Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وقفة خارج السياق

إن لم تكن على اعتقادي فأنت غير مؤمن

نازحون أفغان عند الحدود الباكستانية (أ ف ب)

كنت مشغول الذهن، بما يحدث، لكن صديقي مُلح، أن يجرني بعيداً عما يحدث. كان متيقناً بأن المثلث مربع الأضلاع، وأن الشك في ما نرى هو العمى. بدا لي أنه جاء من كابول في التو، أو أنه أصلاً ليس بحاجة إلى أن يجيء أو يذهب. فاليقين عنده يقين، مثلما شمس نصر طالباني، مثلما هزيمة نكراء للشيطان الأكبر، من طغى وتجبر. أميركا التي تخسر دائماً، لكنها دائماً ما تنكر، منذ سايغون، ثم مقديشو، ثم بغداد، ثم كابول، هل من مرة لم يحدث ما يحدث، بالتوكيد ولا مرة. فتذكرت أنني قد قلت لنفسي:

إن مناقشة بعض المؤمنين، في معتقداتهم، من قبيل الحرث في البحر، فالإيمان لا يستلزم الحوار، بقدر ما هو خلاصة للإشراق واللا بُرهان. فالمؤمن، طوع وجدانه لا عقله، وهذه بداهة أولى، ولا حرج على مؤمن، كما يقال. وبين المؤمن والعاشق قاب قوس أو أدنى، ولهذا فالجماعة بطبعها مؤمنة، فلا إجماع من دون تسليم، ومن يوكل نفسه لجماعة يسلم هذه النفس، هذا منذ البوادئ البشرية، وحتى الساعة.

هكذا من أس الإيمان التسليم، الذي من أسه التوكيل، أي أن النفس موكولة لغيرها. ولهذا فالإيمان قيمة مطلقة، لا تحتمل النسبية، ولا التفرد، ولا الذات، كأن المؤمن لا ذات له.والإيمان كالأفق لا حد له، والمؤمن يسبح في أفقه من دون حدود، لذا يتشابه المؤمنون وإن فرقهم ما يؤمنون به، حيث للإيمان أوجه لوجه واحد، عادة ما يتخفى هذا الوجه وراء هذه الأوجه، فالمؤمن في خلاف ظاهر مع مثيله المؤمن بغير ما يؤمن به هو. فكأن المؤمن لا أحد، ولكن الأحد لكل ما يخالفه في إيمانه، وكأن الإيمان مصادرة على المطلوب.

لهذا المؤمن اكتفاء، وانغلاق مستلزم، فالإيمان كافيه، والإيمان بيته المفتوح على الداخل. والمؤمن يقصيه إيمانه عن غيره، فكأن لا آخر لمؤمن، ومنطق المؤمن أعجم، يلهج بما فيه لنفسه، ولمثيلها الذي ليس بآخر. ومن شروط الإيمان العجمة، أي نفي التفكير، وإن كان ثمة درجة من درجات التفكر، فهنا هذا التفكير بمعنى التذكر، لأن عدو المؤمن النسيان. لذا قيل في موروث العربية، الإنسان من النسيان، ومن هذا واجب المؤمن مكافحة نفسه، أي إنسانيته القاصرة بطبعها، فالمؤمن مجبول في هذه على التوحد، من ذا تتحول الجماعة إلى واحد مجبول على نكران ذاته، أو كما يقال.

من الإيمان، أي التوحد، ثمة مصطلحات، هي مترادفات الواحد، الذي لا مثيل له .ولذا كل إيمان طقسي بالضرورة، أيقونته التكرار، ولغته الشعار، وأي انزياح في مفردات هذه اللغة تحريف. وتوسم لغة المؤمن بالبيان، أي الوضوح، لأن كل غموض نكران لا يستسيغه أي إيمان. حتى وإن كانت لغة المؤمن بطبيعتها مغلقة، فإنها مغلقة على غير المؤمن، وهكذا كأنها سر المؤمن، فإن لم يفك رموزها الغير فذلك لا محالة شهادة بكفره، أي جحوده، وبذا هو ليس من ملة المؤمنين.

برهان كل مؤمن على صدقية إيمانه هذا الجحود، وفي هذا فحسب يمكن البرهان، لأن العقل عقال المؤمن، يعقله عن سفاهة الغير، الجاحد بالطبع .من هنا، كل آخر متهم بالطبع ومدان، لأنه جاحد. فغير المؤمن يستلزم الإقصاء، وغير المؤمن، في الزمان، يستلزم النفي من المكان، فكأن وجود المؤمنين من عدم وجود غيرهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فإن لم تكن على اعتقادي فأنت غير مؤمن، الذي هو فاوست بائع نفسه للشيطان، لأن غير المؤمن بمعتقدي تاجر لا إيمان له، ديدنه الغيرية. وهو ليس منا، وكل من ليس منا ليس من الحق، وكل من ليس على حق باع نفسه، أو أنه يبيعها في السوق بمقابل بخس، من هنا من الحق إرجاعه عن تخبله وريبته إلى الحق البيّن، أو نفيه بالحق من الوجود.

غير المؤمن سفيه بالضرورة، وسالب للحق الأول، الطاعة، ولأنه غير مطيع وجب تطويعه قسراً. فهكذا المؤمن محارب في جيش الحق، وغيره من جيش الباطل، لذا وجب مقاتلة الغير (الآخر). فإن كان الغير كان من أهل الحق ورجع عنه -في اصطلاح مماثل محرف- وجب بتره، كالجسد الذي يصاب عضو فيه بالغرغرينا، الاستئصال درجة في الإقصاء فالصحة.

كل مغايرة سابقة تقصى، وكل مغايرة لاحقة تستأصل، فالمغايرة اللاحقة تزيد من قوة غير المؤمنين، وزيادة كهذه نقصان لروح الإيمان، وما يطال الروح غدر، وهذا الغادر اقتلع روح مؤمن. أما التحريف عند المحرفين، اصطلاحاً، عودة الوعي، فأي وعي شقي، هذا الذي يجعل المؤمن يرتد عن جادة الحق.

هكذا الإيمان هذا دوغما، غطاؤها نكران، وجليها السلب، سلب روح المؤمن، بنفيه لذاته، وتحويله إلى أعجم من قطيع، الذي هو قصور وضعف، يتجلى في نكران الآخر، أي آخر. والمؤمن -كهذا- لا يفسح الطريق، ويغلق كل الممكنات، ويصادر العقل الفاعل- الناقد، فكل معقول يستبطن اللا معقول، العقل شكاك وجب حبسه، ومدعاة للريبة وجب إخصاؤه.

كان صاحبي ولهان طالباني بالنصر، فزدته على نصره نصراً، بالصمت، وكان لسان حاله: الساكت عن الحق شيطان أخرس، وساعتها أحذت أتحسس عنقي.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء