد أن أسأل سؤالاً: من من النساء العربيات فاعلات حقاً في السياسة مثلاً؟".

نجمات وكومبارس

الممثلة والكاتبة فيفيان أنطونيوس، أشارت إلى أن الدراما في المجتمعات العربية لا تقدّر المرأة ولا تعطيها حقها في الأدوار على عكس ما يحصل في الدراما الأجنبية، مع أنها تصبح أكثر نضجاً مع التقدم في العمر، وتوضح: "المنتجون يستعينون بممثلة جميلة من دون خبرة لأدوار البطولة ويحيطونها بممثلات مخضرمات لرفع قيمة المسلسل، ولا أنكر أنني حصلت على الكثير من الفرص عندما كنت صغيرة في السن ولكن عندما أعود وأشاهد أعمالي، أقول ليتني كنت أمثّل بالأحاسيس التي أنا عليها اليوم. أنا مع كتابة أدوار الحب لممثلات في الأربعين والخمسين، لأن الحب لا عمر له ويمكن أن نعيشه في كل الأعمار".

وتابعت: "بعض الكتّاب يتمسكون بالكتابة لبطلة في العشرين والممثلات المهمات المحيطات بها مجرد كومبارس، مع أنهن بارعات أكثر منها، لأننا نعاني في العالم العربي من عقدة "البنت الجميلة تبيع" بحسب ما يقول المنتجون. ليس مطلوباً إلغاء أدوار الممثلات الشابات، ولكن يجب أن يكون هناك عدل عند كتابة الأدوار. واكتشفت أخيراً أن نجوم الصف الأول، عند التوقيع على العقود الفنية مع المنتجين، يطالبون بـ 70 في المئة من المشاهد في أي مسلسل يشاركون فيه، مما يؤدي إلى ظلم الممثلين الآخرين الموجودين في العمل. إلى ذلك، يجب أن نفرّق بين النجم والممثل، والممثلون الحقيقيون كلهم فوق سن الأربعين ويستعينون بهم لكي يصبح العمل ’ثقيلاً‘، مما يؤكد أنهم لا يستطيعون إلغاء وجود الممثلين المخضرمين في الدراما. صحيح أن الدراما تحتاج إلى وجوه جديدة ولكنها تحتاج لأكثر من 10 أعوام لكي تكسب ثقة الناس". 

أما الممثلة ميراي بانوسيان، فتقول: "الدراما تعكس الواقع والمنطق يقول إن الرجل الستيني لن يُغرم بامرأة بمثل عمره بل بفتاة صبية وجميلة، والناس يحبّون مشاهدة الفتيات الجميلات و’يسطّلون‘ على الحلوات. الدراما استهلاكية".

ترى بانوسيان أنه يُفترض أن تُكتب أدوار بطولة للممثلات اللواتي هن في مثل سنها، تحكي خبراتهن وتجاربهن، وتوضح: "هناك الكثير من المواضيع المميزة التي يمكن أن تطرحها الدراما وتناسب الممثلات المخضرمات، ولكن المجتمع العربي يركز على الجمال دائماً، وعلى قصص الحب التي تدور حول فتاة أُغرمت برجل يكبرها سناً من أجل ماله، وغيرها من المواضيع التافهة". وتعتبر أن هذه الخيارات  تسهم بتجهيل المجتمع، والمنتجون هم المسؤولون لأن همهم الوحيد هو الفائدة المادية. وعندما يصبح الناس أكثر وعياً، يقلعون عن مشاهدة هذه الأعمال وعندها لن يجني المنتجون الثروات".

مشكلة في الكتابة

الممثلة ورد الخال التي لها تجربة مغايرة عن تجارب الممثلات اللواتي هن في مثل عمرها، لكونها تصرّ على أدوار البطولة الأولى، ترى أن كل ممثلة لها ظروفها، وتوضح: "لا أشعر أنني مهمشة مع أنني في عمر ناضج كسائر ممثلات جيلي، ولكن الأخريات لسن في المكان الذي أكون موجودة فيه، لأن معطياتي مختلفة، فأنا أنتظر الدور الجميل والأجر المقبول الذي يعطيني حقي بعد 20 عاماً في المجال. وشاركت في بناء الدراما على أكتافي وصنعت اسمي كنجمة صف أول ولم ألعب أدواراً ثانوية، مثل أربع أو خمس ممثلات غيري، أسماؤنا تبيع وتحمل أدوار البطولة الأولى. ليس خطأ أن تلعب الممثلات القديرات الأدوار الثانية أو أدوار أم أو أخت، فهذا ليس خطأ، فأنا لعبت دور الأم عندما كنت في العشرين أو حتى أقل من هذا العمر".

وأضافت الخال: "وضعي يختلف عن وضع كارمن لبس أو رولا حمادة أو تقلا شمعون، لأنني أقدّم أدواراً أولى. مثلاً  رفضتُ دوراً سينمائياً لأننا لم نتّفق على الأجر، وعملاً لمصلحة إحدى المنصات لأنني أعرف قيمتي جيداً. فلماذا أكون إلى جانب ممثلة في مثل سني ولا أكون موجودة في دور أساسي!  نحن كممثلات أدوار أولى، لدينا شروط ولكنها ليست تعجيزية، بل بديهية تتناسب مع اسمنا والمكان الذي وصلنا إليه. أما السبب في عدم كتابة أدوار أولى للممثلات المهمات اللواتي يضفن إلى الدراما، فأقول نيابة عنهن وعني، إننا نعاني من مشكلة في الكتابة، إذ يتم التركيز على أدوار الحب لممثلات في العشرين، مع أنه يمكن أن تُكتب أجمل الأدوار للممثلات الناضجات، وهذا هو السبب الذي يقف وراء تفوّق الدراما المصرية والسورية على الدراما اللبنانية. في المقابل، يجب ألا ننسى أن هناك منافسة عربية ووضعاً اقتصادياً صعباً وقلة اعتبار لنا بسبب المحاربة والمحسوبيات ولأن هناك منتجين فقط يمسكان اللعبة الإنتاجية برمّتها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الناقد الفني طارق شناوي يؤكد أن تهميش المرأة في الدراما يظهر في السينما بشكل واضح وصارخ، وبنسبة أكبر بكثير مما هي عليه الحال في التلفزيون، معتبراً أن المرأة تغيب بشكل كلّي عن الشاشة الكبيرة، على عكس ما كانت عليه في الزمن الماضي، حين كانت تُكتب بطولات لـفاتن حمامة وشادية وماجدة الصباحي وهند رستم وليلى مراد وغيرهن، بينما هي اليوم الغائب الأكبر عن أدوار البطولة في السينما".

وعن دعم الرجل الممثلات للوصول إلى أدوار البطولة الأولى في الدراما التلفزيونية، يقول: "بصرف النظر عن دعم أحمد أبو هشيمة لياسمين صبري ومحمد حلاوة لريهام حجاج، المرأة موجودة بقدر معين في التلفزيون، وهناك محاولات لتقديم وجوه نسائية جديدة، بينما هي مهمشة جداً في السينما المصرية والعربية. فالجمهور لا يقف بالطابور ويدفع ثمن تذكرة لمشاهدة نجمة، ولكن لا بأس إذا هي أطلّت عليه في بيته، وهو يضع ساقاً على أخرى، مما يعني أن المشاهد العربي تراجعت قناعته بالمرأة كبطلة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة