Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ريتشارد نيكسون أغلق "نافذة الذهب" قبل نصف قرن

سعى إلى الخروج من حرب لا انتصار فيها على أمل توليد الوظائف وزيادة الإنفاق الحكومي. ويتشابه ذلك مع ما يفعله بايدن

ريتشارد نيكسون غداة إعلانه "إغلاق نافذة الذهب" ونهاية عصر الأونصة بـ35 دولاراً (غيتي)

حلّت الجمعة الماضي الذكرى الـ50 للصدمة التي أصابت الاقتصاد العالمي حين أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في خطاب تلفزيوني "إغلاق نافذة الذهب". وبعبارة أبسط، أنهى قابلية تحويل الدولار إلى ذهب عند 35 دولاراً للأونصة، إلى جانب روابط الدولار الثابتة مع العملات الرئيسة الأخرى.

وأنهت الخطوة عالماً شُكّل في 1944، قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، لن يكون اختباره مباشرة سوى من يبلغون اليوم السبعينيات من عمرهم. وآنذاك، ثُبّتت قيمة الدولار بالذهب عند جزء من 35 جزءًا من الأونصة، وتعهدت 44 حكومة أن عملاتها يمكن تحويلها إلى دولارات عند سعر صرف ثابت مع هامش تحرك لا يتجاوز واحداً في المئة صعوداً أو هبوطاً.

وبذا، فكك نيكسون الملقب أيضاً بـ"ديكي المخادع"، تلك الروابط لأن الاقتصاد العالمي نما بسرعة كبيرة، ولم تعُد الحكومة الأميركية قادرة على مواكبة ذلك النمو والاستمرار في دعمه بالذهب. وإضافة إلى ذلك، رغب نيكسون بإخراج نفسه من حرب لم يكن الانتصار فيها ممكناً (فيتنام) وتنفيذ برنامج في توليد الوظائف وزيادة مستوى الإنفاق الحكومي. واستبدلوا ببعض الكلمات في الجملة السابقة كلمات كـ"أفغانستان" و"خطة الوظائف الأميركية" و"خطة الإنقاذ الأميركية"، وسيبدو الأمر مألوفاً [بالنسبة إلى ما يحدث الآن].

وتذكيراً، لم تكُن تلك الاستثمارات ممكنة كثيراً في ظل ما سمّاه (عالم الاقتصاد البارز) جون مينيارد كينز "المخلفات البربرية" لمعيار الذهب. ولذا، يجب رفض دعوات تصدر من قبل بعض اقتصاديي "سوسة الذهب" من أمثال جودي شيلتون، المرشحة المرفوضة إلى [منصب رئاسة] "مجلس الاحتياطي الفيدرالي"، تحض على العودة إلى نظام ثابت في مواجهة الديون الحكومية المتزايدة.

وفي ذلك الصدد، يرى جيفري إي غارتن، العميد السابق لمدرسة الإدارة في "جامعة ييل"، في كتابه "ثلاثة أيام في كامب ديفيد"، أن القوة الانفجارية للصدمة التي ولّدها القرار في شأن الذهب، أورث العالم بالفعل عقداً من التضخم وأزال المرتكز الوحيد للنظام المالي العالمي، لكن الأيام الثلاثة من المفاوضات بين كبار مسؤولي إدارة نيكسون خلال عطلة نهاية الأسبوع في كامب ديفيد يمكن اعتبارها "إنجازاً مثيراً للإعجاب".

واستطراداً، خدمت أسعار الصرف المعوّمة الولايات المتحدة والعالم أكثر من الأسعار الثابتة، إذ لم يعُد على البلدان التضحية بالنمو الاقتصادي للحفاظ على سعر صرف مبالغ في قيمته. وسمحت أسعار الصرف المعوّمة للبلدان بالتكيّف مع التغيرات الرئيسة في اقتصاد العالم بطريقة أسلس وأقل دراماتيكية. وكذلك بدأت الحكومات تتعاون أكثر، أولاً من خلال "مجموعة البلدان السبع" التي تحوّلت إلى مجموعة العشرين؛ ثم في مجال التجارة، أولاً من خلال "الاتفاق العام للتعرفات الجمركية والتجارة" ("غات") وبعدها "منظمة التجارة العالمية".

وفي أي حال، تبيّن الصدمة التي تسببت بها أولاً الأزمة المالية العالمية [في 2008- 2009] وبعد ذلك بعقد تفشي "كوفيد- 19" أن النظام المالي العالمي لا يزال غير مرن بما فيه الكفاية. وتسعى بحوث أكاديمية رائدة حديثة يجريها مؤيدون للنظرية النقدية الحديثة إلى إثبات أن الحكومات لا تحتاج إلى فرض إجراءات تقشف مؤلمة بل تستطيع السماح للعجز بالارتفاع من خلال طباعة المال.

وكذلك تشير الأستاذة ستيفاني كيلتون، المناصرة البارزة لتلك النظرية، إلى عدم وجود ضوابط على الموازنة الفيدرالية، إذ تورد في كتابها "خرافة العجز" خلاصة مفادها بأن "الدولار لم يعُد مربوطاً بالذهب. وتصدر الولايات المتحدة عملة "عادية" معوّمة بحرّية لأنها لا تحتاج إلى فرض الضرائب أو الاقتراض قبل أن تتمكن من الإنفاق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى نحو مماثل، تستطيع المملكة المتحدة تطبيق النظرية النقدية الحديثة من خلال تفويض "بنك إنجلترا" شراء السندات مباشرة من وزارة المالية. وبعبارة أخرى، إذا احتاجت الحكومة مثلاً إلى جمع المال كي تموّل استثماراً أخضر بعيد الأجل، تستطيع وزارة المالية إصدار سند حين ترغب بذلك، ويستطيع "بنك إنجلترا" شراءه مباشرة منها من دون أن يشرك المصارف الخاصة على الإطلاق. وعلى غرار ما يفيد به مناصرون بريطانيون [للنظرية النقدية الحديثة] كالأستاذ ريتشارد مورفي، مدير مؤسسة "البحوث الضريبية في المملكة المتحدة"، تستطيع وزارة المالية الآن إدارة سحب زائد من حسابها لدى "بنك إنجلترا".

وإذا لم يكُن ذلك مثيراً للجدل بما فيه الكفاية، يمكن تحقيق إعادة ضبط آخر من خلال الإلغاء الشامل للدين، أو ما يُسمّى بالـ"يوبيل"، فذلك يخفف عن الاقتصادات النامية والناشئة أعباء لن تتمكّن أبداً من تسديدها.

من النظرة الأولى، يبدو ذلك مستحيلاً، إذ يفوق الدين العالمي الإجمالي ثلاثة أضعاف حجم الناتج الاقتصادي للبلدان. بيد أن الطريقة الأخرى للنظر في الأمر ذاته، تعني القول إن من الصعب تسديد الدين إلا خلال أطول أفق زمني ممكن. في المقابل، وفق قول شهير لـ(الصناعي الأميركي الشهير) جاي بول غيتي، "إذا كنتم مدينين للمصرف بمئة دولار، فتلك مشكلتكم. وإذا كنتم مدينين للمصرف بمئة مليون دولار، فتلك مشكلة المصرف".

في ذلك المسار، بذل العالم الغني بعض الجهود بهدف تخفيف ديون البلدان الأفقر من خلال إلغاء ديون تملكها بلدان "مجموعة العشرين" وموافقة الأعضاء الـ190 في "صندوق النقد الدولي" على تخصيص مبلغ بعملته، أي حقوق السحب الخاصة، يساوي 650 مليار دولار (470 مليار جنيه استرليني). وسيُخصَّص من هذا المبلغ 275 مليار دولار للأسواق الناشئة والبلدان النامية، بما فيها البلدان ذات الدخل المنخفض.

وحضّ أكثر من 215 مؤسسة "مجموعة العشرين" و"صندوق النقد" على إصدار ما قيمته ثلاثة تريليونات دولار من الاحتياطات العالمية. وأكثر من ذلك، ذهبت شخصيات بارزة كرئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون ووزير المالية الأميركي السابق لورنس سامرز، إلى الدعوة لتخصيص تريليون دولار [كمبلغ يرصد لمصلحة حقوق السحب الخاص].

وربما لا يتطابق الرقم الفعلي مع هذين المستهدفين. في المقابل، تكرّس مبدأ مفاده بأن الموازنة العمومية في "صندوق النقد" يمكن استخدامها بهدف تعزيز السيولة العالمية. وفي 2009، اقترح تشو شياو تشوان، محافظ "بنك الشعب الصيني"، أن "حقوق السحب الخاصة" يمكن أن تصبح عملة احتياطية "عابرة للسيادة" [بمعنى أن تتخطى معطيات السيادة لكل دولة] فتعمل بمثابة "الضوء في النفق لمصلحة إصلاح النظام النقدي العالمي".

وأخيراً، تبدو النظرية النقدية الحديثة والإلغاء الشامل للديون وبروز حقوق السحب الخاصة كعملة احتياطية، كلها أفكاراً مجنونة. في المقابل، لم يكُن التخلي عن معيار الذهب وتعويم العملات، موجوداً في الأفق حتى أعلنه الرئيس نيكسون في 15 أغسطس (آب) 1971.

 

فيل ثورنتون، صحافي ومستشار يغطي مجالات الأعمال والاقتصاد كلها، بما في ذلك الاقتصاد الكلي والتجارة العالمية والأسواق المالية والضرائب والتنظيم

 

© The Independent

المزيد من آراء