Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران بين رؤيتين متناقضتين... حرب التفاوض بين المرشد والرئيس

كلام روحاني دفع أحد أقطاب التيار الإصلاحي للدعوة علانية إلى إلغاء منصبه

لم يتأخر كثيراً المرشد الأعلى للنظام الإيراني برفض أي إمكانية للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في رده على كلام رئيس الجمهورية حول الإشارات التي وجهها لقيادة النظام خلال الجلسة الرمضانية التي عقدها مع نخبة من السياسيين قبل أيام، والمتعلقة بالفرص الضائعة أمام إيران وعدم استغلالها وجود الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في البيت الأبيض لفتح مسار من العلاقات الثنائية تشكل أرضية لحل جميع الخلافات بين البلدين وتؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بينهما.

روحاني كشف أمام ضيوفه السياسيين الذين يمثلون معظم الأطياف السياسية في إيران (المحافظين والإصلاحيين والمعتدلين) أن الرئيس أوباما وجه أكثر من 19 طلباً لعقد لقاء معه، إلا أنه كان عاجزاً عن اتخاذ خطوة حاسمة في إعطاء الموافقة على أي من هذه الطلبات لأن القرار ليس من صلاحياته، وإنما في يد القيادة العليا للنظام، في إشارة لخامنئي، غامزاً لدائرة الصلاحيات الواسعة والمقررة التي يملكها المرشد على حساب صلاحيات مراكز القرار الأخرى، خصوصاً رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية في هرمية النظام.

كلام روحاني، دفع أحد أقطاب التيار الإصلاحي والمعاون السياسي السابق لوزارة الداخلية والسجين السياسي السابق مصطفى تاج زاده، للدعوة علانية إلى إلغاء منصب رئيس الجمهورية ودمجها مع موقع مرشد النظام، على أن يكون ذلك مترافقاً مع انتخابات حرة لهذا المنصب ليكون مسؤولاً أمام الشعب والدستور في القرارات التي يتخذها.

روحاني حاول في كلامه توجيه رسالة إلى قيادة النظام، بأن التشدد الذي أبدته في رفض أي إمكانية حوار مباشر بين إيران والولايات المتحدة بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 عام 2015، هو الذي أوصل الأمور بين طهران وواشنطن إلى طريق مسدود، وأن الفرصة التي وفرها أوباما لإيران في التخلي عن الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية لأي تفاوض مع إيران حول برنامجها النووي هي التي مهدت الطريق للوصول إلى هذا الاتفاق، وأن المفاوضات لم تكن لتنتج لولا موافقة أوباما على المشاركة فيها ما جعلها مفاوضات مباشرة بين إيران وأميركا. وأن الفرصة كانت مهيأة أمام إيران للحصول على امتيازات إقليمية من إدارة أوباما عن طريق التفاوض المباشر وبناء علاقات متوازنة بينهما.

رسالة روحاني والتي ترافقت مع تأكيده موقف بلاده الرافض لأي مفاوضات تحت الضغط أو في ظل شروط قاسية، كشفت عن وجود خلافات قد تكون حادة بين مراكز القرار في النظام الإيراني الذهاب إلى خيار التفاوض مع عدمه، وأن روحاني يبدو أكثر ميلاً إلى التفاوض في إطار الثوابت الإيرانية، وإبداء ليونة في التوصل إلى تفاهم مع واشنطن حول الدور الإقليمي لبلاده انطلاقاً من رؤيته الاستراتيجية التي تقول بالمنطقة القوية بمشاركة دول الجوار الرئيسية، خصوصاً السعودية، لبناء نظام إقليمي قوي، على حساب رؤية استراتيجية لدى الفريق المتشدد والتي تقول بالدولة الإيرانية القوية ذات النفوذ الذي لا يمكن التفاوض حوله في المنطقة.

هذا الخلاف بين مراكز القرار لم يلبث أن أكده المرشد الأعلى بعد يومين من كشف روحاني له، إذ رفع السقف إلى الحد الأعلى في رفض أي محاولة للضغط الداخلي من أجل الذهاب إلى التفاوض مع إدارة البيت الأبيض الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب.

خامنئي اتهم الجهات التي تدعو للحوار مع واشنطن بالجبن والخوف والتورط في حسابات خاطئة جراء التهويل الأميركي بعملية عسكرية ضد إيران، معيداً التأكيد على الأوراق التي تمتلكها بلاده في المواجهة والتي تقوم على توظيف البعد الإقليمي الاستراتيجي والقدرات الصاروخية، وأن أي مفاوضات مع الجانب الأميركي تستهدف إخراج أوراق القوة من يد طهران والاستفراد بها لاحقاً، بالتالي عليهم الثقة بما في أيديهم من قدرات وعدم الوقوع في وهم الحرب التي تريد أميركا التأثير به على النفسية الإيرانية.

"واللبيب من الإشارة يفهم"، خلاصة الرسالة التي وجهها خامنئي لروحاني، مشككاً في وطنية ومواقف كل من يدعو إلى التفاوض، وأن العاقل في هذه المرحلة لا يدعو لمثل هذا الأمر، مستنداً في ذلك إلى موقفه المشكك دوماً بالنوايا الأميركية والتجاذبات التي تلت التوقيع على الاتفاق النووي وتنصل واشنطن من التزاماتها وتعهداتها في الاتفاق، في محاولة لإبعاد نفسه عن مسار المفاوضات التي انتهت بالتوقيع على الاتفاق، الذي قال عنه روحاني في حينها إنه ما كان من الممكن التوصل إلى هذا الاتفاق لو لم نحصل على توقيع المرشد وموافقته على ما جاء فيه.

موقف خامنئي والإشارات التي حملها حول موقف الحكومة، دفع قوى في التيار المحافظ إلى الذهاب في تفسيرها إلى حد اتهام الحكومة الحالية بأنها لا تتبنى مواقف حاسمة وواضحة في مواجهة أعداء إيران، وأنها تتبنى خيار التفاوض وأن حل جميع الأزمات السياسية والاقتصادية يكمن في خيار التفاوض مع واشنطن لإبعاد شبح الحرب عن إيران. ويتهم هؤلاء الحكومة بأن خياراتها لم تكن يوماً لمصلحة الشعب الإيراني. وأنها تناست أن أوراق القوة التي تمتلكها إيران هي التي أبعدت شبح الحرب عنها.

"لن تحصل الحرب ولن نفاوض"، خلاصة الموقف الذي ألزم به المرشد الإيراني مراكز القرار الإيراني في محاولة لحسم الجدل الداخلي حول مستقبل المواجهة، هو موقف يستعيد من الذاكرة ما حدث عام 1982 عندما استطاع الجيش الإيراني استعادة مدينة خرمشهر (المحمرة) من يد الجيش العراقي ومعها كامل الأراضي الإيرانية، فارتفعت الدعوات الداخلية والدولية وخصوصاً العربية، لإنهاء الحرب والتوصل إلى سلام بين البلدين، إلا أن مؤسس النظام حينها رفض وقف الحرب ودعا إلى استمرارها حتى إسقاط نظام صدام حسين. وبين هذا الموقف وعام 1988 العام الذي أعلن فيها الخميني الموافقة على قرار مجلس الأمن رقم 598، استمرت الحرب من دون أفق سوى المزيد من استنزاف القدرات البشرية والمالية والعسكرية للبلدين وبلدان أخرى من دون الوصول إلى الحسم، فما كان من مؤسس النظام الإيراني إلا أن قال بعد موافقته على القرار الدولي بأنه يشبه "تجرع السم الزعاف". فهل في إشارة خامنئي إلى "السم المضاعف"، في وصف التفاوض مع واشنطن، محاولة للقول أن الظروف الحالية والمعطيات التي تملكها إيران في هذه المرحلة تختلف عما كانت عليه في أيام سلفه المؤسس، وأنه قادر على صنع النصر من خلال ما أعلنه عن "حرب الإرادات" التي لن تصل إلى حرب عسكرية مباشرة؟

المزيد من سياسة