Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل شعر الأميركيون بالندم حينما محوا هيروشيما بقنبلة نووية؟ 

استهدف القادة أربع مدن واستعدوا بقائمة أخرى إذا لم تستسلم اليابان

في السادس من أغسطس (آب) 1945 أسقط الأميركيون قنبلة على مدينة هيروشيما اليابانية غيرت العالم، فقد كانت أول قنبلة ذرية في التاريخ، أحدثت صدمة عالمية بالنظر إلى قوة تفجيرها وعدد ضحاياها الذين زادوا على مئة ألف ياباني ماتوا في لحظة واحدة، لكن مبررات استخدام قنابل بهذا التدمير الهائل والتلوث الذري الذي تنتجه بعدها ما زال يثير الكثير من الجدل العالمي بل وداخل الولايات المتحدة التي رفضت الأسف على هذا القرار حتى الآن، فما المبررات التي دفعت الولايات المتحدة إلى استخدام القنابل الذرية؟ ولماذا لم يشعر غالبية الأميركيين بالندم حتى الآن؟ 

أعظم شيء في التاريخ 

قبل 76 عاماً من الآن، ابتهج الرئيس الأميركي هاري ترومان عندما وصلته الأنباء الرسمية بإسقاط قاذفة "بي 29" قنبلة ذرية فوق هيروشيما، ليصف ذلك بأنه أعظم شيء في التاريخ، معتبراً أن أميركا فازت بأكبر رهان علمي في التاريخ عبر تسخير القوة الأساسية للكون بانشطار الذرة، وأن هذا هو وقت القصاص من اليابان التي دفعت ثمن هجومها غير المبرر على قاعدة "بيرل هاربور" الأميركية عدة مرات وقتل الأسرى الأميركيين. 

إظهار القوة 

كان ترومان في هذا الوقت يبحر على متن سفينة عسكرية أميركية في المحيط الأطلسي عائداً إلى واشنطن من مؤتمر بوتسدام في ألمانيا، بعدما حصل على وعد من الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بإعلان الحرب على اليابان، لكن ترومان أبلغ غريمه الجديد ستالين بأن الولايات المتحدة أصبحت تمتلك سلاحاً فتاكاً لا مثيل له، ورد ستالين بضرورة أن يستخدمه مع اليابانيين، وهو ما حدث بالفعل، لأن الأميركيين أرادوا ليس فقط أن يظهروا لليابانيين أنهم يواجهون قوى متفوقة بشكل ساحق وأن عليهم الاستسلام سريعاً، وإنما أيضاً أن يرى منافسهم الجديد الاتحاد السوفياتي، سلاحهم الجديد القوي بشكل عملي في نوع من إظهار عضلات القوة الأميركية. 

مبررات القصف

ساق القادة السياسيون والعسكريون الأميركيون منذ إسقاط القنبلة فوق هيروشيما وناغازاكي مبررات عديدة، منها كلفة تطوير القنبلة الذرية التي بلغت مليارات الدولارات، وضرورة إجبار اليابانيين على الاستسلام السريع لتوفير المال وأرواح الجنود الأميركيين والجنود والمدنيين اليابانيين أيضاً، لأن استمرار الحرب لأسابيع أو شهور عبر استمرار القصف الجوي التقليدي وغزو بري أميركي قد يتسبب بمقتل ملايين اليابانيين و200 ألف أميركي في بعض التقديرات.

ولم تأسف الولايات المتحدة بشكل رسمي على هذا القرار منذ الرئيس ترومان وحتى الآن، فقد كانت المقاومة الشرسة للمقاتلين اليابانيين، التي أدت إلى هجممات انتحارية إلى جانب هجمات "الكاميكازي" على السفن الأميركية، مؤشراً على أن غزو الجزر اليابانية سيكون مكلفاً للغاية في الأرواح المفقودة، ولهذا كان استخدام القنابل الذرية مبرراً، وهو ما عكسته استطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة من تأييد للقصف حتى بعد مرور عدة عقود من تدمير المدينتين اليابانيتين. 

وبالنسبة إلى الرئيس ترومان الذي أصدر الأمر بالقصف، فلم يكن لديه أدنى شك في الحكمة وراء القرار، ولم يشعر بالندم أو الأرق خلال النوم في أي لحظة بسبب ذلك، قائلاً "عندما تضطر إلى التعامل مع وحش، عليك أن تعامله كوحش"، وحتى عندما كشف روبرت أوبنهايمر، المدير العلمي لمشروع مانهاتن لتطوير القنبلة في لوس ألاموس بولاية نيو مكسيكو، خلال لقاء خاص مع الرئيس بعد فترة وجيزة من الحرب بأنه يخشى أن تكون يداه ملطخة بالدماء، طالبه ترومان بأن يتوقف عن القلق، لأنه هو وليس أوبنهايمر من أصدر القرار، وكرر الادعاء الرسمي بأن المدينتين كانتا مكرستين للعمل الحربي. 

أما بالنسبة إلى الرئيس باراك أوباما الذي كان الرئيس الأميركي الوحيد الذي يزور نصب ضحايا القنبلة في هيروشيما، فقد أثارت زيارته جدلاً واسعاً، لكنه أيضاً تجنب إصدار أي اعتذار، ومع ذلك فقد حرص على احترام الرجال والنساء والأطفال اليابانيين وعشرات من السجناء الأميركيين الذين لقوا حتفهم في القصف بالإضافة إلى الذين ماتوا على يد الجيش الياباني، ووضع أحداث القصفين في إطار تاريخي للحضارة الإنسانية المليء بالحروب والصراعات لأسباب مختلفة.

محاولات التجمل

على الرغم من استمرار غالبية المسؤولين الأميركيين في تبرير القصف النووي لهيروشيما وناغازاكي ومواصلة التأييد الشعبي للقرار لعدة عقود، فإن هناك العديد من الشواهد عن محاولات تجميل صورة الولايات المتحدة في الداخل والخارج على حد سواء بعد قصف المدينتين، ففي حين أن حديث السلطات الأميركية كان يركز على أن الخسائر المدنية يجب قبولها كثمن لكسب الحرب، ذهبت الولايات المتحدة إلى حدود قصوى في ممارسة الرقابة على الصحافة وجميع تقارير الإعلام فيما بعد الحرب الذرية، إذ قيدت وحظرت الصور واللقطات الخاصة بآثار القصف، عدة مرات ولفترة زمنية طويلة، وانسحب ذلك حتى على فيلم صوره الجيش الأميركي. 

ووفقاً لتقارير صحافية، تدخل ترومان والبيت الأبيض في خطوة غير مسبوقة عام 1946 لإعادة تصوير مشهد رئيس في أول فيلم درامي عن القنبلة، بهدف عرض قراره في صورة أكثر إيجابية بينما كان الفيلم مليئاً ببعض المغالطات التي أمر بها الجيش الأميركي، كما أصر ترومان على طرد الممثل الذي يلعب دور ترومان، بدعوى افتقاره إلى التأثير العسكري. 

وفي عام 1946 اضطر ترومان وحلفاؤه إلى حث وزير الحرب السابق، هنري ستيمسون، على كتابة قصة غلاف مطولة لمجلة هاربر لمواجهة مقال كتبه جون هيرسي حظي بشعبية تاريخية في مجلة "ذا نيويوركر"، الذي هدد لفترة وجيزة الرواية الرسمية عن قرار إسقاط القنابل الذرية، وهو ما حقق نجاحاً بالفعل. 

وعلى الرغم من أن هناك القليل من الأدلة على أن ترومان ندم حقاً على إصدار أمر باستخدام القنبلة، فإن مشاركته النشطة في درء أي تهديدات للحكمة وراء ذلك القرار والسخرية من بعض الذين أثاروا أسئلة تتعلق بالضرورة الأخلاقية، تشير إلى إدراكه بتعرضه لتحقيق جاد حول قرارات القصف، وهو ربما كان سبباً في تضمين مذكراته أنه قبل أسبوعين من الهجوم على هيروشيما، أبلغ وزير الحرب ستيمسون أن يستخدم السلاح النووي، حيث تكون الأهداف العسكرية والجنود والبحارة هم الهدف وليس النساء والرجال والأطفال. 

هل كان قراراً عادلاً؟

في عام 1945، ترسخت فكرة الحرب العادلة في القانون الدولي، إذ يمكن في الحرب العادلة استهداف المقاتلين فقط، وأن يكون الضرر الذي يلحق بالمدنيين متناسباً مع الأهداف العسكرية، بمعنى أن يكون ضرورياً لتحقيق الأهداف العسكرية، ومع ذلك، يرى البعض أن جميع المواطنين يسهمون في المجهود الحربي، ويمكن أن يكونوا وفقاً لذلك هدفاً مشروعاً في بعض الحالات، مثلما قال الأميركيون بأن هيروشيما وناغازاكي كانتا تسهمان بقوة في دعم الجيش الياباني. 

وحسب رأي عدد من المراقبين، فإن استخدام القنبلة الذرية لا يشكل إضافة خطيرة لعدد الضحايا، وهم يستندون في ذلك إلى أن 100 ألف شخص قتل جراء القصف الأميركي على العاصمة طوكيو وحدها، بينما لقي 900 ألف مصرعهم في القصف الأميركي على سائر المدن اليابانية قبل قصف هيروشيما، وبالتالي كان ضحايا هيروشيما وناغازاكي قرباناً لإنقاذ ملايين اليابانيين والأميركيين الذين كانوا سيموتون حتماً حال استمرت الحرب بهذا الثمن الفادح بالأسلحة التقليدية من القنابل وقنابل النابالم الحارقة. 

لماذا قصف المدن؟

كان استهداف المدنيين فكرة وجدها قادة الحلفاء مقيتة في بداية الحرب، وعلى الرغم من الخسائر الأولية وحملة قصف ألمانيا النازية المحبطة ضد لندن في عامي 1940 و1941، فقد قاوموا في البداية مطالبات أن يذوق الألمان طعم قصف المدن، ولكن بحلول عام 1943 أصبح هذا الأمر أقل شيوعاً، إذ تبنت القوات الجوية الملكية البريطانية استراتيجية "القصف الدقيق" التي تتضمن غارات نهارية على أهداف عسكرية وصناعية وإلقاء منشورات ليلية فوق المدن الألمانية، لكن الاستراتيجية لم تنجح بسبب عدم دقة معدات الطيارين البريطانيين ووقعت خسائر فادحة في الأرواح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم تغيرت التكتيكات وبدأت استراتيجية مثيرة للجدل تُعرف باسم "قصف المنطقة"، التي تقضي بأن تركز قاذفات الحلفاء على الأهداف والمناطق المدنية المحيطة بالأهداف العسكرية، ومع هذه الاستراتيجية الجديدة قرر الحلفاء أن عدوهم ليس فقط أدولف هتلر أو الجيش الألماني، ولكن الروح المعنوية الألمانية.

ونفذت القوات البريطانية والأميركية هجوماً عنيفاً على مدينة هامبورغ الألمانية التي كانت مركزاً رئيساً لكل من التجارة الأوروبية والدولية، وكانت الدعامة الأساسية للقوة العسكرية الألمانية، واستخدمت في الهجوم مع القنابل التقليدية، قنابل حارقة (نابالم) مصممة لبدء نيران مستعرة بعد القصف بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر على المنازل المدنية، وعلى الرغم من ترددهم الأولي، وقع تشرشل والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على خطة تستهدف تدمير المدن الألمانية، وكان منطقهم أن هجوماً أو هجومين غير مسبوقين يكفيان لإنهاء الحرب، فألقوا 9000 طن من القنابل على هامبورغ ما قتل 37000 شخص في الأقل في أول قصف شامل بهذا الحجم في الحرب العالمية الثانية، الذي كان نذيراً بإلقاء قنابل حارقة على مدينة دريسدن الألمانية والتدمير النووي لهيروشيما وناغازاكي عام 1945. 

قنابل إنهاء الحرب

لم يتحقق التدمير المأمول للروح المعنوية الألمانية، وبدلاً من ذلك كشف قصف المدن عن مرونة الشعب الألماني وعزم الدولة النازية على القتال حتى النهاية المريرة، غير أن هذا السيناريو لم يحدث في حالتي هيروشيما وناغازاكي، حينما تغيرت الحرب إلى الأبد بتفجير أول قنبلة ذرية في العالم، فبعد خمسة أيام من قصف ناغازاكي، لم تكن سمعة القنبلة الذرية على أنها قنابل تنهي الحرب قد ترسخت خلال ذلك الوقت، بل كان السؤال عن كيفية استخدام القنبلة الذرية الثالثة والرابعة والخامسة سؤالًا حقيقياً بين العسكريين الأميركيين.

ومن أكثر المزاعم شيوعاً أن الولايات المتحدة لم يكن لديها مزيد من القنابل الذرية بعد الهجوم الثاني، وأن الرئيس هاري ترومان كان يخدع اليابانيين عندما وعد بإسقاط المزيد على اليابان إذا لم تستسلم من دون قيد أو شرط، لكن ذلك لم يكن حقيقياً، فقد كانت الولايات المتحدة تنتج أكبر عدد ممكن من القنابل الذرية مع نهاية الحرب، وكان القادة العسكريون على وشك الاستعداد لنقل القنبلة الثالثة وإسقاطها قبل استسلام اليابانيين، إذ أخبر ترومان دبلوماسياً بريطانياً أنه لا يملك بديلاً سوى الأمر بشن هجوم بقنبلة ذرية ثالثة.

قنابل عديدة 

ولو استمرت الحرب العالمية الثانية بضعة أيام أخرى، فإن احتمالات إسقاط قنبلة ثالثة وإنتاج وتجميع العديد من القنابل الأخرى كانت عالية جداً، لأن الخطط الأميركية لم تتوقع قط أن قنبلتين ذريتين ستنهيان الحرب، بل شعر المسؤولون أنهم سيحتاجون إلى استخدام الحرب الذرية والغزو، فقد كانوا يعتقدون أن القنبلة الذرية ستكون سلاحاً جديداً فتاكاً، لكن لم يكن واضحاً ما إذا كان سيتم اعتبارها سلاحاً حاسماً، بحيث يؤثر في إرادة الحكومة اليابانية للقتال، مثلما حدث حين محت الطائرات الأميركية والحلفاء مدناً ألمانية من دون أن تستسلم ألمانيا. 

عرف الأميركيون من اعتراض اتصالات المخابرات الخارجية اليابانية أن الحكومة اليابانية العليا منقسمة، فقد اعتقد العسكريون اليابانيون، الذين كانوا يتمتعون بأغلبية وزارية في منتصف عام 1945، أنهم يجب أن يستنزفوا الأميركيين ويلحقوا بهم أكبر الخسائر بإطالة أمد الحرب، على أمل أن يرهق الشعب الأميركي من الحرب، في حين اعتبر الفصيل المؤيد للسلام أن هذا التكتيك ليس إلا حماقة ستؤدي إلى تدمير اليابان.

اختيار الهدف

أراد المخططون الأميركيون استخدام القنبلة الذرية لأول مرة لتوضيح نتيجة أثرها التدميري وتداعياتها، ولذا فقد أخذوا في الاعتبار بعناية كيفية استخدامها لأول مرة، واجتمعت اللجنة المستهدفة لمشروع مانهاتن، بقيادة علماء أميركيين وأعضاء بارزين في الجيش، في ربيع عام 1945 لمناقشة المدن التي قد تصبح الأهداف الأولى، وحددوا أهدافهم بأنها يجب أن تكون مناطق حضرية كبيرة لا يقل قطرها عن ثلاثة أميال وتقع في المناطق الكبرى المأهولة بالسكان. بين مدينتي طوكيو وناغازاكي اليابانيتين، وأن يكون لها قيمة استراتيجية عالية، ودرسوا على وجه التحديد 17 احتمالاً منها كاواساكي، ويوكوهاما، وأوساكا، وكوبي، وكيوتو، وهيروشيما، وكوري، وياماتا، وكوكورا، وناغازاكي، ومدن أخرى. 

لكن في اجتماع لاحق عُدلت القائمة ورُوجعت لتضم خمس مدن فقط هي كيوتو وهيروشيما ويوكوهاما وكوكورا ونيغاتا، وكانت كيوتو هي الاختيار الأفضل لأنها كانت مدينة كبيرة ولم يمسها القصف من قبل بالإضافة إلى هيروشيما، التي لم تقصف أيضاً، وكانت تضم في وسطها قاعدة عسكرية كبيرة، كما كانت تحيط بها عدة تلال من شأنها أن تزيد من قوة الانفجار التدميرية.

بحلول نهاية يونيو (حزيران)، أُزيلت كيوتو من أي استهداف ذري أو تقليدي، لأن وزير الحرب هنري ستيمسون قرر إنقاذ العاصمة اليابانية السابقة لأسباب استراتيجية وثقافية على حد سواء، وأقنع ترومان في النهاية بدعمه فخرجت كيوتو من القائمة.

كيف اختيرت هيروشيما؟ 

كان الأميركيون بحاجة إلى هدف احتياطي في منطقتي هيروشيما وكوكورا، فأضافوا مدينة ناغازاكي إلى القائمة، بسبب وجود مصنعي ذخيرة بها، على الرغم من تضاريسها غير المواتية ووجود معسكر لأسرى الحرب.

أعد الأميركيون العدة في 3 أغسطس 1945 لقصف هيروشيما أو كوكورا أو نيغاتا أو ناغازاكي بهذه الأولوية، على أن تُسلم قنابل إضافية لإلقائها على باقي الأهداف المحددة بمجرد أن يجهزها طاقم المشروع، مع اختيار أهداف جديدة بمجرد تدمير المدن الأربع الأولى، فلم يكن هناك أمر بإلقاء قنبلة ذرية واحدة، وإنما أمر بالسماح بإسقاط أكبر عدد ممكن من القنابل الذرية المتاحة. 

وفي الساعة 8:15 صباحاً، كان الطقس مواتياً لإسقاط أول قنبلة على هيروشيما، وانفجرت بقوة تبلغ 15000 طن من مادة "تي أن تي" لتندلع المدينة في دوامة من النار والدمار، لتقتل عشرات الآلاف في غضون دقائق، مع توقع موت 100 ألف آخرين في أعقاب ذلك. 

علم الجيش الياباني أن هيروشيما تعرضت لهجوم كبير، لكنه لم يعرف طبيعته، وبعد سماع إعلان الإذاعة الأميركية اجتمعت القيادة العليا واتفقت على إرسال فريق علمي للتحقيق، إذ أفاد عالم فيزياء نووي ياباني بارز، زار هيروشيما في 8 أغسطس أنه لم يكن هناك أي مبانٍ متبقية تقريباً، ما يعني أن القنبلة الجديدة هي في الواقع قنبلة ذرية.

وبينما كان اليابانيون يؤكدون ما حدث في هيروشيما، كانت مهمة القصف التالية قد بدأت بالفعل، وفي 8 أغسطس، قرر المسؤولون الأميركيون في جزيرة قرب اليابان، من دون استشارة أي شخص في واشنطن العاصمة بما في ذلك ترومان أو حتى ستيمسون وزير الدفاع، أن لديهم السلطة لإسقاط القنبلة الثانية بموجب أمر الإطلاق الصادر سلفاً، فجمعوا القنبلة وحملوها على متن القاذفة، وأرسلوها في طريقها. 

ناغازاكي وليس كوكورا 

كانت كوكورا، وهي بلدة تضم ترسانة أسلحة على الطرف الشمالي من جزيرة كيوشو اليابانية الجنوبية، هي الهدف الأساسي، لكن مجال الرؤية كان سيئاً بسبب الغيوم، وتعرضت مدينة ياواتا المجاورة للقصف في اليوم السابق، ما جعل قائد الطائرة يتقدم إلى ناغازاكي، وفي الساعة 11:02 من صباح 9 أغسطس 1945، انفجرت القنبلة الثانية فوق ناغازاكي بقوة 20 ألف طن من مادة "تي أن تي"، وقتل في الهجوم أكثر من 70 ألف شخص على الفور. 

اجتمعت القيادة العليا اليابانية في 9 أغسطس لمناقشة إعلان الاتحاد السوفياتي الحرب على اليابان وغزوه لمنشوريا عندما علموا بالهجوم على ناغازاكي، وكان من الصعب معرفة ما إذا كان اليابانيون يعتقدون أن المزيد من الهجمات الذرية ستتوالى، لكن من المؤكد أن استخدام القنبلة الثانية بدد أي أمل في أن الولايات المتحدة كان لديها قنبلة واحدة فقط، ومع ذلك لم تكن القنبلة الذرية الثانية ولا الغزو السوفياتي كافيين لدفع اليابانيين إلى الاستسلام غير المشروط، فقد كان المسؤولون اليابانيون مستعدين لتقديم استسلام للأميركيين فقط، مشروط بالحفاظ على دور الإمبراطور وقوته.

وفيما كانت الأمور في العاصمة الأميركية فوضوية يوم 10 أغسطس، حين بدأ عرض اليابان بالاستسلام المشروط من قبل ترومان ووزرائه، كان يجري تجهيز القنبلة التالية في وقت أبكر مما كان متوقعاً في لوس ألاموس بولاية نيو مكسيكو، فقد كان العلماء يعملون على مدى الساعة لوضع اللمسات الأخيرة على مكونات القنبلة التالية لشحنها قرب اليابان في 12 أو 13 أغسطس، وإسقاطها على مدينة يابانية أخرى في غضون أسبوع، لكن الرئيس ترومان أمر القادة العسكريين بعدم إسقاط قنابل أخرى من دون تفويض صريح منه شخصياً، على الرغم من أن دوره كان هامشياً للغاية في التخطيط لاستخدام القنبلة الذرية، فإذا به يلعب دوراً مباشراً في إيقاف استخدام مزيد من القنابل.

كان عرض الاستسلام الأولي لليابان علامة واعدة، لكنها لم تكن كافية لترومان الذي رد بأن الاستسلام غير المشروط فقط هو المقبول من الولايات المتحدة، وتبع ذلك عدة أيام من الانتظار، وعلى الرغم من أن ترومان أوقف القصف الذري، فإن قادة القوات الجوية للجيش الأميركي كانوا ما زالوا يعتقدون أن هناك حاجة إلى مزيد من القنابل، وأوصى بعضهم بقصف طوكيو بالقنبلة التالية، في الوقت الذي كان العلماء يطورون قنبلة جديدة تستخدم البلوتونيوم واليورانيوم المخصب في قنبلة واحدة، مما يسمح لهم بتحسين معدل إنتاجهم بشكل كبير. 

لكن لحسن الحظ، لم يصل الأمر إلى ذلك الحد، فقد أعلنت اليابان الاستسلام غير المشروط لتنتهي أكثر الحروب دموية في التاريخ الإنساني.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات