Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستغني السعودية عن الأرقام الهندية؟

أنباء عن توجه باستبدال العربية بها في لوحات الطرق والمناهج والتعاملات

يرجع كثير من المتخصصين قصة الأرقام العربية إلى العصر العباسي (اندبندنت عربية)

هل تتخيل أن تختفي الأرقام الهندية المعروفة حالياً باسم الأرقام العربية من لوحات الطرق والسيارات ومن المناهج ولوحات المدارس ومن الصحف نهائياً؟ هذا ما تردد أن السعودية تعمل عليه بشكل جدي، إذ دعت توصية الحكومة إلى حذف الأرقام الهندية التي تكتب هكذا "١ ٢ ٣ ٤" من التعاملات الرسمية، وتحويلها إلى الأخرى العربية، التي أصبحت سائدة على أنها أجنبية التي تكتب هكذا "123"، إلا أنها هي المعتمدة في كثير من الدول العربية والعالم.

وأكدت مصادر تحدثت إلى "اندبندنت عربية" أن التوجه الجديد، صدر من جهات عليا في الدولة، نص على إحلال الأرقام العربية مكان الهندية التي مضى العمل على استخدامها مدة طويلة في البلاد، وذلك في "لوحات الطرق والتسميات الجغرافية واللوحات المرورية ومناهج التعليم"، ما أدى إلى تحرك سريع من جميع الوزارات السعودية لترجمة ذلك إلى واقع، كما رجحت المصادر أن يأتي ذلك في سياق حملة تقودها وزارة الثقافة النشطة في البلاد.

رأي المتخصصين

وتشير التوصية الأولى الواردة في التقرير الذي حصلت عليه الصحيفة، إلى أن من بين مبررات التوجه أن "دول المغرب العربي حافظت على استخدام الأرقام العربية الأصلية، حيث لا تستخدم غيرها، بينما ترسخ في المشرق العربي أن الأرقام العربية في الأصل إنجليزية عبر مناهج التعليم أساساً وعبر أوعية الإعلام باختلاف صورها، في حين يقر العالم أجمع أن الأرقام المستخدمة عالمياً، اليوم، هي عربية الأصل".

وفي ضوء المسوغات التي أوردتها اللجنة الوطنية للأسماء الجغرافية وما تضمنه التوجيه المشار إليه، يرى متخصصون مناسبة اعتماد استخدام الأرقام العربية الأصلية في كافة ما يصدر عن الأجهزة العامة من مكتبات ووثائق رسمية ومستندات وإصدارات مكتوبة ولوحات ونحوها وفي ما تتلقاه هذه الأجهزة من ذلك، وكذلك في التعليم، "على أن يُراعى التدرج في تطبيق ذلك فيما يتعلق بالوثائق الرسمية واللوحات، ونحوها، بحيث يكون التطبيق في ذلك عند تجديدها أو الحاجة إلى تغييرها أو تعديلها، وأن يكون التطبيق فيما يخص التعليم خلال عامين دراسيين أخذاً في الاعتبار إجراءات طباعة الكتب ونحوها".

 

كما يرى المقررون في الجهة الحكومية أن تراعي ذلك وزارتا الثقافة والإعلام عند قيامهما بالحملة التوعية المقررة في هذه الصدد، بحيث تشمل الحملة هذا المشروع، وأن تشترك وزارة التعليم فيها.

هل أرقامنا هندية؟

قد يعلم الناس أن الأرقام المكتوبة باللغات الأجنبية ما هي إلا أرقام عربية، بينما العرب يستعملون الأرقام الهندية، ولكن هل يعلمون كيف انتقلت إلينا؟

يرجع كثير من المتخصصين قصة الأرقام العربية إلى العصر العباسي، وبالأخص الغزوات الإسلامية في عصر الخلفاء العباسيين وفتحهم لبلاد الهند، وامتزاج الحضارة العربية بالثقافات الهندية في ذلك الوقت، حيث استخدم الهنود عدة طرق في الترقيم، ولكنهم لم يعتمدوا نظاماً موحداً للعد أو الحساب، ففي عام 154هـ/ 771م وفد إلى بلاط الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور فلكي هندي، ومعه كتاب مشهور في الفلك والرياضيات هو "سدهانتا"، لمؤلفه براهما جوبتا، الذي وضعه في نحو عام 6هـ/ 628م، واستخدم فيه الأرقام التسعة.

 

وقد أمر الخليفة المنصور فيما تروي المدونات التاريخية بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وبأن يؤلف كتاب على نهجه يشرح للعرب سير الكواكب، وعهد بهذا العمل إلى الفلكي محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ألف على نهجه كتاباً سماه "السند هند الكبير"، واللفظة "سند هند" تعني باللغة الهندية القديمة "الخلود".

ويوثق المعجم الكوديكولوجي العربي (2011م)، الصادر عن معهد البحث عن تاريخ النصوص في باريس أن العرب أخذوا بهذا الكتاب حتى عصر الخليفة المأمون إلى أن جاء عام 198هـ/ 813م، واستخدم الخوارزمي الأرقام الهندية في الأزياج الفلكية، وهي قوانين لحساب حركات الكواكب وتعديلها للوقوف على مواضعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم نشر في عام 210هـ 825م رسالة تعرف في اللاتينية باسم Algoritmi de numero Indorum أو الخوارزمي عن الأرقام الهندية. وما لبث لفظ Algoritmi أو الجورزم أن أصبح معناه في أوروبا في العصور الوسطى طريقة حسابية تقوم على النظام العشري.

وعرفت هذه الأرقام أيضاً بالأرقام الخوارزمية نسبة إلى الخوارزمي، ومن هذا الكتاب عرف المسلمون حساب الهنود، وأخذوا عنهم نظام الترقيم، إذ وجدوه أفضل من حساب الجمل أو حساب أبجد المعمول به عندهم. وكان لدى الهنود أشكال متعددة للأرقام، اختار علماء العرب في ذلك الوقت مجموعة من هذه الرموز ونظموها وهذبوها وكونوا منها أول نظام رقمي للعد والحساب في العالم.

كيف انتقلت أرقامنا العربية للغرب؟

ويشير المعهد الباريسي إلى أن الخوارزمي قام بعد ذلك باختراع مجموعة أخرى من الأرقام تعرف اليوم باسم الأرقام الإنجليزية، لكنها لم تحظَ بانتشار واسع. وفيما بعد استعملها العرب في الأندلس والمغرب العربي، ومن هناك انتشرت إلى أوروبا، ثم انتشرت في أنحاء العالم كله على الشكل المعروف حالياً في الدول الغربية والمغاربية.

وتعرف هذه الأرقام في ذلك الوقت بالأرقام العربية كذلك بالأرقام الغبارية. وسميت هذه الأرقام بالغبارية، لأنها كانت تكتب في بادئ الأمر بالإصبع أو بقلم من البوص على لوح أو منضدة مغطاة بطبقة رقيقة من التراب. وقد قام الخوارزمي بتصميم تلك الأرقام على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم. فالرقم واحد يتضمن زاوية واحدة، ورقم اثنان يتضمن زاويتين، والرقم ثلاثة يتضمن ثلاث زوايا، إلخ.

ونبغ العرب حينها في عديد من العلوم وطوروها، وأوجدوا عديداً من العلوم لم تكن موجودة من قبل، وأوجدوا الأرقام العربية بمختلف رسوماتها وهندساتها، فالأرقام الإنجليزية المعروفة حالياً ما هي إلا أرقام عربية الأصل. استخدم العرب قديماً طرقاً متنوعة للعد، لتيسير شؤون حياتهم ومعاملاتهم وضبط الزمان والمكان بالمقاييس البدائية، وكانت معظم الطرق متوارثة من العصور القديمة مثل الآراميين والفينيقيين والمصريين القدماء.

وإذا قلنا إن الأرقام المشرقية الحالية والأرقام الغبارية كلتاهما من أصل هندي، فإن ذلك يرجع إلى تعدد أشكال الأرقام الهندية تبعاً لمناطق بالهند كما لاحظ ذلك البيروني، ولعل العرب اكتفوا من هذه الأشكال بصنفين فقط نتج عنهما الطريقتان المشرقية والغبارية، وهما أول نظام رقمي يصلح لكتابة أي رقم، ويستخدم بسهولة في المعادلات الرياضية والجبر الحسابي الذي ابتكره الخوارزمي.

في بداية الأمر استعملت الأرقام الشرقية ذات الأصل الهندي في بغداد وبلاد المشرق العربي، وتمت إضافة الصفر، ويمثل بالرمز (0)، وهو النقطة أو مركز الدائرة التي استخدمها الخوارزمي لتمثيل القيمة (لا شيء).

واستعملت الأرقام العربية أو الغبارية في بلاد المغرب العربي، ثم انتقلت بعد ذلك إلى الأندلس، ثم الدول الأوروبية، وتم التعديل عليها لتتوافق مع اللغة اللاتينية، وظهرت الأرقام الغربية التي نعرفها الآن.

المزيد من تحقيقات ومطولات