مع تصاعد وتيرة الخلاف الدولي مع إيران، أصبحت مياه الخليج العربي مسرحاً جديداً لاستهداف ناقلات النفط، في إحدى صور تطور الصراع في الإقليم، الذي كانت عمليات إيران التخريبية فيه محصورة في "حروب الوكالة"، عبر توظيف طهران أذرعها في المنطقة سواء في العراق أو اليمن ولبنان وسوريا، قبل أن تصبح هي من تباشر تلك العمليات وفقاً لتأكيدات دول مثل بريطانيا وأميركا، على الرغم من نكران طهران.
ويرى المحلل السياسي حمود الرويس أن الاعتداء على السفن التجارية في مياه الخليج العربي وبحر العرب واستهداف خطوط التجارة العالمية وقبلها استهداف ناقلات النفط في مياه خليج عمان تعد من الجرائم الدولية التي تستهدف فيها إيران اقتصاد العالم الذي بدأ للتو التعافي من جائحة كورونا.
وأكد أن "لغة الردود الدولية بالذات من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل تشير إلى أن هناك عقاباً يُحضر له ضد إيران".
وكانت ثلاثة مصادر أمنية بحرية قالت، أمس، إنه يُعتقد أن قوات مدعومة من إيران استولت على ناقلة نفط في الخليج قبالة ساحل الإمارات، وفقاً لوكالة "رويترز" لكن طهران نفت هذه التقارير واعتبرتها "مؤامرة" ضدها. وجاء ذلك بعد أن ذكرت هيئة التجارة البحرية البريطانية في وقت سابق أن "حادث خطف محتملاً" وقع قبالة ساحل الفجيرة الإماراتية، أمس الثلاثاء، كما أظهرت بيانات بحرية، أن ثلاث سفن في خليج عُمان "خارجة عن السيطرة" بعد أنباء عن حادث "غير معروف"، في حين ذكرت وسائل إعلام بريطانية أن مسلحين صعدوا على متن السفينة "أسفلت برينسس" في خليج عمان واختطفوها. وكشفت مصادر روسية أن مسلحين يحتجزون طاقم سفينة "أسفلت برينسس" المختطفة في خليج عمان كرهائن.
يأتي ذلك بعد خمسة أيام من تعرض سفينة إسرائيلية لهجوم بحري في المنطقة نفسها، أسفر عن مقتل اثنين من طاقمها، وسط تنديد أميركي وبريطاني وإسرائيلي ووعيد بـ"رد جماعي مقبل".
عمليات عسكرية موجهة
على إثر ذلك توقع الرويس أن العقوبات جراء تلك الاعتداءات لن تخلو من سيناريوهات، ليس أبعدها "ضربات عسكرية موجهة لإيران سواء في العمق أو في دول حاضنة للوجود الإيراني".
واستطرد بالقول "ويمكن أن تشمل سيناريوهات عقوبات أميركية جديدة على إيران وتستهدف النفط الإيراني، أو عقوبات جماعية أوروبية - أميركية شبيهة بالاحتواء المزدوج ضد العراق".
ولفت إلى أن سيناريو استصدار قرار من مجلس الأمن لمعاقبة إيران معقد، وذلك لأن "هذه الخطوة ترفضها كل من روسيا والصين اللتين تقفان موقف الضد من أي إجراء أميركي أكثر من كونهما داعمتين لإيران".
وحول سيناريو العمليات العسكرية ضد إيران، قال "إن دخول الولايات المتحدة الأميركية في عمليات عسكرية مباشرة يتطلب إجراءات طويلة تمر عبر الكونغرس ولجانه المختلفة وصراع الجمهوريين والديمقراطيين، ولكن ستعطي الضوء الأخضر لإسرائيل، ثم تكون الولايات المتحدة وبريطانيا جاهزتين لدعم عملياتها العسكرية، وحين تستهدف طهران خلال العمليات العسكرية مواقع أميركية فإن الولايات المتحدة سترد دفاعاً عن النفس، وهذا الإجراء لا يتطلب إذناً من الكونغرس لأنها حالة دفاع محضة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتفق معه الكاتب خالد باطرفي في إمكانية استهداف إسرائيل لمواقع عسكرية إيرانية، وقال "لدى إسرائيل العديد من الخيارات للرد على إيران منها الخيار العسكري وضرب مواقع إيرانية حساسة أو عسكرية، خصوصاً وأنها ستلقى الدعم المطلوب من الولايات المتحدة وبريطانيا".
وأضاف "إسرائيل لديها جهاز طيران عسكري قوي يستطيع الوصول إلى العمق الإيراني دون أن تكشفها الرادارات، ومن المحتمل أن يكون الرد عبر استهداف مواقع نووية أو حيوية في العمق".
ولفت باطرفي إلى أن من الخيارات أمام تل أبيب للرد الهجوم الإلكتروني أو عمليات استخباراتية وتفجيرات في الداخل الإيراني، أو تصفية شخصيات مهمة، وقد حدث مثل ذلك في السابق".
الحرب بالوكالة
ويرى باطرفي أن إيران خياراتها في هذه المواجهة محدودة، ومنها استهداف السفن داخل مياه الخليج القريبة من مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمر عبره جزء كبير من النفط العالمي، أو أنها تسلط أذرعها في المنطقة للقيام بأعمال تخريبية وهو ما يعرف بـ"حرب الوكالة".
من جهته يؤكد المحلل السياسي أحمد الأنصاري أن "إيران لا تمتلك القدرة الكافية للدخول في صراع عسكري مع إسرائيل أو غيرها في المنطقة، لا سيما وأن كل ما نشاهده على أرض الواقع هو حرب بالوكالة لصالح إيران، سواء في سوريا أو لبنان أو فلسطين أو اليمن عبر العملاء".
وحول حرب السفن الدائرة بين الطرفين، استبعد باطرفي قيام إسرائيل بالرد على استهداف سفنها بذات الطريقة، وقال "من غير المتوقع أن نرى عمليات استهداف سفن من قبل تل أبيب داخل الخليج العربي، خصوصاً وأنها مستفيدة من خطوط الملاحة في المياه الدولية، ومن غير المتوقع أن تضر بمصالحها".
مسلسل الأزمة
وبالعودة إلى الفصل الجديد من حرب الناقلات، فإن المواجهات اندلعت في 25 فبراير (شباط) الماضي عندما تعرضت "أم في هيليوس راي" الإسرائيلية لانفجار قبالة سلطنة عمان، بحسب شركة "درياد غلوبال" المتخصصة في الأمن البحري.
بعد ذلك في الأول من مارس (آذار) الماضي، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إيران بالوقوف وراء تفجير السفينة. لكن طهران رفضت هذه الاتهامات ووجهت تحذيراً لإسرائيل.
وفي العاشر من مارس، استهدفت سفينة الشحن "شهر كورد" التابعة لشركة الملاحة الوطنية الإيرانية "إيريس" بانفجار عبوة ناسفة أثناء إبحارها في البحر الأبيض المتوسط، وفقاً لوسائل إعلام إيرانية عدة.
وفي اليوم التالي، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريراً، نقلاً عن مسؤولين أميركيين ومن الشرق الأوسط، أن إسرائيل بدأت تستخدم منذ نهاية 2019 أنواعاً مختلفة من الأسلحة، بما فيها الألغام البحرية، مستهدفة ما لا يقل عن عشر سفن إيرانية خلال توجهها إلى سوريا محملة بالنفط الإيراني.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس وقتها، إنه لا يعلق على "معلومات وسائل إعلام أجنبية". بحسب "رويترز".
وفي 15 من الشهر نفسه، أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أن طهران "ستستخدم كل الخيارات للدفاع عن حقوقها" مضيفاً "نظراً إلى الموقع الجغرافي الذي تعرضت فيه السفينة الإيرانية للهجوم، فإن كل شيء يشير إلى أن نظام الاحتلال هو الذي يقف وراء هذه العملية".
البحار محل الاستهداف
وفي السادس من أبريل (نيسان)، تعرضت سفينة تجارية إيرانية لأضرار طفيفة في البحر الأحمر قرب ساحل جيبوتي بسبب انفجار "والتحقيقات الفنية جارية لمعرفة ظروف الحادث ومصدره" وفق الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية.
وكانت وكالة "تسنيم" الإيرانية أفادت في وقت سابق أن "ساويز" هي سفينة تستخدمها القوات المسلحة الإيرانية وأنها تضررت جراء "ألغام لاصقة".
وأوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "ساويز" كانت هدفاً لهجوم "انتقامي إسرائيلي بعد هجمات إيرانية استهدفت سفناً إسرائيلية".
في 13 من أبريل من هذا العام، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن سفينة تابعة لشركة إسرائيلية تعرضت لهجوم قرب ساحل الإمارات العربية المتحدة قبالة إيران. ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر أمنية فضلت عدم الكشف عن هويتها أن السفينة "هايبريون راي" قد "تعرضت لضرر طفيف" بنيران من المحتمل أن تكون إيرانية قرب ميناء الفجيرة الإماراتي.
في 29 يوليو (تموز) كان آخر هجوم حتى الآن تتعرض له سفينة تابعة لإحدى الدولتين، ولكن الهجوم على ناقلة النفط "ميرسر ستريت" التي تشغلها شركة يملكها ملياردير إسرائيلي أسفر عنه مقتل شخصين.
وتتهم كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، إيران التي تنفي أن تكون ضالعة في هذا الهجوم.
لكن شركة "درياد غلوبال" المتخصصة في الأمن البحري تحدثت عن "أعمال انتقامية جديدة في الحرب التي تجري في الخفاء بين القوتين"، أي إيران وإسرائيل نقلاً عن وكالة "رويترز".