مثل الاتفاق العراقي - الأميركي على انتهاء الأعمال القتالية للقوات الأميركية في العراق نهاية العام الحالي، واقتصار دور القوات على التدريب ومساندة القوات العراقية، خطوةً مهمةً لسحب الذرائع التي كانت تُسوقها الفصائل المسلحة الشيعية لاستهداف المصالح الأميركية في البلاد.
وعلى الرغم من محاولات تلك الجماعات التأثير في زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، واشنطن، والتقليل من شأنها، والقول إنها لن تحقق نتائج تُذكر، واتهام الحكومة بالتهرب من تنفيذ قرار البرلمان العراقي في يناير (كانون الثاني) 2020 الداعي إلى إخراج القوات الأميركية وتقليص دور سفارة واشنطن، فإن الاتفاق كان مفاجأة أربكت الجماعات تلك.
ترحيب
ورحبت "كتلة الفتح" التي تمثل الفصائل المسلحة الشيعية في مجلس النواب بالاتفاق، وأشادت بجهود المفاوض العراقي.
واعتبرت الكتلة في بيان أن ما حصل في واشنطن يُمثل خطوة إيجابية متقدمة في اتجاه تحقيق السيادة الوطنية العراقية، مشيرة إلى أن الكتلة ستتابع تنفيذ بنود هذا الاتفاق.
ويبدو أن هذا البيان صادر من زعامة الكتلة المتمثلة في "منظمة بدر" التي يرأسها هادي العامري، وليس متوافقاً عليه من جانب مكونات الكتلة التي تضم واجهات سياسية لبعض الكتائب المسلحة، بحسب مصادر سياسية عراقية.
وذكرت المصادر أن هذه الجماعات تنتظر الموقف الإيراني من الاتفاق كي تعطي رأياً واضحاً، باعتبارها تنسق مع طهران في جميع المواقف المتعلقة بصراعها مع الولايات المتحدة الأميركية. وترى المصادر أن عدم وجود موقف من هذه الجماعات حتى الآن هو لكون الاتفاق أنهى جميع حججها في مهاجمة السفارة الأميركية والقواعد العسكرية التي توجد فيها قوات أميركية.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أكد خلال استقباله الكاظمي أن المهمات القتالية لن تكون في العراق مع نهاية العام الحالي.
وأوضح أن "دور" العسكريين الأميركيين في العراق سيقتصر على "تدريب" القوات العراقية و"مساعدتها" في التصدي لتنظيم "داعش".
الصدر يدعو إلى وقف الهجمات
ودعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى وقف العمل العسكري ضد الجانب الأميركي بعد تحقق أهدافه بانسحاب القوات الأميركية، مؤكداً ضرورة السعي "لدعم القوات الأمنية العراقية، لاستعادة الأمن وبسطه على الأراضي العراقية، وإبعاد شبح الإرهاب والعنف والمتطفلين وأدعياء المقاومة".
وكتب الصدر في تغريدة على "تويتر"، "شكراً الكاظمي والمقاومة الوطنية على هذا الإنجاز المتمثل بسحب القوات الأميركية"، داعياً الجميع إلى انتظار تنفيذ الاتفاق.
بدوره، وصف زعيم "تيار الحكمة"، عمار الحكيم، موقف الكاظمي بالموفق، واعتبر ما حصل إنجازاً دبلوماسياً للعراق.
ووصف مستشار الأمن الوطني والقيادي في "منظمة بدر"، قاسم الأعرجي، الاتفاق بأنه "إنجاز حقيقي".
تعزيز العلاقات بين بغداد وواشنطن
ويعتقد رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن الاتفاق سيسهم في تعزيز العلاقات العراقية - الأميركية في المجال العسكري، إلا أنه لا يستبعد أن يبرز معارضون للاتفاق.
ويضيف فيصل أن "القوات الأمنية العراقية ستبقى بحاجة إلى ما ترصده الأقمار الصناعية الأميركية من بؤر إرهابية، خصوصاً مع وجود عناصر لتنظيم داعش بين العراق وسوريا ينفذون أعمالاً إرهابية"، لافتاً إلى أن رصدهم من جانب الأجهزة الاستخبارية والأقمار الصناعية وحلف الأطلسي والدول الأوروبية يمثل فرصة مهمة لاستهداف تلك البؤر.
ويشير إلى أن "العراق بحاجة إلى تطوير قدرات التسلح، خصوصاً القوة الجوية والصاروخية، ويمكن للقوات الأميركية أن تساعد في ذلك".
ويرى أن "القوى المعارضة للاتفاق ستذهب تدريجياً إلى العزلة، لأنها تعارض في إطار خارج مصلحة الوطن والأمن الوطني، وتطوير قدرات الدولة الدفاعية والتنسيق مع دول المنطقة والعالم".
ويتابع أنه من "المفروض أن تتوقف الهجمات التي تشكل انتهاكاً لسيادة العراق، وتصفها المؤسسات الرسمية العراقية بالهجمات الإرهابية، ولكون هذه الضربات غير مشروعة".
ويؤكد فيصل أن "الحجج التي تتذرع بها الفصائل الموالية لإيران انتهت بعد انتهاء المهمة القتالية للقوات الأميركية في العراق، أما المستشارون فإن وجودهم طبيعي كما كانت حال المستشارين السوفيات في العراق للتدريب على الطائرات"، مشيراً إلى أن "هؤلاء ليس لهم علاقة بما يسمونه احتلالاً، ويجب احترام سياسة الحكومة وقراراتها ضمن إطار المصلحة الوطنية للعراق".
التسوية الأفضل
ويعتقد رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن "الاتفاق سيكون مرضياً للواجهات السياسية للفصائل المسلحة"، مرجحاً أن يكون هناك "نوع من التهدئة في المرحلة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الشمري أن "هذه الواجهات تدرك أن ما اتُّفق عليه هو أفضل ما يمكن الوصول إليه من تسوية، وبذلك لا تريد أن تتحمل تكلفة المعارضة"، مشيراً إلى أننا "قد نجد تبايناً في قبول هذا الاتفاق، فهناك فصائل ستمضي مع هذا الاتفاق وهناك فصائل ستعتبره مناورة أو خديعة".
ويرى أن "مع تقدم المفاوضات في الملف النووي الإيراني سيكون هناك نوع من التهدئة مع خروقات".
ويتابع أن ا"لكاظمي أحرز تقدماً على صعيد التوازن بين رغبة الفصائل المسلحة بعدم وجود قوات قتالية أميركية ورغبة أطراف عراقية باستمرار وجود القوات الأميركية".
مناورة لكسب الوقت
ويرى الكاتب علي البيدر أن "الإدارة الأميركية تناور لكسب الوقت"، مستبعداً أن يكون هناك سحب حقيقي للقوات الأميركية.
ويقول البيدر إن "الإدارة الأميركية تدرك أن انسحابها من العراق سيؤدي إلى ابتلاع القوى المسلحة الدولةَ". ويعتقد أن "الإدارة الأميركية ستذهب إلى خيار تهدئة الشارع وتنفيس الضغط الحاصل من بعض الكتل السياسية والجماعات المسلحة لكسب الوقت وإطلاق وعود لن تُنفذ، وهي جزء من مناورة سياسية إلى حين إجراء الانتخابات"، مرجحاً أن تضع الحكومة المقبلة خطة للقضاء على تلك الجماعات.
ويلفت البيدر إلى أن "الجماعات المسلحة والأحزاب الموالية لإيران تحاول توظيف هذا الاتفاق لتعلن أن هناك نصراً تحقق على الإدارة الأميركية"، مرجحاً أن تتوقف الضربات على المقرات الأميركية في هذه المرحلة.