Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستتغير سلطات شن الحرب الأميركية؟

الكونغرس يتحرك لاستعادة دوره المفقود لكن السياسة الخارجية ستتأثر

هناك جهود لاستعادة سلطات الكونغرس المفقودة منذ عقود في ما يتعلق بقضايا الحرب والسلام (رويترز)

قبل أيام، قدمت مجموعة متنوعة من الديمقراطيين والجمهوريين المختلفين أيديولوجياً مشروع قانون جديد في مجلس الشيوخ الأميركي، من شأنه حال إقراره أن يغير بشكل كبير مقدار القوة النسبية للسلطة التي يتمتع بها الرئيس والكونغرس لشن الحرب أو أي عمليات عسكرية. فما هذا المشروع، وكيف سيشكل ضغوطاً على السياسة الخارجية للرؤساء الأميركيين عندما يعتزمون توجيه ضربات عسكرية في الخارج؟

تقليص سلطات الرئيس

بعد ما صوت مجلس النواب الأميركي، يونيو (حزيران) الماضي، على إلغاء تفويض استخدام القوة العسكرية عام 2002 الذي منحه الكونغرس الرئيس جورج دبليو بوش لغزو العراق، من المقرر أن يناقش أعضاء مجلس الشيوخ إذا ما كانوا سيقرون هذا الإلغاء. لكن، قبل نحو أسبوعين، اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تشريعاً جديداً من شأنه أن يقيد السلطات التي يتمتع بها الرئيس الأميركي في شن الحرب بشكل عام، في إطار جهد طويل الأمد يعكس اهتماماً متزايداً بين المشرعين في الولايات المتحدة لاستعادة سلطات الكونغرس المفقودة منذ عقود في ما يتعلق بقضايا الحرب والسلام.

وبحسب مقترحي مشروع القانون الجديد، سيتم تشديد القيود على القانون الخاص بسلطات الحرب الصادر عام 1973 عندما كانت حرب فيتنام تقترب من نهايتها، وهو قانون يلزم الرؤساء بالحصول على موافقة الكونغرس بعد دخول القوات المسلحة الأميركية في حرب أو عمليات قتالية طويلة، وإذا لم يوافق الكونغرس، ينبغي وقف الحرب والعمليات العسكرية بعد 60 يوماً من انطلاقها.

قيود أوسع

ووفقاً لمشروع القانون المقترح، الذي قدمه السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي والسيناتور الجمهوري مايك لي، إضافة إلى السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز، سيُضاف بند يقطع تلقائياً تمويل العمليات العسكرية التي لم يصرح بها الكونغرس، ويقلص الفترة الزمنية التي يتعين على الرؤساء خلالها إنهاء العمليات العسكرية غير المصرح بها، فضلاً عن أنه يسحب التراخيص الحالية باستخدام القوة العسكرية، بما في ذلك الإجراءات التي وافق عليها الكونغرس لغزو أفغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2002. وسيحدد المشروع تعريفاً للأعمال العدائية الحربية في قرار سلطات الحرب، وهو ما يعد تحولاً كبيراً نظراً لأن الإدارات الأميركية السابقة سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية، فسرت قرار سلطات الحرب السابق على أنه يمنح الرئيس سلطة شن عمليات عسكرية من دون موافقة الكونغرس.

ومن غير الواضح، حتى الآن، إذا ما كان مشروع القانون سيحظى بموافقة غالبية أعضاء مجلس الشيوخ، بالنظر إلى أنهم امتنعوا في السابق عن الموافقة على إجراءات كانت أضيق بكثير، لكن المشروع الجديد يأتي في وقت أعرب فيه المشرعون من الحزبين عن اهتمامهم المتجدد بتخفيف سلطات الحرب الرئاسية، وسط رفض شعبي واضح للصراعات العسكرية التي تنخرط فيها القوات الأميركية في الخارج.

تأثير على السياسة الخارجية

وسواء تم تمرير هذا القانون كما هو، أو مع تغييرات كبيرة، أو من دون تعديلات على الإطلاق، فإن اقتراحه يشير إلى جهد دؤوب لاستعادة سلطة الكونغرس على العمل العسكري والإنفاق الذي تنازل عنه الكونغرس تدريجاً على مدى عقود، كما أنه يمارس الضغط على الرؤساء لتقييم أهداف سياستهم الخارجية بشكل أكثر وضوحاً، لتحديد إذا ما كان العمل العسكري، في الواقع، مناسباً ومبرراً.

وعلى الرغم من أن قرار سلطات الحرب لعام 1973 حاول تقييد السلطة الرئاسية بعد كوارث حرب فيتنام، فإنه بعد التحول من الرقابة التشريعية في الكونغرس إلى السيطرة الرئاسية لعقود عدة، أصبحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة أقل تداولاً في أروقة الكونغرس، وتمتعت الإدارات من الحزبين بقدر كبير من السيطرة على إذا ما كانت الولايات المتحدة ستدعو القوات المسلحة للتدخل العسكري ومعالجة التطورات في الخارج.

معايير جديدة

ولهذا، سينهي مشروع القانون الجديد هذه الثغرة، ويطلب من الرؤساء شرح أفعالهم بشكل أوضح للكونغرس والشعب الأميركي. فقد سعى الرؤساء الأميركيون منذ فرانكلين دي روزفلت إلى الالتفاف على الرقابة والقيود التي يفرضها الكونغرس من خلال إثارة مخاوف غامضة عند إصدارهم أوامر بشن عمليات عسكرية، مثل الأمن القومي، الأمن الإقليمي أو الحاجة إلى منع كارثة إنسانية، لكنهم عادةً لا يمنحون الكونغرس معلومات واقعية محددة في شأن طبيعة العملية أو مدتها المتوقعة.

غير أن مشروع القانون الجديد يضع تعريفاً واضحاً للأنشطة العسكرية التي يجب إبلاغ الكونغرس بها ومدى سرعة الإبلاغ عنها. وهذا أمر مهم بشكل خاص بالنظر إلى أوجه الغموض التي استغلتها الإدارات السابقة. ففي عام 2011، توقع محام في وزارة الخارجية أن الضربات الجوية في ليبيا يمكن أن تستمر إلى ما بعد 90 يوماً من صدور قرار صلاحيات الحرب، لأنه لم تكن هناك قوات برية أميركية على الأرض، وهو ما يعني بهذا المنطق أنه يمكن لأي رئيس في المستقبل أن ينفذ حملة قصف إلى أجل غير مسمى من دون إشراف من الكونغرس.

وسيتطلب مشروع القانون من الرئيس تقديم التكلفة التقديرية للعملية العسكرية ووصف أهداف المهمة، وكلاهما يمكن أن يساعد الكونغرس في تحديد إذا ما كانت العملية العسكرية ظلت ضمن الحدود المقصودة أو تجاوزتها.

كيف تغير دور الكونغرس؟

قبل أن يدفع هجوم بيرل هاربور الولايات المتحدة إلى دخول الحرب العالمية الثانية، مارس الكونغرس سلطاته الحربية، ومنع الرئيس روزفلت من الانضمام إلى بريطانيا وأستراليا ودول أخرى في المعركة، لكن في أعقاب الهجوم الياباني على بيرل هاربور، بدأ الكونغرس منح الرئيس مزيداً من السيطرة على الجيش، وكان حريصاً على تقليل دوره الرقابي خشية اتهامه بأنه يقوض الجهود الحربية في المعركة ضد اليابان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واصل الكونغرس التخلي عن تلك السلطات على عكس دوره خلال العصور السابقة، من خلال الامتناع عن كبح جماح الإجراءات الرئاسية التي تجاوزت سلطة الكونغرس، وعلى سبيل المثال لم يصرح الكونغرس بالحرب في كوريا إذ استخدم الرئيس هاري ترومان قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كمبرر قانوني لبدء الحرب الكورية. ومعارضة الكونغرس الصريحة لغزو كمبوديا، لم يمنع الرئيس ريتشارد نيكسون من غزو البلاد. وحتى بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة، كان بيل كلينتون يتصرف بانتظام من جانب واحد لمواجهة الأزمات الإنسانية أو التهديدات المستمرة لقادة مثل الرئيس العراقي صدام حسين.

وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، تخلى الكونغرس عن مزيد من سلطته بشكل أسرع. فبعد أسبوع واحد من تلك الهجمات، أصدر الكونغرس تفويضاً بأغلبية كاسحة لاستخدام القوة العسكرية، ما أعطى الرئيس جورج دبليو بوش الإذن باستخدام القوة اللازمة والمناسبة ضد الدول أو المنظمات أو الأشخاص الذين يحددهم بأنهم خططوا أو شاركوا أو ساعدوا في شن الهجمات الإرهابية على واشنطن ونيويورك.

وفي تفويض استخدام القوة العسكرية عام 2002 الخاص بالعراق، ذهب الكونغرس أبعد من ذلك، إذ سمح للرئيس باستخدام القوات المسلحة، وقرر أنه من الضروري الدفاع عن الأمن القومي وتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالعراق.

وعلى مدى العقدين الماضيين، استخدم أربعة رؤساء هذه التصاريح لتبرير جميع أشكال العمل العسكري، من القتل المستهدف للإرهابيين إلى القتال المستمر منذ سنوات ضد تنظيم "داعش"، الذي يستمر حتى يومنا هذا. ما وفر القليل من الضوابط والرقابة في الكونغرس بشأن ممارسة الرئيس سيطرته الكاملة على الشؤون والعمليات العسكرية الأميركية في الخارج.

تهديدات الحرب

وعلى عكس الإدارات الأميركية المتعاقبة، دعت إدارة جو بايدن إلى مزيد من إشراف الكونغرس على الأعمال العسكرية، قائلة إن الصلاحيات الممنوحة في عامي 2001 و2002 كانت واسعة للغاية وتدعو إلى إساءة استخدام الرؤساء المتعطشين للسلطة. مع ذلك، أوضح الرئيس جو بايدن أنه لا يحتاج إلى أي شيء يتجاوز الدستور لشن هجمات في سوريا خلال شهري فبراير (شباط) ويونيو (حزيران) الماضيين، قائلاً إنه كان يفعل ذلك للدفاع عن القوات الأميركية. وفي منتصف يوليو (تموز)، استخدم بايدن مجدداً سلطة التفويضات لشن غارة بطائرة درون في الصومال ضد مقاتلي "حركة الشباب".

لكن، ربما الاستخدام ذائع الصيت لهذه السلطات الواسعة كان في يناير (كانون الثاني) 2020، عندما استخدم الرئيس دونالد ترمب تفويض عام 2002 لتبرير ضربة قاتلة بطائرة درون مسيرة ضد الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، من دون استشارة الكونغرس، غير أن إدارة ترمب وصفت مقتل سليماني بأنه "إجراء حاسم لمنع إرهابي لا يرحم من تهديد أرواح الأميركيين".

وتصاعدت التوترات والمخاوف من اندلاع حرب مع إيران، لكنها تلاشت ببطء، عندما ردت إيران بهجمات صاروخية على قاعدتين أميركيتين في العراق. وقلل ترمب من خطورة الإصابات بين الجنود الأميركيين.

ولا شك في أن جهود الكونغرس الحالية جديرة بالملاحظة لأنها تسعى إلى جعل الرؤساء مسؤولين أمام الكونغرس عن نطاق أوسع حينما يكون هناك عمل عسكري، وإنهاء السلطة الواسعة والشاملة لتفويضات عامي 2001 و2002 التي سمحت للرؤساء بفعل أي شيء مع دون مساءلة.

المزيد من تقارير