Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نقص الأطباء ليس سبب ارتفاع وفيات مستشفيات بريطانيا في نهايات الأسبوع

عام 2016 أشعل وزير الصحة البريطاني السابق جيريمي هانت جدلاً واحتجاجات إذ ربط عدد الأطباء في مرافق "هيئة خدمات الصحة الوطنية" خلال العطلات الأسبوعية بحصيلة الوفيات فيها

تظاهرة للأطباء في المملكة المتحدة في أبريل 2016 احتجاجاً على فرض عقود جديدة (رويترز)

تبين أن ارتفاع معدلات الوفيات بين المرضى الذين تستقبلهم المستشفيات في نهايات الأسبوع يعزى إلى نقص في خدمات الأطباء العامين، وسوء الرعاية الصحية المجتمعية، بحسب ما أظهرت دراسة مهمة صدرت نتائجها أخيراً.

قبل الآن، قيل إن ارتفاع معدل الوفيات بين صفوف المرضى في نهايات الأسبوع مرده إلى نقص في عدد الأطباء الاختصاصيين المناوبين في المستشفيات، وذلك عقب دراسات أظهرت أن المرضى الذين قصدوا المستشفيات يومي السبت أو الأحد كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 16 في المئة خلال الشهر التالي من دخولهم، مقارنة بنظرائهم الذين استقبلتهم المستشفيات أيام الأربعاء.

لكن البحث الجديد لم يجد دليلاً يؤكد وجود صلة بين معدلات وفيات المستشفيات من جهة، وعدد الأطباء الاختصاصيين المناوبين فيها من جهة أخرى.

قال "حزب العمال" البريطاني إن حكومة المملكة المتحدة مدينة باعتذار إلى الأطباء جراء إشارتها سابقاً إلى وجود صلة تبيّن عدم صحتها الآن، بين نقص الأطباء ووفيات عطلات نهاية الأسبوع في المستشفيات، موضحاً أن الدراسة تظهر أن الرعاية المجتمعية التي تشتمل على خدمات الأطباء العامين والممرضين والممرضات العاملين ضمن التمريض المجتمعي، كذلك الخدمات المتخصصة من قبيل العلاج الفيزيائي والرعاية الصحية العقلية والنفسية، يلزمها مزيد من التمويل.

وتجيء نتائج الدراسة وسط مخاوف من العبء المتزايد الذي ترزح تحته خدمات الصحة المجتمعية في المملكة نتيجة جائحة "كورونا"، إذ يحتاج مئات الآلاف من الناجين إلى المساعدة بعد مكابدتهم العدوى. في هذا المجال، أظهرت دراسات أن واحداً من كل أربعة مرضى "كوفيد-19" يواجه صعوبات في التغلب على معاناته في المنزل، ويموت واحد من كل 10 مصابين في غضون أشهر من مغادرة المستشفى.

عام 2016، أثار جيريمي هانت، وزير الصحة البريطاني آنذاك، جدلاً بادعائه أن المرضى يموتون لأن هيئة خدمات الصحة الوطنية (أن أتش أس NHS) لم تقدم خدمة فعلية على مدى أيام الأسبوع السبعة.

أشعل هانت نزاعاً كبيراً بين حكومة بلاده والأوساط الطبية في المملكة المتحدة، وأسهم في الخلاف المعروف الذي أدى إلى لجوء آلاف من الأطباء المتدربين إلى أول إضراب شامل عن العمل في تاريخ "هيئة خدمات الصحة الوطنية" منذ سبعينيات القرن العشرين.

تفحصت دراسة بحثية مدتها خمس سنوات بيانات مأخوذة من 115 مستشفى تابعاً لـ "هيئة خدمات الصحة الوطنية"، إضافة إلى واحدة من أكبر المراجعات الخاصة بملاحظات المرضى التي شهدتها المملكة المتحدة على الإطلاق، والتي تضمنت 4 آلاف ملاحظة لفرادى المرضى، وكانت النتيجة الآن أنها قلبت رأساً على عقب الجدل حول الرعاية الصحية المتوافرة للمرضى خلال نهايات الأسبوع، في مستشفيات "أن أتش أس".

وخلصت الدراسة إلى أن حصيلة وفيات نهايات الأسبوع لا علاقة لها بعدد الأطباء الاختصاصيين الموجودين في المستشفيات في نهايات الأسبوع، وأن الرعاية الصحية قد تحسنت فعلاً بمرور الوقت.

في تصريح أدلى به إلى "اندبندنت"، قال الباحث الرئيس الذي تولى قيادة الدراسة إن الأخيرة كشفت نتائج غير متوقعة لا تشير بأصابع الاتهام إلى المستشفيات، إنما إلى حال الخدمات المجتمعية وعمل الأطباء العامين في نهايات الأسبوع، اللذين كما يقول الباحث، ربما يكونان وراء ارتفاع خطر وفاة المرضى الذين يدخلون إلى المستشفيات في نهايات الأسبوع.

وفق جوليان بيون، بروفيسور في طب العناية المركزة في "جامعة برمنغهام" University of Birmingham، لا بد من النظر وبصورة عاجلة في الخدمات المجتمعية لمنع احتمال وقوع وفيات في المستطاع تجنبها في صفوف المرضى.

وقال في هذا الصدد، "كما في أيام الإثنين يحتاج الناس إلى مستوى الرعاية عينه في أيام الآحاد لدرء المرض عنهم، سواء في المجتمع أو في المستشفى. علينا أن نبتكر أنظمة لا تتباين فيها الرعاية اللازمة للناس، سواء اختلف المكان أو الوقت أو اليوم من الأسبوع.

"نواصل البحث في نقطة الدخول إلى المستشفى، ولكن المرض لا يبدأ هنا بل في المجتمع، بيد أن مستوى الرعاية في المجتمع خلال عطلات نهاية الأسبوع أشبه بصندوق أسود".

الدراسة المعنونة "رعاية مركزة مكثفة التخصص" (اختصاراً HiSLAC)، بحثت في عدد ساعات عمل الأطباء الاختصاصيين خلال أيام الآحاد والأربعاء، وقارنتها بمعدلات وفيات المرضى الذين دخلوا إلى المستشفيات في عطلة نهاية الأسبوع، وخلال أيام الأسبوع العادية.

تبين أنه فيما ازداد عدد ساعات عمل الأطباء الاختصاصيين في المستشفيات منذ 2012-2013، عندما استحدثت هيئة "خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا" ("أن أتش أس إنغلاند" NHS England) معايير خاصة بخدمات الصحة المتوفرة خلال أيام الأسبوع السبعة في المستشفيات التابعة لـ "هيئة خدمات الصحة الوطنية"، كانت ساعات عمل هؤلاء المسجلة في نهاية الأسبوع ما زالت تبلغ نصف نظيرتها المسجلة في أيام الأسبوع العادية.

وقال البروفيسور بيون إنه وزملاءه لم يعثروا "على أي دليل يؤكد أن المستشفى حيث يقدم عدد أقل من الأطباء الاستشاريين الرعاية الصحية في عطلات نهاية الأسبوع مقارنة بأيام العمل العادية، قد شهدت معدل وفيات أعلى بين صفوف المرضى. لم يجدوا أي رابط. عندما رأيت البيانات في تحليلنا للمرة الأولى، أتذكر أنني شعرت بدهشة لعدم وجود علاقة بين ارتفاع عدد الوفيات في نهايات الأسبوع وعدد الأطباء العاملين خلال هذه الأيام، ولكن بعد 10 ثوان تقريباً أدركت أني إزاء اكتشاف رائع ومهم، ليس النقص في أعداد الأطباء الاستشاريين في المستشفى المسؤول، فما السبب إذاً؟"

في خطوة لاحقة، تفحص فريقه المكون من 81 طبيباً مدى جودة الرعاية التي يحظى بها المرضى خلال عطلات نهاية الأسبوع من جهة، وأيام الأسبوع العادية من جهة أخرى، وذلك عبر 20 مستشفى تابعاً لـ "أن أتش أس". كذلك درسوا 4 آلاف سجل للمرضى مقسمة على الفترتين المذكورتين عينهما. في النتيجة، وجدوا أن الرعاية المتاحة لمرضى الطوارئ كانت في الواقع أفضل في نهايات الأسبوع منها في أيام الأسبوع العادية.

يبدو أن سبب ذلك حال المرضى الذين يقصدون المستشفيات. وفق البروفيسور بيون، "كان المرضى الذين استقبلتهم المستشفيات في إجازات نهاية الأسبوع أشد مرضاً، ويكابدون أمراضاً مزمنة أكثر، وارتفع احتمال تصنيفهم على أنهم بحاجة إلى علاجات مخففة للألم، ووجدنا أيضاً أن نسبة المرضى الذين أحالهم أطباء عامون إلى المستشفى في عطلات نهاية الأسبوع كانت أقل بمقدار الثلث مقارنة بالأيام العادية"، على ما قال البروفيسور بيون.

كذلك أوضح أن هذه "إشارة" حول نوع المرضى الذين أحيلوا إلى المستشفيات من المجتمع (عيادات الأطباء مثلاً) خلال عطلات نهاية الأسبوع "ساءت بمرور الوقت"، فيما تحسنت جودة الرعاية في تلك المرافق الصحية خلال فترة إجراء الدراسة.

في الواقع، الرعاية المجتمعية الأفضل يمكن أن تدل، بحسب ما أضاف البروفيسور بيون، على تشخيص المرضى الذين يحتاجون إلى تدخلات طبية بشكل أسرع، وتقديم المساعدة لهم قبل أن تتدهور حالتهم، أو عوض ذلك، سيستفيد البعض من الرعاية الصحية المعززة في المجتمع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشكلة ارتفاع أعداد الوفيات التي تشهدها المستشفيات في نهايات الأسبوع معروفة منذ عام 2001 على أقل تقدير، وقد ربطت مراراً وتكراراً بعدد الأطباء الاستشاريين والأطباء المختصين الموجودين في المستشفيات، إنما دونما توافر دليل يدعم هذه الصلة.

ذكر التقرير الكامل للدراسة "رعاية مركزة مكثفة التخصص" أن المسألة صارت مشكلة سياسية و"مصدر توتر" بين الحكومة البريطانية والأطباء.

خلال محادثات لإعادة التفاوض بشأن عقود الأطباء، ربط وزير الصحة آنذاك، جيريمي هانت، وفيات المرضى بأرقام الأطباء، قائلاً إن "شخصاً واحداً أو أكثر عرضة بنسبة 15 في المئة للوفاة في حال دخوله إلى المستشفى يوم أحد مقارنة بيوم أربعاء، لأن عدد الأطباء المتوافرين في مستشفياتنا خلال عطلات نهاية الأسبوع ليس كبيراً خلافاً لمنتصف الأسبوع".

من وجهة نظر البروفيسور بيون، "كان الخطاب السياسي حول حصيلة وفيات عطلة نهاية الأسبوع وخدمات الصحة المتوفرة طوال أيام الأسبوع السبعة غير مجد بشكل واضح، لأن الناس لم يدركوا السبب، وكانوا يوجهون اللوم إلى الأطباء الاختصاصيين في المستشفيات. كان هذا الهدف الذي صب ديفيد كاميرون وهانت غضبهما عليه آنذاك. لقد أدليا بتصريحات لاذعة حول النقص في أعداد كبار الموظفين في المستشفيات. أظن أن ذلك لم يكن مفيداً".

لكن في المقابل، "كان مبدأ توفير خدمات طبية معيارية على مدى سبعة أيام مفيداً جداً، وأعتقد أنه كان صحيحاً تماماً، تريد الحصول على خدمات صحية بالجودة عينها كل يوم من أيام الأسبوع؛ ولا يوجد أي مبرر لتقليصها"، على ما أضاف البروفيسور بيون.

"لا يظهر بحثنا أن الرعاية الطبية في المستشفيات خلال نهاية الأسبوع رائعة. بل يكشف أنها ليست أسوأ من الرعاية المتوافرة في أيام الأسبوع العادية. ثمة فرص مميزة لتحسين جودة الرعاية في المستشفى وفي المجتمع. تحقيق ذلك، سيتطلب توظيف أعداد أكبر من الموظفين، وتقديم تمويل إضافي، وتوفير خدمات دعم إضافية، كذلك الأمر بالنسبة إلى التخصصات والالتزام المستمر".

وقال جوناثان أشوورث، وزير الصحة في حكومة الظل العمالية، إن الدراسة "تؤكد ما كنا نعرفه جميعاً آنذاك، إذ كانت حملة إلقاء اللوم على الأطباء المبتدئين غير مبررة إطلاقاً. إنهم يستحقون اعتذاراً، بل إنهم أهل فعلاً بالحصول عل زيادة عادلة في الأجور من جانب الوزراء".

"كذلك يعزز هذا التقرير ضرورة الاستثمار في الخدمات المجتمعية والتوظيف. لطالما دافعنا عن استراتيجية مستدامة تتصدى لأوجه عدم المساواة في مجال الصحة، وتعتبر الرعاية الصحية المجتمعية ذات التمويل الكافي جزءاً رئيساً من ذلك"، على ما قال أشوورث.

الحال أنه فيما تعهدت "أن أتش أس أنغلاند" بإيلاء المجتمع مزيداً من الرعاية، شهد بعض خدمات الصحة تدهوراً كبيراً في التمويل والقوى العاملة.

هكذا تراجع عدد الممرضين والممرضات العاملين ضمن التمريض المجتمعي مما يزيد على 7 آلاف إلى 4 آلاف ونيف على مدى السنوات الـ 10 الماضية، وقد حذر "معهد كوينز للتمريض" Queen’s Nursing Institute ("كيو أن آي" QNI) من أن هؤلاء اضطروا إلى إرجاء الرعاية اليومية للمرضى قبل جائحة "كورونا".

في الواقع، "كانت "كيو أن آي" طوال سنوات عدة تبرز وتوفر الدليل بشأن نقص الاستثمار في الخدمات المجتمعية الطبية"، بحسب ما ذكرت كريستال أولدمان، الرئيسة التنفيذية لـ "معهد كوينز للتمريض"، وهي مؤسسة خيرية مستقلة تعمل على تعزيز الرعاية التمريضية المجتمعية.

وقالت إن الاستثمار لا يتعلق فقط بسعة المرضى إنما أيضاً بقدرة الموظفين على توفير الرعاية المطلوبة لهم، مضيفة أن توفر الخدمات الطبية طوال أيام الأسبوع السبعة في المجتمع سيساعد في الواقع في تخفيف العبء على المستشفيات.

خلال جائحة "كوفيد-19"، شهد بعض الخدمات المجتمعية زيادة تخطت نسبة 50 في المئة في إحالات المرضى، إذ احتاجت أعداد إضافية من المصابين إلى المساعدة في المنزل.

في هذا السياق، قالت تريسي ألين الرئيسة التنفيذية للمؤسسة الخيرية "خدمات صحة المجتمع"، إن "التقرير يكشف كما يبدو أنه لا يمكنك النظر إلى المستشفيات وتجاهل الجهات الأخرى، لأن الناس يبدأون تشخيصهم أو علاجهم في المجتمع (الأطباء العامون)، ثم يدخلون إلى المستشفى ويخرجون منها، ونحن بحاجة إلى إيلاء خدماتنا الصحية التركيز العدلي نفسه الذي أعطيناه للمستشفيات الحادة".

كذلك قال متحدث باسم "أن أتش أس إنغلاند" إنه إضافة إلى الوصول المستمر إلى المستشفى، نقدم دعماً صحياً على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع للمرضى في المجتمع، وذلك عبر عيادات الأطباء العامين في شتى أنحاء البلد، والتي توفر أصلاً المساعدة خارج ساعات العمل وعطلة نهاية الأسبوع للمرضى والصيدليات وخط الطوارئ الإلكتروني 111 الخاص بـ "هيئة خدمات الصحة الوطنية" وخدمات الهاتف.

"وظفت "أن أتش أس إنغلاند" عدداً من الاستثمارات الأخيرة من أجل دعم شبكة الرعاية هذه خلال الضغط غير المسبوق الذي شهدناه في خضم الجائحة، من بينها 270 مليون جنيه استرليني لتوسيع السعة المتوفرة لدى الأطباء العامين، وتنشر فرق الأزمات المجتمعية في مختلف أنحاء البلاد لتوفير خدمات عاجلة لرعاية الناس في منازلهم على مدى أيام الأسبوع السبعة".

وقال متحدث باسم "وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية" في بريطانيا إن الإصلاحات التي تعتزم الحكومة إدخالها على نظام "هيئة خدمات الصحة الوطنية" ستوفر رعاية أكثر تكاملاً للمرضى.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة