Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العمال" البريطاني يستطيع أن يستعيد مكانته إذا تعلم بعض الدروس الجوهرية

لم يطوِ النسيان بعد أن هذا الحزب سبق له أن حاز غالبية ساحقة جراء استقطاب قاعدة دعم عريضة بصورة لافتة، وهو الأمر الذي أبقاه في السلطة في الأعوام الـ13 التالية

لم يفُز حزب العمال إطلاقاً بالسلطة إلا من خلال تشكيل تحالف للمصالح والناخبين ( اندبندنت عربية - علاء رستم)

مهما كان مدى نجاح الدعاية المتبعة للتخفيف من وطأة نتائج الانتخابات المعلنة حتى الآن، فإن هذه تبقى بعيدة كل البعد من أن تكون مشجعة لحزب العمال. فحتى في ظل جائحة فتّاكة وظروف ركود اقتصادي هو الأسوأ من نوعه في 300 عام، استطاع الحزب الحاكم الغارق في مزاعم الفساد والذي يعتبر سجله بعيداً كل البعد من التألق والنجاح، أن يخرج من الاختبار الانتخابي الأخير وهو راضٍ نسبياً بما حققه.

وفي هارتليبول، لم يخفق حزب العمال فقط في استعادة أصوات المشككين في الاتحاد الأوروبي التي خسرها لحزب "بريكست" عام 2019، بل هو أخفق في التشبّث بحصته القائمة من الأصوات. صحيح أن هارتليبول كانت واحدة من أكثر الدوائر الانتخابية تأييداً للخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 2016، ولكن مع ذلك...

موقف النائب السالف الذي مثّل هارتليبول في مجلس العموم بيتر ماندلسون (الذي يعرف بعض الشيء عن الدعاية والتلاعب) واضح وضوح الشمس، فهو يرى أن حزب العمال لا يحتاج إلى طي صفحة فحسب، بل إلى فتح كتاب جديد.

وهو محق بكل تأكيد- لكن ما الذي سيحتويه هذا الكتاب الجديد؟ ربما لن يكون محتواه عبارة عن اتفاقية ماستريخت، أو إحدى الاتفاقيات التي تفرّعت عنها. على الرغم من أن التوجه العام في دوائر "الجدار الأحمر" الانتخابية، معاقل حزب العمال التقليدية، كان يتحرك في عكس مصلحته لسنوات عدة، فإن استفتاءين اثنين أعطيا هذه الحركة البطيئة دفعة كبيرة: استفتاء استقلال اسكتلندا عام 2014  واستفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

ومن دون تمثيله القوي في مناطق الطبقة العاملة في أنحاء بريطانيا كافة، لم يحظَ حزب العمال بفرصة كبيرة لتشكيل حكومة في برلمان وستمنستر؛ وحتى المدّ الذي تحقق في ظل زعيمه السابق كوربين عام 2017 أخفق في وقف تفسّخه، وكان ذلك قبل أن يقلب بوريس جونسون حزب المحافظين إلى فريق شعبوي متطرف مؤيد للانسحاب من الاتحاد الاوروبي غير آبه بالمشكلات [الناجمة عن قراراته] .

لقد غيّرت عملية إعادة الاصطفاف حزب المحافظين نفسه، نحو الأفضل، عند النظر إلى الموضوع من كل الجوانب، ومكّنته من الادعاء بأنه يمثل الأمة بكاملها.

وأصبحت هارتليبول آخر رموز هذا التغيير، بيد أنها ليست رمزه الوحيد على الإطلاق. وعلى النقيض من ذلك، يبقى حزب العمال قوياً كما كان على الدوام، هذا إن لم يكن موقعه بات أكثر ثباتاً، في التجمعات المدنية الإنجليزية، ويتمتع بتقدم كبير على الأحزاب الأخرى في أوساط الشباب وأنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي وخريجي الجامعات وأبناء الطبقات المهنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما ليس من المفيد جداً القول إن حزب العمال استعمر ما تبقّى من الدوائر الانتخابية التي كانت قديماً معقلاً لحزب الديمقراطيين الأحرار، غير أن حزب الخضر أخذ يجرّده من بعض الدعم المهم الذي يتمتع به. وتماماً كما سرق القوميون الإنجليز الشعبويون الكثير من أصوات حزب العمال في إنجلترا، فقد فعل ذلك أيضاً نظرائهم في الحزب القومي الاسكتلندي في اسكتلندا.

لم يفُز حزب العمال إطلاقاً بالسلطة إلا من خلال تشكيل تحالف للمصالح والناخبين، والنجاح بطريقة من الطرق في اجتذاب المثقفين والعمال اليدويين معاً في كل أنحاء البلاد. يظهر التاريخ أن حزب العمال يجد هذه المهمة أكثر إزعاجاً من حزب المحافظين، الذي تمتع على الدوام في عصر الديمقراطية ببعض دعم الطبقة العاملة "الوطني". ويبدو أن لدى المحافظين الآن تحالفاً لا يقهر من الناخبين وقبضة قوية على السلطة.

هل يجب أن يخسر حزب العمال؟ لا. حسناً، في ذاكرتنا الحية، في 1997، حقق حزب "العمال الجديد" غالبية ساحقة على أساس بناء قاعدة دعم عريضة بصورة لافتة، وهو الأمر الذي أبقاه في السلطة في الأعوام الـ13 التالية. لم تكن انتصارات توني بلير الثلاثة حتمية ولا كان من الممكن لها أن تتكرر في الظروف السائدة في العقد الراهن، ومن شأن سمعة بلير داخل حزبه نفسه أن تقضي على فرص أي مشروع يقوم على محاولة إحياء تجربته بالإقلاع – لكن ينبغي تعلّم الدروس من فترة نجاح حزب العمال الأخيرة، من جديد.

سواء كان كير ستارمر من أتباع بلير الجدد أو لم يكن، يجب على الحزب أن يمضي على طريق التعافي والوصول إلى السلطة ذاته الذي سار عليه في تسعينيات وستينيات القرن الماضي.

وعلى الرغم من تحديث السياسات، فإنها لا تزال في حاجة إلى أن تكون عملية وقابلة للتصديق وشعبية أيضاً؛ ويجب أن توحي نبرة عرض هذه السياسات بالتفاؤل والثقة؛ وعدم تقديم الوعود إلا حين يكون من الممكن الوفاء بها؛ وينبغي تجنّب الأيديولوجيا ونبذ التشدد العقائدي والتخلي عن حرب الطبقات والربط بين سياسات الهوية والعدالة الواضحة؛ كما أن من الضروري حماية الرموز والقيم التقليدية، ووضع الاقتصاد في مقدمة كل شيء وصميمه أيضاً.

إن ما يريده الناخبون في هارتليبول، وأماكن أخرى، ليس من الصعب تبيّن ملامحه بالنسبة إلى أولئك الذين يهمهم أن يصغوا إلى الناس هناك. وقبل كل شيء، يريد هؤلاء الناس الوظائف والفرص والازدهار، التي تمتعوا بها يوماً، والتي ما زال توافرها هو القاعدة في معظم أجزاء الشطر الجنوبي من البلاد.

عندما يتحدث جونسون عن الاستثمار وإعادة البناء بشكل أفضل ورفع المستوى الاقتصادي، فإن الناس يستجيبون لذلك؛ تماماً كما يفعلون حين تنقل الحكومة بعض الوظائف إلى الشمال وتنشئ موانئ حرة وترفع مستوى الإنفاق على البنية التحتية. فذللك يبدو كتحقيق للوعود إلى حد بعيد (حتى عندما يكون مشوباً ببعض الخداع).

وإن هؤلاء الناخبين يريدون مدراس ومستشفيات أفضل، ولكن شرط ألا يسبب توفيرها أزمة في المالية العامة ويؤدي إلى زيادات ضريبية كبيرة. إنهم يريدون من قادتهم أن يتحدثوا عن توسيع نطاق التكنولوجيا وتنميتها، وليس عن بنوك الطعام ونزع السلاح النووي. يتمتع مجتمع تكافؤ الفرص التي يحظى بها الناس بفضل إمكاناتهم، بجاذبية خالدة، أياً كان مَن "يبيع" هذا المجتمع ويعد بتحقيقه؛ وقد أثبت مجتمع الرفاهية عموماً أنه أقل قدرة على الفوز برضى الناس.

إن هذا النوع من الأجندة هو الذي فهمه جيداً توني بلير وهارولد ويلسون، وهما الشخصان الوحيدان اللذان استطاعا أن يحققا انتصارات انتخابية لحزب العمال في العقود الستة الأخيرة. قال بلير ذات مرة إن حزبه سيخرج من السلطة إن كفّ عن أن يكون "حزب العمال الجديد". ربما كان في هذا القول بعض الاستعلاء، بيد أن صحته قد ثبُتت كما يبدو منذ عام 2007. ومن الضروري أن يعمد زعيم حزب العمال الحالي إلى تذكير حزبه بالدروس القاسية التي ينبغي تعلّمها من انتخابات هارتليبول ومن التاريخ أيضاً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء