Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتجه الصين نحو سحب استثمارات شركاتها من "وول ستريت"؟

يحتمل أن تتسبب القيود الجديدة التي تفرضها حكومتا واشنطن وبكين على المدى القصير في عدم استقرار السوق أو المساهمة في انهيارها

تحصل الشركات الصينية التي تُؤسس في الخارج على صفة كيان الفائدة المتغيرة ليصبح من حقها امتلاك الشركة الأم في الصين والحصول على تمويل من الخارج (رويترز)

استغلت الشركات الصينية ثغرة لغزو سوق الأسهم الأميركية قبل نحو عقدين من الزمان، وجذبت إليها المستثمرين الأميركيين المتحمسين لتحقيق أرباح سهلة من القوة الاقتصادية الجديدة الصاعدة في العالم، إلا أن هناك إشارات حالية باتجاه السلطات الصينية والأميركية نحو إغلاق هذه الثغرة، ما يهدد "وول ستريت" بخسارة تريليوني دولار من القيمة السوقية التي راكمتها 250 شركة صينية مدرجة في البورصات الأميركية.

والثغرة هي حصول الشركات الصينية على صفة كيان الفائدة المتغيرة، وهو شكل قانوني للشركة يكون فيه للمستثمر حصة مسيطرة على الرغم من عدم امتلاكه أغلبية حقوق التصويت، ولا يمتلك حاملو الأسهم في هذا الكيان التجاري، وفي معظم الحالات، يُستخدم لحماية الأعمال التجارية من الدائنين أو الإجراءات القانونية.

وتحصل الشركات الصينية التي تؤسس في الخارج على صفة كيان الفائدة المتغيرة، ليصبح من حقها امتلاك الشركة الأم في الصين والحصول على تمويل من الخارج، ما يسمح لها بالتحرر من القيود على الاستثمار الأجنبي، والالتفاف على لوائح ملكية الأجانب الشركات في القطاعات الاستراتيجية التي تتضمن الاتصالات والتكنولوجيا الفائقة.

الشركة الأولى

وكانت "سينا كورب" الشركة الأولى التي تحصل على هذه الصفة لإدراج أسهمها في بورصة "ناسداك" عام 2000، وشجعت هذه الخطوة شركات صينية عديدة على اتخاذ الصفة التجارية نفسها، ليس في أميركا وحدها، بل في كل أنحاء العالم. وفي أواخر العام الماضي، بلغ حجم القيمة السوقية للشركات الصينية التي تحمل صفة كيانات الفائدة المتغيرة أربعة تريليونات دولار على مؤشر "أم أس سي آي تشاينا"، 700 مليار منها استثمارات للأميركيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي وقت سابق من شهر يوليو (تموز)، بدأت لجنة تنظيم سوق الأوراق المالية الصينية في العمل على إغلاق ثغرة كيانات الفائدة المتغيرة، وأعلن مجلس الدولة الصيني أن إدراج الشركات المحلية في البورصات الخارجية سيخضع للمراجعة والتعديل، كما ستُحكم القبضة على تدفق البيانات عبر الحدود.

ثم بدأت السلطات الصينية بالتدقيق مع شركة "ديدي جلوبال" الصينية لتأجير السيارات، بعد أن جمعت 4.4 مليار دولار من إدراجها في بورصة نيويورك، على الرغم من تحذيرات الحكومة الصينية من القيام بذلك، لتخسر "ديدي" على الفور 29 مليار دولار من قيمتها السوقية.

التوتر

وأصيب المستثمرون الأميركيون بالتوتر من الخطوة التالية، بعد أن وسع المنظمون الصينيون تحقيقاتهم لتشمل شركات أخرى من بينها "علي بابا" و"تينسنت"، فأوقفت شركات صينية كبرى مثل "بايت دانس" و"تيك توك"، خططها للطرح العام الأولي في أسواق الولايات المتحدة.

ويتوقع أن تسمح القواعد الجديدة للمنظمين في الصين بمنع الشركات من إدراج أسهمها في الأسواق الخارجية، حتى وإن كانت هذه الكيانات تأسست خارج الصين وتبيع أسهمها بشكل رسمي.

مزيد من الرقابة

في الوقت نفسه، مررت أميركا أيضاً قرارات تتعلق بإغلاق الثغرة نفسها لضمان مزيد من الرقابة على الشركات الصينية. ففي اليوم التالي على كارثة "ديدي" أصدرت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية أمراً للشركات الصينية المدرجة في "وول ستريت" بالكشف عن المخاطر المتعلقة باحتمال تدخل الحكومة الصينية في أعمالها بشكل منتظم.

وتجيء هذه القاعدة الجديدة بعد عام من تمرير قانون محاسبة الشركات الأجنبية، الذي يشترط على الشركات المدرجة في أميركا أن تعلن أنها ليست مملوكة أو خاضعة لسيطرة أي حكومة أجنبية، والسماح لمجلس الرقابة على الشركات العامة بالتدقيق على عملياتها أو مواجهة الشطب من السوق، وهو ما يتعارض مع موقف بكين التي لم تسمح للمجلس، وهو مؤسسة غير ربحية مكلفة من الكونغرس بحماية المستثمرين، بفحص عمليات الشركات الصينية المدرجة في "وول ستريت" لأسباب تتعلق بالأمن القومي الصيني، لأن غالبيتها من شركات التقنية.

قيود جديدة

ويحتمل أن تتسبب القيود الجديدة التي تفرضها حكومتا واشنطن وبكين على المدى القصير في عدم استقرار السوق أو المساهمة في انهيارها، أما على المدى الطويل، فستضيف هذه الإجراءات إلى الانهيار الذي استمر لسنوات في العلاقات الاقتصادية منذ عقود بين الولايات المتحدة والصين.

وقال سمير رؤوف، المحلل الاقتصادي، "لن تعلن السلطات الصينية على الفور أن كل شركات الفائدة المتغيرة غير قانونية، وأن الأجانب لا يمتلكون شيئاً، ما سيفعلونه هو إعادة هيكلة بحيث تُرجع هذه الشركات إلى الأراضي الصينية، ويُقدم نوع من التعويضات، لكن في النهاية سيُخرج رأس المال الأجنبي من الشركات الصينية"، وأوضح أن "ما يحدث هو حرب تجارية لإعادة التنظيم والسيطرة من الجانبين، فمن ناحية الصين يمكن وصف خطواتها بأنها تحرك استباقي بدلاً من أن تتحول هذه الكيانات الاقتصادية من عنصر تفوق صيني إلى سبب للضغط عليها، وهو أمر بدأ العام الماضي بمحاولة إخضاع هذه الشركات للتدقيق الأميركي وعلاقتها بالحكومة الصينية".

خطوة منطقية

وتابع "إنها خطوة منطقية أيضاً، لأن الطريق إلى عودة العلاقات التجارية بين الجانبين إلى ما كانت عليه قبل دونالد ترمب يبدو مسدوداً، وإدارة جو بايدن تسير على النهج نفسه لكن بهدوء، فهناك على سبيل المثال إجماع على منع الشركات الصينية من نشر تقنيات الجيل الخامس في أميركا وأوروبا، واتخذت أميركا خطوات مع اليابان لنشر تقنيات أخرى من الجيل الخامس، على الرغم من محاولات الصين التي كان من بينها إطلاع الراغبين في التعاقد على المصدر البرمجي، ما يمثل خسارة كبيرة للصين بعد الإنفاق الكبير على التطوير".

أضاف رؤوف أن "هذه الحرب الدائرة تستهدف في جانب منها أيضاً إيقاف عمليات التوسع التي تمارسها الشركات الصينية التي تجمع أموال المستثمرين الأميركيين والأوروبيين لتشتري بها الشركات داخل أميركا وأوروبا، هذا بخلاف الاتهامات التي توجهها واشنطن إلى بكين بالتجسس، وتوسع الصين في قارة أفريقيا التي تعد أحد أهم مصادر الموارد الخام في العالم، وهذا كله يتعلق بالتنافس على الثروة والتكنولوجيا"، وأشار إلى أن "النقطة التي ربما لن تكون في صالح الولايات المتحدة هي تايوان، لأن شركات هونغ كونغ حاصلة على حق تصنيع الشرائح الإلكترونية بالمواصفات الأميركية، وهي أكبر مورد للولايات المتحدة، التي تضع البرمجيات على تلك القطع المستوردة فقط. وهذه الخطوة ربما تعرض الولايات المتحدة إلى ضغط كبير".

تأثير ضخم

من جانبه، قال رائد خضر، المحلل المالي، "لا بد من أن يكون لتلك الخطوات تأثير ضخم في الأسواق والشركات، إذ ينظر المستثمرون في (وول ستريت) إلى الشركات الصينية كفرصة استثمارية مربحة، بشرائهم العام الماضي ما قيمته 800 مليار دولار من الأسهم والسندات الصينية بزيادة 40 في المئة على عام 2019. ولكن حالة عدم اليقين في الوقت الحالي قد تزعزع ثقة المستثمرين ما سيؤثر بشكل كبير في القيم السوقية للشركات الصينية"، وأضاف، "وفق بعض الآراء والتحليلات، فإنه من المرجح ألا تكون هناك شركات صينية مدرجة في الولايات المتحدة في غضون خمس إلى عشر سنوات من الآن، وربما يتبقى القليل منها، وسيعتمد ذلك على تصرف الصين مع تلك الكيانات، لكن من غير المرجح أن تُحظر بشكل صريح، لأن تأثير ذلك سيكون مكلفاً، لأنه سيجبر الشركات على إلغاء إدراجها في البورصات الأجنبية ومن ثم إعادة الإدراج وهي عملية مكلفة للغاية وقد تستغرق سنوات".

إعادة تنظيم العلاقة

وتابع، "يعتقد كثيرون أن الحكومة الصينية قد بدأت في إعادة تنظيم العلاقة بين الشركات الخاصة والدولة، لخدمة اهتمامات الحزب الشيوعي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وقد تؤدي طموحات الحكومة بعيدة المدى إلى آثار خطيرة غير متوقعة في كثير من الأحيان على الشركات، بخاصة أن إبقاء المستثمرين الأجانب سعداء ليست أولوية لدى الحكومة"، وأشار خضر إلى أن "الأمر المقلق بشكل خاص لبعض المستثمرين هو أنه على ما يبدو أن المنظمين أنفسهم غير متأكدين أين سينتهي كل شيء. وكانت الصين قد شهدت انتعاشاً قوياً بقيادة الصادرات، ما ترك مجالاً لصناع القرار لضبط الاقتصاد والمخاطرة بإزعاج المستثمرين الأجانب. وقد يؤدي الأمر في النهاية إلى دفع المستثمرين إلى تحويل استثماراتهم في أسهم النمو الصينية إلى أسهم في أماكن أخرى، ومن المرجح أن الإجراءات الأخيرة لن تخدم الصين على المدى الطويل، وربما تكون هناك فرص استثمارية في ذلك، لكنها ليست بالفرصة السهلة".

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة