Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عنصرية في توزيع لقاحات كورونا مع حصول الدول الغنية على معظمها

استحوذت البلدان الثرية على غالبية الأربعة مليارات جرعة تحصينية التي وزعت في العالم

في إفريقيا، ما لا يزيد عن 2 في المئة من سكان القارة، البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، استفادوا من الجرعة الأولى للقاح كورونا (رويترز)

في العام الماضي، أخذت العالم الدهشة من قدرة علماء على تطوير لقاحات مضادة لـ"كوفيد- 19" بسرعة بالغة. وتفسر عوامل كثيرة ذلك التعاون العالمي في تحقيق ذلك النجاح الاستثنائي. ويشمل ذلك تضافر جهود قادة العالم في صب الأموال لمصلحة تلك المهمة الحيوية، وعمل العلماء على حشد البحوث التي عبرت الحدود، وتطوع آلاف الأشخاص حول العالم للمشاركة في تجارب على نجاعة اللقاحات وسلامة استخدامها.

إنها قصة مشجعة تتناقض بشكل صاعق مع الطرح العالمي للقاحات المضادة لكورونا، الذي شكّل حكاية نزعة قومية مملوءة بالأنانية مع أوجه تفاوت صارخة وإخفاق مُنيت به البشرية على نطاق المعمورة.

في الأسبوع الحالي، دعت "منظمة الصحة العالمية"، وقد ضاقت ذرعاً بهذه الحال، إلى وقف الجرعات المعززة من اللقاحات في البلاد الأكثر ثراء، مشيرة إلى أنه لا يسع الدول الغنية التي سبق أن استهلكت معظم إمدادات اللقاحات في العالم، أن تنظر في تقديم جولة ثالثة من اللقاحات لشعوبها في حين أن بلاداً فقيرة كثيرة ما زالت عاجزة عن تأمين الجرعة الأولى لسكانها.

حاضراً، نحن إزاء فجوة عالمية عديمة الضمير، وصفها رئيس "منظمة الصحة العالمية" تيدروس أدهانوم غيبريسوس بصورة جلية لا لبس فيها بـ"الفصل العنصري على أساس اللقاحات".

إذ تتمثّل حصيلة اللقاحات عالمياً بأربعة مليارات جرعة تحصينية، استحوذت على 40 في المئة منها البلاد المرتفعة الدخل التي تمثل أقل من نصف سكان العالم. أما في الدول المنخفضة الدخل، فتلقى 1 في المئة من الشعوب جرعة واحدة. وفي أفريقيا مثلاً، أخذ الجرعة الأولى ما لا يزيد على 2 في المئة من سكان القارة البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة. وإذ تعهدت الدول الغنية إرسال جرعات إضافية إلى العالم النامي، فستنتظر غالبية الناس في البلاد الفقيرة سنوات قبل الحصول على لقاحاتهم.

لا مبرر محتملاً لهذا الانعدام الشديد الخطورة في المساواة. وحتى من منطلق المصلحة الذاتية الوطنية السافرة، فإن هذا التوجه سيأتي على الدول [الغنية] نفسها بنتائج عكسية، إذ إن العدوى المتصاعدة في البلاد غير المحصنة تولّد ظروفاً ملائمة أمام نشوء متحورات فيروسية تزداد قوة ثم تتسلل إلى الدول المحمية باللقاحات، فتضعف دفاعاتها. لذا، لا ينفك العلماء يكرّرون أن "لا أحد بأمان (من كورونا) حتى نكون كلنا كذلك". ولكن يبدو أن السياسيين في البلاد التي تعمل على تكديس اللقاحات المضادة من أجل شعوبها، قد صموا آذانهم [عن تلك الكلمات].

وتبعث هذه الحقيقة على ألم شديد لأن قادة العالم النامي ونشطاء ضد انعدام المساواة في مجال الصحة، قد حذّروا من ذلك. كانوا يعلمون أن وضع ثقتهم في السوق بشأن توزيع اللقاحات سيكون فعلاً أحمقاً، ذلك أن السوق لا تعمل على هذا النحو، ولا حتى في غمرة جائحة عالمية. على الرغم من استحواذها على مليارات الدولارات غير المسبوقة من الأموال العامة، ومدفوعة بالابتكار الصحي في المجال العام، احتكرت شركات الأدوية تركيبات اللقاحات، ما أدى إلى نَدْرَة مُحصّلتها صفراً بالنسبة إلى العالم، في مقابل أرباح ضخمة بالنسبة إلى المساهمين فيها. هكذا، عوض أن تكون اللقاحات في متناول الجميع، استحالت سلعة في سوق تنافسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من وجود حملة تطعيم شعبية عالمية متنامية، تقودها مئة دولة من دول العالم النامي، غالباً ما تعرقل الدول الغنية نداءات تدعو إلى التنازل عن حقوق الملكية الفكرية ومشاركة المعرفة التقنية الخاصة بتصنيع اللقاحات إفساحاً في المجال أمام إنتاج أوسع نطاقاً للجرعات التحصينية. وفي ذلك الصدد، تعوّل بلدان الجنوب العالمي (الدول النامية) مُكرَهَةً على النوايا الحسنة في "المبادرة العالمية لتقاسم اللقاحات" ("كوفاكس"Covax )، علماً أنها [المبادرة] تمثّل شراكة بين القطاعين العام والخاص تعمل على توفير التطعيمات المضادة للفيروس في البلدان الفقيرة، وقد أخفقت في تحقيق هدفها الذي يرمي إلى تأمين جرعات لما يصل حتى 20 في المئة من مواطني البلاد المنخفضة والمتوسطة الدخل (في نهاية العام).

في ذلك المنحى، وجّهت عالمة الأوبئة كاثرين كيوبوتونغي، التي تدير "المركز الأفريقي لبحوث السكان والصحة" African Population and Health Research Centre في العاصمة الكينية نيروبي، انتقادات إلى "كوفاكس" واصفة المبادرة بأنها "نهج أبوي يحركه المانحون". في الحقيقة، لم تطلب الدول في مختلف أنحاء أفريقيا وخارجها أن تصل إليها اللقاحات كصدقة أو عمل خيري (من جانب الدول الغنية)، بل أن ترفع براءات الاختراع عن تلك المعرفة كي تتمكن من إنتاج جرعات خاصة بها.

تذكيراً، تدعم منظمات عدّة حركة "لقاح الشعب"، من بينها "برنامج الأمم المتحدة المعني بمكافحة الإيدز" UNAids و"العدالة العالمية الآن" Global Justice Now  في المملكة المتحدة ومنظمة "أوكسفام" المعنية بالقضاء على الظلم المتأتي من الفقرOxfam  و"حرروا اللقاح"Free the Vaccine  (التي تطالب بتحرير براءات اللقاحات من قيود الملكية الفكرية) التي شنت أيضاً حملات خلال أواخر تسعينيات القرن العشرين في سبيل إصلاح التفاوتات الصحية المروعة المتعلقة بوباء الإيدز العالمي. آنذاك، حارب النشطاء ضد شركات الصناعة الصيدلانية بهدف خفض أسعار الأدوية المنقذة للحياة التي ليس بمقدور البلدان الأشد تضرراً شراءها، على غرار الحال في جنوب أفريقيا التي أودى الوباء إبّان ذروته، بحياة ألف شخص يومياً. وقد رفعت شركات الأدوية دعوى قضائية على الرئيس نيلسون مانديلا آنذاك حينما غيّر قوانين براءات الاختراع في جنوب أفريقيا بغية السماح باستيراد عقاقير منخفضة الكلفة وفاعلة ضد فيروس نقص المناعة البشرية [الإيدز]، لكنه أسقط القضية لاحقاً وسط نشوب كارثة علاقات عامة.

بالنسبة إلى النشطاء، التفاوتات القاسية في الحصول على اللقاح المضاد لفيروس كورونا اليوم أشبه بكابوس "ديجافو" (déjà vu بالفرنسية، عندما تشعر بأنك مررت بالموقف عينه سابقاً).

في ذلك الصدد، أخبرتني فاطمة حسن، محامية جنوب أفريقية متخصصة في حقوق الإنسان ومؤسسة "مبادرة العدالة الصحية" Health Justice Initiative التي تدعو إلى الحصول على الأدوية، أخبرتني أن عدم التكافؤ في توزيع اللقاحات قد شكل محفزاً كبيراً بالنسبة إليهم. ووفق كلماتها، "يا إلهي، سبق أن مررنا بهذا، لقد أحرقتنا النار عينها سابقاً، نحن ندرك تماماً ماهية انعدام المساواة في الصحة".

مرة تلو أخرى، يصف نشطاء كُثُر أنهم في مواجهة طبقة سياسية غربية شربت "كولايد" Kool- Aid حلول السوق الحرة (التي فشلت في مرات سابقة) ولا يمكنها الموافقة على إعفاءات براءات الاختراع. في الحقيقة، يتعارض ذلك مع المشاعر العامة. فقد أظهر استطلاع رأي نهض به "بيبول فاكسن ألينس" People’s Vaccine Alliance  ("تحالف لقاح الشعب") في مايو (أيار) الماضي، وجود تأييد جماهيري بـ70 في المئة ضمن دول "مجموعة الدول الكبرى السبع"، يدعم مشاركة تركيبات اللقاحات والمعرفة الخاصة بها.

واتصالاً بذلك، ترى فاطمة حسن أن عدم التكافؤ في الحصول على اللقاحات يتضمن ظلماً جائراً، وقد حفز جيلاً جديداً من نشطاء عالميين يسعون من أجل التغيير.

وفي سياق متصل، فبدفع من تحوّلات تدريجية في حزبه الديمقراطي، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو 2021 دعمه إعفاءات براءات الاختراع [بمعنى تحريرها من قيود الملكية الفكرية وأموالها]، وهو تبدّل مثير في بلد طالما استمات دفاعاً عن حقوق الملكية الفكرية.

واستطراداً، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على دول أخرى تمنع حالياً التنازلات عن براءات اختراع اللقاحات، من بينها المملكة المتحدة وألمانيا. وأفضى ذلك إلى انخفاض شهدته أسعار أسهم اللقاحات، وقد مثّل استجابة في السوق حدثت بمجرد اقتراح أن البلدان النامية يجب أن تحصل على براءات الاختراع كي تُنتج لقاحات خاصة بها. يكشف لنا ذلك حقيقة ينبغي أن تكون واضحة أصلاً، وهي أنه في السباق إلى تلقيح العالم، فإن الإيمان المضلل بالحلول التي تقودها السوق يزهق أرواح الناس.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء